الضرائب الجديدة : ضرائب غير مسئولة واستنزاف بالإكراه لجيوب الفقراء , و تعزيزاً ونفاذاً لمفعول اللا عدالة في التوزيع وتسريعاً لتعميم الفقر , وسريان الأبراتاهيد الاقتصادي.
الضرائب الجديدة : الحل الأنجع للتخلص من الفقر عبر إبادة الفقراء !!!
الضرائب الجديدة : العدالة الغائبة التي لن تعود بسبب ضياعها بين قرارات الأغنياء والسياسيين وبين ليالي الأمراء والأثرياء الجدد.
تُعتبر الضرائب من أكثر السياسات المالية فعالية في النظام المالي لأي دولة متقدمة أو نامية على حد السواء, وتكمن أهميتها من خلال تركيزها ودورها في إعادة توزيع الدخل بما يخدم مصالح الأغلبية, ويرافق الضرائب عادة آثار اجتماعية متفاوتة حيث تأثيراتها المتسعة والتي تكون نتاجاً للتغيرات في مستويات الناتج والتشغيل وبعض المؤشرات الأخرى التي تشكل مصادراً للنمو الاقتصادي, وتاريخياً يُعد الملك الأشوري حمورابي أول من وضع نظاماً ضريبياً, حيث تناولت المادة 36 من شريعته الشهيرة التشريعات الضريبية, وتطورت الضريبة واختلفت أهدافها عبر العصور مع تطور النظم السياسية والاقتصادية والاجتماعية السائدة, ففي العصور الوسطى كانت الضريبة في صورة جزية يفرضها المُنتصر على المهزوم في ظل الإمبراطورية الرومانية التي فرضت ضرائباً على المحاصيل الزراعية وعلى السلع التجارية, ونتيجة لتميز تلك المرحلة بالحروب والنكبات مما ساهم بزيادة حجم الضرائب التي زادت الأوضاع الاقتصادية سوءاً, وغلب الطابع العيني على الضرائب نتيجة لحاجة الخزينة للمال, وكانت تفرض الضريبة سنوياً على الأرض وعلى الرؤوس ( وهم الأشخاص البالغين من العمر الرابعة عشر إلى الستين), وخضعت المهن للضريبة, وفُرض على الفلاح ضرائب عن طريق مساهمته في إصلاح الجسور والطرقات, أما ابن خلدون فيرى أن ما يزيد دخل الدولة ويُنميها هي الجباية, ولذلك رأي العلامة الإسلامي ابن خلدون أن يمتنع الحاكم عن التجارة والفلاحة وعن منافسة العاملين بها في أنشطتهم وحركتهم , وأن يكون دوره يكمن في توفير العدالة وتحقيق العدل بين الناس, ومع تأسيس الدولة الإسلامية, أسس عمر بن الخطاب بيت المال, وهي دائرة تهتم بالمصالح المالية للدولة, وتعتبر الزكاة مصدر أساسي من مصادر تمويل بيت المال في الدولة الإسلامية إضافة للضرائب كضريبة الخراج وضرائب التجار وضريبة الخمس وضريبة العشور التجارية وضريبة الأراضي العشرية (الأراضي الذي يملكها الذميون) , ويُطلق الاقتصادي محمد الصدر على الزكاة بأنها ضريبة الزكاة معتبرها بأحد أهم المصادر المالية للدولة , وهناك الجزية تفرض على غير المسلم مقابل تمتعه بالأمن والحماية في الدولة الإسلامية, وأول من طبقها عمر بن الخطاب وهي تدفع نقداً وتخضع لتقديرات أهل الشورى مع مراعاة وضعهم المادي , حيث تم فرض جزية على غير المسلم في عهد الخطاب بقيمة 12 درهم يدفعها الفقير , و 24 درهم يدفعها المتوسط, و36 درهم يدفعها الغني, وفي العصور الوسطى تنوعت الضريبة, فمع سقوط الإمبراطورية الرومانية بدأت فترة العصور الوسطى في أوروبا وامتدت حتى سقوط القسطنطينية في بداية النصف الثاني من القرن الخامس عشر الميلادي, واتسمت بالتفريق بين ملاك الأراضي والطبقة العامة حيث أدى تفكك الدولة الرومانية إلى إنهاء معظم مفاهيم الدولة وانتهت معها النظم المالية التي عرفتها الإمبراطورية الرومانية, وأصبح مالك الأرض عدو السلطة الإدارية, والسلطة الإدارية شكلت الوحدة الاقتصادية والسياسية الجديدة, وبدأ نفوذ الكنسية يتسع من خلال ازدياد الممتلكات لتصبح من كبار الملاك ودخل الاقتصاد العالمي في مرحلة الإقطاع , وتركزت الضريبة على عامة الشعب وكانت الضريبة في القرن الثالث عشر تعتبر بمثابة هبة أصبحت في القرن الرابع عشر ذات طابع عام ومستمر,وفي العام 1429 أقر في إنجلترا حق فرض الضريبة للملكية الدائمة حيث أصبح للملك سلطة إصدار القوانين بما فيها فرض الضرائب والتي تحملها الشعب دون رجال الدين, وفي العام 1446 م انتقد الكاتب الأسباني أيياس النظام السائد في أسبانيا والقائم على تعدد الضرائب ودعا لإلغائه واستبداله بضريبة واحدة على الدخل, وفي العام 1707م انتقد الكاتب الفرنسي نظام الضرائب غير المباشر السائد في فرنسا, واقترح بفرض ضريبة واحدة على الزراعة وضريبة مباشرة على الدخل.
