حركة المقاطعة «BDS» عشر سنوات من الإنجازات

بقلم: علي الصالح

أُثلج صدري سماع نبأ إطلاق لجنة مقاطعة إسرائيل «BDS مصر» لتصبح أكبر تجمع في العالم العربي لمقاطعة المنتجات الإسرائيلية، وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات، في زمن نحن في أشد الحاجة فيه إلى شكل جديد من أشكال التضامن العربي، الذي غاب أو غيب في السنوات الماضية، بانشغال كل شعب من «المحيط الهادر الى الخليج الثائر»، هذه المقولة التي كنا نسمعها ونرددها في زمن ليس ببعيد جدا، بهمومه ومشاكله الداخلية.
طبعا هذا ليس غريبا على شعب مصر.. هذا الشعب باستثناء فئة ضالة منه، ممثلة ببعض الإعلاميين المرتزقة والغاشية قلوبهم، قدم آلاف الشهداء من خيرة شبابه على مدى سنوات طويلة من الصراع العربي – الإسرائيلي الذي اختزل ليصبح صراعا فلسطينيا إسرائيليا! الشعب الذي كان يهب، قبل غيره، في كل مرة يتعرض فيها الفلسطينيون لعدوان إسرائيلي جديد.. الشعب الذي قاوم وأفشل كل محاولات التطبيع مع دولة الاحتلال الإسرائيلي، التي نص عليها اتفاق كامب ديفيد الأول عام 1979.
هذا الشعب العظيم يثبت مجددا، أن فلسطين لا تزال مزروعة في قلبه ووجدانه، رغم انشغالاته بين الحين والآخر. وجاء اطلاق «BDS مصر» ليرد بالقول والفعل، على إعلاميين أقزام حاولوا التشويش على شعب مصر، لإعطاء انطباع عكسي، بالتهجم والتطاول على قدسية القضية الفلسطينية، ووصلت أحقاد البعض منهم إلى مطالبة الجيش المصري وسلاحه الجوي بقصف فلسطينيي غزة، كما فعل جيش الإحتلال.. هؤلاء المرتزقة لم يروا عيبا ولو للحظة، وهم يحاولون وضع الجيش المصري الوطني في خانة واحدة مع جيش الاحتلال الإسرائيلي، مبررين دعواتهم تلك بسيطرة حركة حماس التي يربطون بينها وبين الإخوان المسلمين.. هذه الفئة، ممن يسمون مجازا إعلاميين وصحافيين، ليسو إلا عصابة مارقة وورم سرطاني سيستأصله هذا الشعب العريق، كما استأصل من قبل دعاة التطبيع مع دولة الاحتلال.
الشعب المصري بقواه الحية وبأغلبيته الساحقة، يرد بالقول والفعل، على المتطاولين عليه وعلى تضحياته وبطولاته من الخارج.. هذا الشعب الذي رفض في أحلك الظروف كل الدعوات للتطبيع وعلى مدى أكثر من 35 عاما وقاوم كل الإغراءات والضغوط للتعامل مع الكيان الاحتلالي.
ونثنّي على التحية التي وجهتها اللجنة الوطنية لمقاطعة إسرائيل، وهي أوسع تحالف فلسطيني يضم قوى وأطرا وهيئات المجتمع المدني الفلسطيني، ولجان المقاومة الشعبية والنقابات العمالية والمهنية واتحاد المرأة وغيرها العديد، للشعب المصري الشقيق وقواه الحية بمناسبة إطلاق «الحملة الشعبية المصرية لمقاطعة إسرائيل «BDS مصر»، كأكبر تحالف في تاريخ المقاطعة المصرية لدولة الاحتلال، الذي يضم ممثلين/ات عن أحزاب وحركاتِ سياسية وثورية واتحادات طلابية ونقابات عُمالية، بالإضافة الى الآلاف من الشخصيات المستقلة والفنانين/ات والمثقفين/ات».
وBDS» مصر» تنضم إلى مجموعات وائتلافات وحملات مقاطعة كثيرة في الوطن العربي تمتد من المغرب إلى تونس ولبنان والأردن وحتى الكويت والبحرين، لدعم نضال الشعب الفلسطيني ضد أسوأ نظام احتلالي واستعماري استيطاني وابارتهايدي عنصري.
وحركة المقاطعة لا تقتصر على العالم العربي، بل لها امتدادات في معظم، إن لم يكن جميع الدول الأوروبية، وحتى الولايات المتحدة، وتدعو على وجه الخصوص إلى مقاطعة كل ما له علاقة بالمستوطنات والاحتلال العنصري، أمنيا واقتصاديا واكاديميا وثقافيا وفنيا، وحققت إنجازات وانتصارت على الصعد كافة.
هذه الحركة بدأت حقا تثير الرعب في أوساط الفئة الحاكمة والمجتمع في إسرائيل، التي راحت تتخبط وتسن القوانين التي تجعل الدعوة للمقاطعة، جرما يعاقب عليه القانون، بتغريم من ينادون بها وإليها، أموالا طائلة، ما دفع صحيفة «هآرتس» قبل أيام الى وصف قرار المحكمة الاسرائيلية العليا برفض التماس تقدمت به جماعات حقوقية بإلغاء القانون الذي سن في عام 2011، بالمتخبط، واعتبرته دعما لحركة المقاطعة في حملاتها الداخلية والعالمية.
