هل حققت الكوميديا العربية المسيسة طموح الناس؟

بقلم: صبري صيدم

قدمت الكوميديا العربية خلال العقود الماضية محاولات عدة في مجالات التأثير على صناعة القرار العربي، أو السعي لتوجيه المواقف العامة وسياسات الحكم وتطوير الديمقراطية، فحاول البعض منها في ظل كتم الأنفاس الشائع في العالم العربي انتقاد النظام السياسي والإشارة بسخرية وتهكم للصعوبات والتحديات القائمة في مسعى واضح للتغيير. وقد حاولت مسرحيات وتمثيليات وأفلام عديدة توجيه النقد اللاذع لأنظمة
الحكم وأوجه الاستبداد وغياب الديمقراطية وسطوة الحكام، لكن قلة قليلة من تلك المحاولات تمكنت من الوصول إلى جمهورها ومحيطها العربي، بينما شهد الكثير منها نهاية درامية محزنة وصلت بصاحبها إلى الإسكات القسري أو التكميم الفعلي أو المعنوي.
مسرحيات العرب وإنتاجاتهم الكوميدية المسيسة غالبا ما عانت من شح التمويل وتردد الرعاة وغياب الجودة وضعف الإمكانيات، نتيجة حالة الخوف التي صاحبت عملية الإعداد والتنفيذ، ولأسباب يستطيع الكثير منا تفهمها. ورغم اختلاف البعض حول تصنيف تلك الأعمال ومدى تورط الأنظمة العربية في توفير الدعم المبطن لتلك الاعمال، أو القائمين عليها، إلا أن البعض منها نجح في تشخيص التحديات التي تواجه الوطن العربي، وحال معظم حكامه وتفاصيل الحياة المعاشة وغيرها، مما يعبر عن الواقع الاقتصادي والاجتماعي والثقافي وغير ذلك. ومع ظهور ما اصطلح على تسميته بـ»الربيع العربي» فإن دائرة ظهور الكوميديا المسيسة قد عادت للاتساع، مستفيدة من انتشار شبكات الإعلام الاجتماعي، وسهولة الإنتاج المرتجل وتعميمه عبر الإنترنت، وبهذا بدأنا نرى ظهورا متجددا لأشكال متنوعة من التعبير عن الموقف السياسي، بصورة تعيد إنتاج برامج مستوردة، يقوده بعض الكوميديين الجدد أو بالأحرى الداخلين الجدد إلى سوق الكوميديا. لكن رسالة الكوميديا السياسية العربية ما زالت تائهة وغير قادرة على الوصول إلى صلب القضايا الحساسة، حسب رأي الكثيرين، وذلك لعدة أسباب يعزوها البعض، إما إلى غياب الحيادية لدى البعض وارتباطهم مع الجهات التي ينتقدونها، أو لغياب الوضوح في الموقف والتخبط في الرأي، أو حتى لتلهف البعض لتحقيق النجومية، دونما استثمار واضح في مغزى الرسائل المقترحة، بحيث يكون الأداء الكوميدي مرتبطا بحجم الضحك الذي يولده لا طبيعة الرسالة التي يريد إيصالها للمشاهدين والمستمعين إليها.
ورغم محاولات الترويج للربيع العربي ودوره في إتاحة المزيد من الحريات، إلا أن النهاية الدرامية لبعض العاملين في مجال الكوميديا شككت بتلك المساحات المقترحة، ولعلها أبرزت أن حالة الفوضى العارمة في بلدان العالم العربي الملتهب بربيع العرب، لم توفر إمكانية لتحقيق الجهوزية اللازمة لدى الأنظمة الحاكمة لتقبل توسيع دوائر الكوميديا وازدياد حدة الانتقاد فيها. لذلك يرى الكثيرون أن الكوميديا العربية لم توفر سوى مساحة «للتنفيس» المعنوي ليس إلا، وأن العالم العربي ليس ناضجا لتحمل مساحات الانتقاد المتوقعة، خاصة مع الاتساع الكبير لمساهمات الشتات العربي في انتاج المساهمات الكوميدية المتسعة. كما يرى البعض أن التشدد الديني قد ساهم في الحد من تقبل فكرة التأثير الناتج عن الكوميديا في المجتمعات التي
يسيطر أو يؤثر عليها هذا التشدد.
خلاصة القول إن فوضى التحالفات وبشاعة المشهد السياسي في العالم العربي واختلاط الحابل بالنابل لم تستطع توفير التأثير الواجب للكوميديا، بل جعلت من الكوميديا مساحة للضحك دونما تأثير أو فعل، لذا وكما يقول البعض، فإننا إن ضحكنا أو حزنا في العالم العربي فإن هذا لن يقدم أو يؤخر في صناعة القرار، وإنما سيساهم في عكس المشاعر الشخصية الآنية ليس إلا. وعليه فإن من يضحك الآن ليس بالضرورة أن يضحك غدا…

٭ كاتب فلسطيني

د. صبري صيدم