وتستخدم الدولة غالباً الضرائب كأداة ووسيلة لإعادة توزيع عادل للدخل والثروات وتحسين مستويات المعيشة, ويرتبط فرض الضرائب بعدة أسباب وهي أن يكون هناك تحسن في الاقتصاد ورواجاً في الحياة الاقتصادية وكذلك أن يتم إقرارها من قبل البرلمان وأن يتم إنفاقها في أوجه معروفة ويحق لدافعي الضرائب معرفة ماهية تلك الضرائب وحجمها ومدى الاستفادة الحقيقية التي مُني بها وتلك الشروط غالباً غير موجودة في قطاع غزة حيث الركود وسن القوانين بعيداً عن العقلانية , وغموض شكل فرض الضرائب وحجمها وعدم مراعاتها للبعد الاجتماعي , وفي العديد من الدول عبر التاريخ شهدت أزمات اقتصادية وحدوث ثورات للجياع والفقراء بسبب فرض الضرائب , وبسبب ذلك حدثت ثورات واحتجاجات ضد الأنظمة الاقتصادية والسياسية السائدة بسبب الجوع ونقض رغيف الخبز وهو الغائب الذي لن يعود بسبب ضياعه بين قرارات الأغنياء وطوته ليالي الأمراء والأثرياء الجدد, ومن أبرز الثورات في التاريخ هي ثورة الجياع التي لا يمكن إخمادها من أي نظام كان بخلاف الثورات ذات الطابع السياسي , وذلك كون تلك الثورات تنادي برغيف الخبز والعيش والحرية والكرامة , ومن الدول التي شهدت مثل تلك أزمات هي مصر.
وتجلت تلك الأزمات في حدوث المجاعات وثورات الجياع ضد الأنظمة المستبدة, حيث أن أول ثورة جياع على مستوى العالم كانت ثورة مصرية فرعونية ضد الملك بيبي الثاني ( حكم مصر لمدة 96 عام ), خلفت هذه الثورة رغم نجاحها فوضى استمرت 180 عام, ومن شواهد تلك الأزمة؛ هجوم الناس على مخازن الحكومة والاعتداء على مقابر الموتى وقصور الأغنياء ورُفع شعار " الأرض لمن يحرثها", مما أدى برجال الدين والأغنياء بالهجرة من مصر, كذلك حدثت ثورة جياع في عهد بطليموس الثالث أثناء حروبه في سوريا مما أدى لانهيار الاقتصاد المصري ومضاعفة الضرائب على المصريين ورافق ذلك اشتداد المقاومة والاحتجاجات الشعبية ضد الحكومة, ويعتبر الحل الذي قام به بطليموس الثالث حلاً في متناهي الحكمة والعقلانية حيث اتبع سياسة اقتصادية- اجتماعية متوازنة استطاعت الحد من الأزمة الاقتصادية ومنها استيراد القمح من فينيقيا وقبرص وسوريا, وتنازل الملكة والكهنة عن جزء كبير من دخولهم , ثم بعد ذلك توالت المجاعات في عهد بطليموس الرابع والرومان والحكم الإسلامي, وأهم مجاعات مصر في العصر الإسلامي كانت في العهد الأموي حينما أصبح عبد الله بن عبد الملك أميراً على مصر, وشهدت البلاد في تلك الفترة ارتفاع كبير في الأسعار وفقدان العديد من السلع من الأسواق مما آثار حفيظة المصريين بالثورة ضد النظام القائم مما دفع عبد الله بن عبد الملك بالهروب إلى الشام, ثم حدثت أزمة في عهد الخليفة المستنصر ولشدة الجوع في عهده تم بيع حارة كاملة مقابل طبق من الطعام وسميث تلك الحارة ب " حارة الطبق", وكذلك اشترت سيدة قطعة خبز بحدود 1000 دينار , وتوقفت الصناعة والتجارة وانتشرت البطالة والسرقة, وفي كل الثورات المصرية حتى المعاصرة منها رفعت شعارات " عيش, حرية , عدالة اجتماعية.
