لطالما حاولت القيادة الفلسطينية أن تنأى بنفسها بعيداً عن أتون الخلافات العربية، واتخذت من سياسة عدم التدخل في الشؤون العربية الداخلية منهاجاً في عملها، وهو ما دفعها في كثير من الأحيان لاعتماد فلسفة المشي بين الالغام في كل خطوة او حركة تقوم بها، ورغم ذلك لم تسلم فلسطين من الزج باسمها في الخلافات العربية من جهة والشأن الداخلي للبعض منها من جهة ثانية، والحقيقة أن العديد من الأنظمة العربية عملت أحياناً مع سبق الإصرار والترصد على استخدام الورقة الفلسطينية سواء من خلال الأفراد أو التنظيمات، لما تحتله القضية الفلسطينية من مكانة مقدسة في الوجدان العربي.
العديد من أجهزة الأمن العربية حاولت تجنيد الفلسطيني لتنفيذ مآربها، نجحت أحيانا في استغلال الظروف القهرية للتواجد الفلسطيني في دولها فجعلت من البعض دمى تحركها بالشكل الذي يلبي مصالحها، وبخاصة فيما يتعلق بخلافاتها مع الدول العربية الأخرى، والحديث هنا لا يدور عن الأفراد فقط بل كان للجماعات نصيب في ذلك، حيث شكلت جماعة "أبو نضال"في الماضي نموذجاً لبيدق الشطرنج الذي تحركه هذه الدولة أو تلك، ونفذت من خلالها بعض عمليات الاغتيال التي طالت قيادات فلسطينية لا تسير في فلك سياساتها، المؤكد ان فلسطين كانت دوماً هي الخاسر الأكبر جراء ارتماء البعض في حضن هذه الدولة أو تلك.
لا شك أن تحديد الموقف الفلسطيني حيال ما يدور في عالمنا العربي يتطلب قراءة دقيقة ومعمقة، ويحتاج للتمعن في المعادلة المعقدة التي باتت تحكم العلاقات العربية، مؤكدا أننا لا نرغب باي حال من الأحوال الزج بفلسطين في الخلافات العربية من جهة وشؤونها الداخلية من جهة أخرى، لكن أحياناً يفرض علينا اتخاذ موقف واضح لا يقبل الالتباس، خاصة تلك المتعلقة باستخدام المخيمات الفلسطينية في الدول العربية ساحة للصراعات الداخلية التي لا ناقة للمخيمات فيها ولا جمل، حيث دوماً تحاول جهات عدة الزج بالمخيمات الفلسطينية في لبنان في أتون صراعها الداخلي، وهو الشيء ذاته الذي يعاني منه اليوم مخيم اليرموك في سوريا وإن كانت معاناته تقع ضمن معادلة أكثر تعقيداً.
كثر الحديث في الأيام السابقة عن عدم وجود موقف حازم من قبل القيادة الفلسطينية فيما يتعلق بالأحداث المأساوية التي تدور رحاها في مخيم اليرموك، وحقيقة الأمر وبعيداً عن لغة العاطفة ورغم الألم الذي يعتصر الكل الفلسطيني على حال أهلنا في المخيم الذين وجدوا أنفسهم بين السندان والمطرقة، فإن التدخل الفلسطيني المباشر يكتنفه الكثير من التعقيد، فمن جهة لا يمكن للتدخل الفلسطيني أن يمر عبر بوابة النظام السوري كون ذلك سيلحق الضرر بالعلاقات الفلسطينية مع العديد من الدول العربية، وفي الوقت ذاته لايمكن لنا التحالف مع التنظيمات المتطرفة التي تسيطر على أجزاء كبيرة من المخيم، سواء تلك التي تجد قبولاً ودعماً من البعض أو تلك التي يضعها العالم على قائمة الإرهاب، وبالتالي فإن التدخل الفلسطيني في الأحداث التي تعصف بمخيم اليرموك من الأفضل أن يتم عبر اخراج المخيم من جبهة الاقتتال الداخلي، وبطبيعة الحال هذا لا يعفينا من تحمل المسؤولية الكاملة حيال مأساة أهلنا في مخيم اليرموك بكل تفاصيلها.
بقلم/ د. أسامة الفرا