قرّرت لجنة المتابعة العليا للجماهير العربية ولجنة السلطات المحلية العربية، في الاجتماع الذي انعقد مساء الاثنين المنصرم في مدينة الناصرة، الإعلان عن يوم الثلاثاء المقبل 2015/4/28، يوم إضراب شامل في جميع البلدات العربية. وأن يتم تسيير مظاهرة قطرية في مدينة تل أبيب، كخطوات احتجاجية ضد سياسة هدم منازل المواطنين العرب.
وقد نشر أن القرار اتخذ بالإجماع، ولكن بعد أن سجّلت الحركة الاسلامية الشمالية تحفّظها على مكان إقامة المظاهرة القطرية.
تلقت الجماهير العريضة، كما في معظم الحالات السابقة، قرارات هذا الاجتماع بمشاعر مختلطة، وانقسم الناس حولها بين مؤيدين ومعارضين، بينما لم تشغلهم عدة تفاصيل برزت في الجلسة، وقد تكون مؤشرًا على كيف ستدار شؤون العرب في إسرائيل في عهد «القائمة المشتركة»، أو ربما تكمن فيها بشائر عمّا سيكون في المظاهرة المزمع إطلاقها في ميدان «رابين» في تل أبيب، وكيف سيُمارس يوم الإضراب المعلن. لقد وصف أحد المشاركين في الاجتماع من وجدوا هناك، «بالحضور المتواضع»، بعد أن لاحظ غيابًا كاملًا واضحًا لجميع قيادات الأحزاب والحركات العربية والإسلامية ورؤساء معظم البلديات والسلطات المحلية العربية.
من شاهد ما نشر من صور عن هذا الاجتماع يتحقق مما قيل أعلاه، ويدهش أيضًا من اقتصاره على عدد محدود من الذكور فقط، وخلوّه من حضور أي سيّدة أو آنسة من أي حزب أو حركة أو جمعية أو صف. بالمقابل، وفي ساحة أخرى، كانت أصداء دعوة نواب القائمة المشتركة للقاء مرتقب مع ممثلين عن الجامعة العربية، تنفلش بدوائر تتسع ببطء وتخفي، كلّما اتسعت، الحقيقة والواقع.
ففي البداية، بشّرنا الرواة أن قادة العرب في المثلث والنقب والجليل، تجاسروا ورفضوا دعوة وجهتها لهم الجامعة العربية، كخطوة من قادتها لإبداء مشاعر التقدير والعرفان لنا، نحن أبناء الاقلية العربية، لأن آباءنا صمدوا في وطنهم وعاشوا في «بطن الحوت» ردحًا، بينما تركهم الأهل وعيّروهم، ظلمًا وبهتانًا، بالخيانة والتفريط.
ما كدنا نستوعب تدفق تصاريح النواب وهم يشرحون، كل على طريقته ولأسبابه، لماذا لا يلبون دعوة الجامعة العربية في الوقت الراهن، بدأ بعض المتحدثين يؤكدون أن الجامعة العربية لم تطلق دعوة، لا رسمية ولا شبه رسمية، وبعضهم أوضح أن أصل القضية يعود إلى خبر خاطئ نشر أولًا في هضاب فلسطين، ولم يوأد وهو وليد، فصار شائعةً، طارت وكبرت لتكون خبرًا، فتحوّل وهمًا، تحدّاه قادة بمواقف ستسجّل لهم وعليهم هناك في عواصم الإخوة العرب، التي إن «قرص» أصحابها مرّة، قد يخافون، في المستقبل، من جرّة الحبل.
بالتوازي مع قرار الإضراب العام والمظاهرة القطرية، بادر نواب القائمة المشتركة، لعقد لقاء مع المستشار القانوني للحكومة الإسرائيلية، المحامي يهودا فاينشطاين. كانت أجواء الاجتماع إيجابية، فمع المستشار القانوني حضر طاقم موسّع من القانونيين الكبار ومسؤولون مباشرون عن ملف «الأبنية غير المرخصة»، أو ما نسميه نحن العرب «سياسة هدم المنازل العربية»، بينما ضم وفد المشتركة نوّابًا مثلوا كل مركّباتها. طرح نواب المشتركة في الاجتماع، تفاصيل هذا الملف وحمّلوا حكومات إسرائيل المتعاقبة، مبدئيًا، كامل المسؤولية عمّا تعانيه الجماهير العربية من سياسة هدم البيوت وأزمة السكن المتفاقمة في بلداتنا العربية بشكل عام وبما يعرف بالبلدات غير المعترف بها، كما وقفوا على مسببات هذه الأزمة نافين أن يكون المواطن المحتاج لسقف يأويه وأفراد عائلته «مجرمًا»، بينما لا توفر له الدولة ومؤسساتها،عمدًا، هوامش للعيش بكرامة وفرصًا لاحترام قوانين البناء.