وفي قطاع غزة والتي تعاني من أوضاع اقتصادية- اجتماعية صعبة هي الأشد منذ عقود, حيث ارتفعت معدلات البطالة لحدود 50% وقرابة ثلثي السكان يعتمدون على المساعدات الإغائية من الخارج, وعلى الرغم من تدني مستويات المعيشة وحالة الركود الاقتصادي الشديد التي يعاني منها قطاع غزة إلا أن المجلس التشريعي في قطاع غزة قد أقر قانون جديداُ للضرائب أطلق عليها بضرائب التكافل الاجتماعي والتي تنص على فرض ضرائب بحدود 1% ثم 2% ثم 10% على السلع غير الأساسية كالفاكهة واللحوم والأحذية والأعلاف وقرابة 400 سلعة أخرى إضافة لرسوم على المعاملات الحكومية وهي فعلياً سلعاُ أساسية وأن يفرض عليه مزيدا من الضرائب من شأنه أن يحدث عزوف من المواطن عن طلبها ويعني حدوث ما يشبه بالفصل العنصري في جنوب أفريقيا ولكن بشكل ثاني وهي أن تكون بعض السلع من الصعب لنسبة كبيرة من الأفراد اقتنائها والحصول عليها ضمن الأسعار السائدة ألا يشكل ذلك أبراهاتايد اقتصادي!! , هذه الضرائب غير المباشرة سيتحملها الفقراء وذوي الدخول المنخفضة وهي الأشد تأثيراُ على مناحي الحياة, وتعتبر وسيلة لتفاقم مشكلة الفقر وهي تحاكي المقولة القائلة للقضاء على الفقر فما عليك إلا إبادة الفقراء وذلك من خلال الضرائب !!, وعلى الرغم أن غزة تعاني من ارتفاع معدلات البطالة وبلوغ عدد العاطلين عن العمل بحوالي 200 ألف فإن فرض مزيداُ من الضرائب تعني أن يقوم الفقراء من جديد بتمويل الأغنياء, حيث أن الأسعار سترتفع بحدود أكبر من فرض تلك الضريبة ( فرض ضريبة مثلاً بحدود أغورات على سلعة ما يرافقه ارتفاع في السعر بحدود أضعاف مضاعفة وذلك في ظل عدم وجود سياسات رقابة فاعلة ووجود حالات استغلال بأشكال متعددة) , وللضرائب تداعيات خطيرة من شأنها الضغط على النشاط الاقتصادي وتراجع أداء الأسواق وتراجع الطلب الكلي وهو أهم مصادر النمو الاقتصادي , ومن شأن ذلك اتساع الهوة بين الأغنياء والفقراء , وما قام به المجلس التشريعي الفلسطيني يتناقض مع عدة برلمانات بالعالم الذين دعوا
إلى تعديل قانون الضرائب في بلادهم وخصوصاً قانون ضريبة الدخل وفرض ضرائب تصاعدية على الأغنياء والأثرياء بدلاً من تحميلها للفقراء وذوي الدخول المنخفضة اللذين ولفترة طويلة هم من كان يمول خزينة الدولة في مقابل تقديم الدولة الامتيازات والإعفاءات الضريبية التي يحصل عليها الأغنياء والشركات الكبيرة, ودعوا إلى أن التضامن الحقيقي للفقراء يكمن بتحقيق مزيداً من العدالة الاجتماعية؛ حيث أن الفقر قد اتسع عالمياً وأصبح ظاهرة عامة بسبب عدة أسبابها وأهما اللا عدالة في توزيع الدخل ( وهو سبب رئيسي للأزمة الاقتصادية العالمية المتمثلة بفيض الإنتاج أي عدم وجود قدرة من قبل الناس على الشراء وللمجتمع الأمريكي أكبر دليل حيث تراجع طلبه على السلع والخدمات السنوي بحدود 3 تريليون دولار ) حيث في فبراير 2015 بلغ ثروة %1 من الأغنياء ما يقارب 48% من ثروات ودخول سكان العالم ككل.