نهنئ حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات «BDS «حركة المقاومة الشعبية الفلسطينية التي امتدت بجذورها لتصبح حركة عالمية بجدارة، في عيد ميلادها العاشر الذي يحل بعد بضعة أسابيع. من حق هذه الحركة والقائمين عليها أن يفخروا بما انجزوه حتى الآن وهو كثير، ومن حقهم علينا ان نسلط الأضواء على بعض من آخر انجازاتها العظيمة. وفي ما يلي بعض من آخر إنجازاتها.
٭ أجبرت BDS شركة «فيوليا» الفرنسية العملاقة، على بيع معظم أعمالها في دولة الاحتلال، بعد خسارتها لعقود بمليارات الدولارات، جراء حملة المقاطعة ضدها حول العالم كما ذكرت «القدس العربي». واعترف مديرو «فيوليا» بأن حملة المقاطعة كلّفت الشركة «عقوداً مهمة». وفشلت «فيوليا» في كسب عقود تقدر بمليارات الدولارات في أوروبا والولايات المتحدة، ومؤخراً في الكويت، بسبب حملات المقاطعة ضدها. وقالت الشركة إنها انتهت من بيع جميع مشاريعها الإسرائيلية في مجال المياه ومعالجة النفايات والطاقة لشركة «أوك تري كابيتال وهي شركة استثمارية مقرها في لوس أنجليس الأمريكية. وبذلك يبقى تورط «فيوليا» الوحيد هو في مشروع «القطار الخفيف» في القدس المحتلة، الذي يخدم المستعمرات.
٭ في جنوب أفريقيا نجحت حركة المقاطعة في حمل عشرين شركة، على إلغاء تعاقدها مع شركة الخدمات الأمنية البريطانية الدنماركية» G4S» تعبيرا عن رفضها لتعاونها الأمني مع إسرائيل، حيث توفر الحراسات للسجون التي يقبع فيها اكثر من 6 آلاف و500 أسير أمني فلسطيني.
٭ ولحق 700 فنان بريطاني بركب العديد من النقابات العمالية وغيرها في مقاطعة إسرائيل، مؤكدا أن هذه المقاطعة ستتواصل حتى «انتهاء الاضطهاد الاستعماري للفلسطينيين». ومن بين الموقعين على اعلان المقاطعة: الموسيقيان برايان إينو، وريتشارد اشكروفت، والمخرج السينمائي كين لوتش اليهودي، والممثلة اليهودية مريام مارغوليس. وقال الفنانون إنهم سيرفضون أي دعوة مهنية من إسرائيل وسيرفضون أي تمويل من مؤسسات إسرائيلية.
٭ قرر 120 محاضرا في جامعة نيويورك معقل الصهيونية والتشدد اليهودي، مقاطعة إسرائيل.
٭ وانضمت جامعة نورث ويسترن إلى غيرها من الجامعات والمعاهد التي تقاطع إسرائيل في الولايات المتحدة. وقرر الجسم الطلابي في الجامعة التي تضم 22 ألف طالب، موزعين على 130 تخصصًا دراسيا لمرحلة البكالوريوس و150 تخصصًا في الدراسات العليا، ومقرها الرئيسي في شيكاغو مقاطعة شركات أمريكية وهي بوينغ، ولوكهيد مارتن، وهيوليت باكارد، وG4S، وكاتربيلر، لأن منتجاتها تستخدم في إسرائيل لانتهاك حقوق الإنسان في فلسطين.
٭ وقبلها صوت اتحاد طلبة جامعة كاليفورنيا لصالح الانضمام الى BDS. واعتبر هذا التصويت الأهم والأول من نوعه في جامعة رئيسية في الولايات المتحدة.
٭ وصوّت اتحاد الطلبة في جامعة ماك ماستر في هاملتون بكندا بأغلبية ساحقة على قرار بالانضمام إلى حركة المقاطعة
٭ وفي بريطانيا صوتت إحدى أهم الجامعات في لندن وهي كلية الدراسات الشرقية والإفريقية «SOAS» باغلبية ساحقة في الشهر الماضي على قرار غير ملزم لإدارة الجامعة لمقاطعة المؤسسات الأكاديمية والبحثية. وقال بيان صادر عن اتحاد الطلبة والمحاضرين والعاملين، هذه خطوة أولى للتخلص من العنصرية الإسرائيلية في هذه الجامعة وكل الجامعات.
٭ وسبقتها الى ذلك جامعات أخرى عديدة منها جامعة يورك في شمال غرب إنكلترا وجامعة ويندسور غرب لندن.
وتكمن أهمية الحملات داخل الجامعات في أن الشباب الجامعي هم الأجيال القادمة.. هم القاعدة التي يستحق أن يستثمر فيها.. هم كنوز المستقبل.. هم الناخب والمرشح الذي يمكن أن يحدث تغييرا.. وهم الذين سيتبوأون المناصب والمراكز المهمة والحساسة وسيكون أصحاب القرار في زمن ليس ببعيد.. وهم خلافا للسياسيين صادقة المشاعر وتعمل وفق قناعاتها لا مصالحها.
هذه ليست إلا أمثلة قليلة جدا على إنجازات BDS التي تتخذ من تجربة جنوب أفريقيا التي أجهزت على نظام التمييز العنصري هناك، نموذجا يحتذى للتخلص من نظام الأبارتايهد والاستعمار والاستيطان السرطاني الإسرائيلي الذي يتفوق على سابقه الذي عاشه شعب جنوب أفريقيا. ونضال BDS ليس بديلا بل إنه جزء لا يتجزأ من النضال الفلسطيني الأشمل بكل أشكاله.
٭ كاتب فلسطيني من اسرة «القدس العربي»

علي الصالح