الشأن اليمني وسلوك مصر في عهدي ناصر والسيسي

بقلم: شاكر شبير

هناك مقارنات ومقاربات بين دخول مصر في المشكل اليمني في عامي 1962 و 2015، لكن هذه المقارنة شكلية ظاهرية وتستند الى بيانات مشوهة، واستقراءات مشوهة لعدم معياريتها. فمصر الستينات أو قل مصر عبدالناصر كانت بلدا رائدا على مستوى عالمي، وكانت القاهرة قبلة الأحرار والثوار في العالم من نيلسون مانديللا إلى تشي جيفارا. وهي لا تقارن على سبيل المثال بمصر مبارك على الإطلاق، والتي كان دورها العالمي لا يتجاوز دور اي جمهورية من جمهوريات الموز!

يقول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: اليد العليا خير من اليد السفلى وابدأ بمن تعول‏,‏ وخير الصدقة ما كان عن ظهر غني ومن يستعفف يعفه الله ومن يستغني يغنه الله. اليد العليا هي المنفقة التي تعطي واليد السفلي هي السائلة التي تأخذ. في عهد عبدالناصر كانت مصر هي التي تنفق؛ البعثات التعليمية المصرية في كافة أرجاء الأرض، حيث مصر تدفع رواتب الأساتذه والمعلمين المعارين للدول بما فيها دول الخليج. وكانت مصر التي التي تقوم بكسوة الكعبة سنويا، وهناك تكية مصرية في الأماكن المقدسة للحجاج وزوار الأماكن المقدسة. وكانت ترسل البعثات التعليمية من الأزهر الشريف وتبتعث طلابا من الدول الإسلامية ومدينة البعوث الإسلامية شاهد على اليد العليا لتلك الحقبة. باختصار مصر 1962 صاحبة اليد العليا؛ فهي المنفقة، لذا فهي حرة في قراراتها.

اليوم مصر، أي مصر 2015، تنتظر ورود الأموال، وسمها ما شئت؛ استثمارات منح قروض من الدول الأخرى وبالذات الخليجية، فهي صاحبة اليد السائلة؛ لذا هذا الوضع لا يتغير مهما حاول السيسي تسويغ سلوكه الناجم عن ذلك بأنه نابع من مبدأ، تسويغ لا يستطيع الرئيس السيسي أن يقنع نفسه، بينه وبينها، بالمسوغات التي يطرحها!

عبدالناصر رجل تقدمي، يريد أن يبعث الأمة ويقف مع الثورات لإحداث تغير نوعي في هذا الاتجاه. نفس المنطلق الذي ساند فيه عبدالناصر ثورة الجزائر والكونغو وإيران على الشاه، كانت مساندته للثورة في اليمن. وقد نجح عبدالناصر في ذلك الوقت وعلامة نجاحه عدم عودة النظام الملكي. سرقة ثورة الشعب اليمني لم تتم دفعة واحدة، بل تمت من خلال المتابعة المستمرة لإجهاض الثورة، وإجهاض الثورة يعني عدم السير في مأسسة الدولة والإبقاء على القبلية فيها واستشراء الفساد والإبقاء على وضع التخلف العلمي والتقني. إحدى هذه المرات حدثت بعد وفاة الرئيس جمال عبدالناصر ببضع سنين من خلال اغتيال الرئيس الشهيد براهيم الحمدي.

مصر السيسي اليوم تقوم بمقايضة وإن حاول الرئيس نفيها، مقايضة الأموال بالمشاركة في التحالف السعودي. الجيش الذي يقوم بمهام قتالية مقابل المال يتم طلاق نعت مرتزق عليه، مثل جيش البجيكيين الذي كان يحارب بجانب تشومبي في الكونغو.

صاحب اليد العليا يكون في مقصورة القيادة، وهذا ما رايناه في تدخل مصر 1962 لنصرة الشعب اليمني. أما صاحب اليد السفلى مهما حاول أن يقوم بحركات وفهلوة، فمكانه في المقطورة أي السبنسة! فأين مصر اليوم في التحالف السعودي ضد اليمن؟ وهل مصر 2015 تجلس في مقصورة قيادة عاصفة الحزم أم في السينسة؟!

يعجب خادم عنتر من أن الناس معجبة بأشعار عنترة وغزله، وكان يحب جارية عند عنتر فقال فيها ابيات:

تعوري لي عين وأعورلك عين *** ونعيش عور إحنا الاثنين

فلا يجوز المقارنة بين الرئيس عبدالناصر والرئيس السيسي، كما لا يجوز المقارنة بين تصرفات مصر عبدالناصر ومصر السيسي.

بقلم/ د. شاكر شكري شبير