وعليه فقد كان الأولى على أعضاء المجلس التشريعي في قطاع غزة ( والذين يتقاضوا رواتب تزيد عن 3000 دولار شهريا باستثناء النثريات الأخرى ويبلغ راتب عضو التشريعي الفلسطيني 30 ضعف راتب الأسرة الفلسطينية المستفيدة من برامج الحماية الاجتماعية والتي تتقاضي قرابة 100 دولار شهرياً علماً أن حد الفقر النسبي في الأراضي الفلسطينية يقترب من 700 دولار والحد الأدنى للأجر شهريا قرابة 370 دولار, وهذا التفاوت سيتفاقم أكثر مع فرض مزيداً من الضرائب في ظل عدم توفر دخل ولا فرصة عمل وفي ظل ارتفاع للأسعار ) أن يقوموا بسن قانوناُ حقيقياً للتكافل الاجتماعي يتمثل في فرض ضرائب مرتفعة تزيد عن 40% على رواتب نواب القوم على قاعدة أن نائب القوم خادمهم, وأن ساقي القوم آخرهم شرباً وأولهم ظمأ, وكذلك فرض ضرائب تصاعدية على دخول وأرباح الشركات الكبرى وترشيد النفقات وعدم الاقتراب من الضرائب غير المباشرة وكذلك فرض ضرائب مباشرة وأن تشكل نسبة معقولة وليس فقط كما هو سائد أن تكون الضرائب غير المباشرة 6 أضعاف الضرائب المباشرة, حيث أثبتت السياسة الضريبية في الأراضي الفلسطينية عدم جدواها لاعتمادها على المقاصة وهي نتيجة لاتفاق باريس الاقتصادي حيث أنها تفرض وتعادل بين مستوى معيشة الفلسطيني والإسرائيلي والذي يزيد متوسط دخله السنوي عن أكثر من 27 ضعف الدخل السنوي للفرد في قطاع غزة.
كذلك قد فُرضت تلك الضرائب بعيداً عن موافقة الحكومة الفلسطينية و في ظل وجود انقسام سياسي وغموض في القنوات التي ستنفق عليها تلك الضرائب , كذلك فإن الوضع الراهن ولإنقاذ الفقراء وتحقيق استقرار في قطاع غزة يتطلب سياسات تحفيزية لتنشيط الاقتصاد والخروج بخطوات حتى لو كانت بطيئة وخجولة عبر زيادة الإنفاق الحكومي وتقديم تسهيلات ائتمانية ودعم قطاعات اقتصادية منتجة وموازنات ذات بعد اقتصادي تنموي.
وفي المحصلة الأخيرة فإن ما تم التصريح به بأن تلك الضرائب لإنقاذ الفقراء ومساعدتهم كمرحلة ثانية فهذا مستحيل وصعب , وحسب الواقع فهو العكس من ذلك حيث سيدخل عدد أكبر من الغزيين لدائرة العوز والفقر والحرمان, وسيعزز ذلك صعوبات جديدة لعلاج المشكلة الرئيسية في قطاع غزة وهي الفقر والتي تحتاج لعصا موسى السحرية ولمعجزة ولبعد أفق ولسياسات مغايرة للمطبقة الآن ومن تلك السياسات ما هو متاح فعلياً وهي السياسة الإنفاقية وتوزيع عادل لبنود الموازنة ولبعض أشكال الأنشطة الاقتصادية التي لم تشكل دخلاً حقيقياً لغاية الآن كونها تعتمد على التداول والأنشطة والخدمات واعتماد الاقتصاد على رواتب الحكومتين الفلسطينيتين في ظل الاحتلال على المنح الخارجية والضرائب المحلية والمقاصة وهي المصادر التي لم و لن تبني اقتصاد منتج وحقيقي ما لما يحدث إعادة نظر فيها من قبل السلطة الفلسطينية المثقلة بالديون وسياساتها الاقتصادية التابعة بشكل أو بأخر للاقتصاد الإسرائيلي في ظل علاقات اقتصادية غير ندية وغير عادلة تشبه سياسات المراكز والأطراف وعلى شكل أقل سياسة الضم والإلحاق .
بقلم/ حسن عطا الرضيع
باحث اقتصادي/ غزة