انتهى اللقاء، كما فهمنا، ببعض التفاهمات الأولية، التي إن توبعت وتوفرت النوايا، قد تفضي إلى تخفيف حدة الأزمة، وربما إلى حلول توقف نزيف الهدم المستمر في قرانا بشكل مستفز وموجع.
في هذه الأثناء، ومع تصاعد الأصوات المنادية بالتصدي لسياسة هدم البيوت العربية والبدء بإطلاق الدعوات للمشاركة في مسيرة العودة إلى قرية «الحدثة» المهجرة، بدأت وسائل الاعلام تسلط الضوء على بيان وقعه أربعة من أئمة المساجد في مدينة الطيبة، ووجّهوه إلى رئاسة اللجنة المحلية المعينة في المدينة وطالبوها بشكل، «حضاري لحوح ومرموق» بقبول مطالبة مقدّمي العريضة، «حتى نتمكن بمعيتكم من أن نحافظ على الممتلكات والنظام العام ورفض الفوضى واحتواء الطلب»، عن طريق إزالة اسم الشاعر محمود درويش عن أحد الشوارع، لأن محمود درويش، على ما يبدو، برأي المتوجّهين، غير جدير بهذا «الشرف والتكريم»، ويقترحون استبداله بشارع يحمل اسما آخر يقترحونه.
أصدرت الجبهة الديمقراطية للسلام بيانًا اعترضت فيه على ما كتبه أولئك الأئمة ورفضت دعوتهم جملةً وتفصيلا، وهكذا فعلت أيضًا «الحركة العربية للتغيير»، بينما صمتت أحزاب وحركات أخرى، وغابت عن هذا المشهد كلّه مؤسسات المجتمع المدني، خاصة تلك التي تروّج للديمقراطية وتعتاش على التعددية، وتنمو على نداءاتها من أجل المحافظة على الإرث الحضاري والثقافي لشعبنا ومجتمعاتنا.
لوهلة يبدو وكأنني تطرقت لأربع قضايا لا تجمعها قواسم مشتركة، لكنني أراها مترابطة أكثر مما تبدو عليه؛ فقرار الإضراب العام والمظاهرة في تل أبيب «طبخ»، على ما يبدو، في مطابخ المشتركة وحلفائها والمقربين منها، وتمّ، في الاجتماع المذكور، إشهاره على الملأ، بعد أن نقله من حُمّلوا الأمانة فحملوها وحمّلوها، أمّا رفض دعوة الجامعة العربية، التي لم تكن، كان تمرينًا آخر في مطبخ المشتركة، واستشرافًا لما قد يواجه النواب من مسائل إشكالية سيكون نقلها إلى جسور بعيدة حلًا، وعند وصولهم إلى تلك الجسور «الله بيحلها»! واللقاء مع المستشار القانوني لحكومة إسرائيل كان خطوةً قد تصبح نهجًا يؤتي ثمارًا ونتائج وقد، يصير، كما كان، مثارًا لخلاف وفرقة، وأخيرًا، يبقى الشعراء الكبار وشعرهم هم الأدوم، فمن جمعهم محمود درويش في حياته يجمعهم في مماته، لأن الذاكرة: «تنقرها العصافير المهاجرة الحزينة، لم تنس شيئا غير وجهك، كيف ضاع؟».
وبكلام آخر، القائمة المشتركة مطبخ، يعمل طهاتها حتى الآن، كما يعمل الطهاة المهرة، تؤثر المشترك وتحاول تطويره، تحذر دفء العواصم البعيدة، وتعرف أن مياديننا هنا، فإمّا أن نكون هنا وإما أن لا نكون هناك.
٭ كاتب فلسطيني
جواد بولس