غزة تتكافل، وتتقاسم اللقمة

بقلم: فايز أبو شمالة

رغم الحصار الجائر، ورغم ظرف غزة القاهر، إلا أن هنالك فئات ومؤسسات وشركات وتجار يربحون من هذا الوضع القائم، بل وتصل أرباح بعضهم إلى ملا يين الشواقل، في الوقت الذي يلهث فيه العامل والموظف على فتات الرزق كي يسد رمقه.
ضريبة التكافل لم يفرضها المجلس التشريعي في غزة، وإن كان المجلس قد سن قانونها، ضريبة التكافل الاجتماعي فرضتها الظروف الصعبة التي يعيشها سكان قطاع غزة، والتي تفرض عليهم تقاسم اللقمة فيما بينهم، ولاسيما أنهم قد تقاسموا الصمود والصبر على العدوان الإسرائيلي، وتقاسموا لذة الانتصار معاً، في الوقت الذي رفض السيد محمود عباس ان يتقاسم موظفو السلطة في الضفة الغربية لقمتهم المغمسة بالتنسيق الأمني مع موظفي قطاع غزة الذين تحملوا عبء الوظيفة في مرحلة صعبة من تاريخ فلسطين.
ضريبة التكافل التي أثارت لغطاً بين الناس يمكن إلغاؤها هذا المساء؛ إذا شاء ذلك السيد محمود عباس، إنه الوحيد القادر على إلغائها بجرة قلم، إذ تكفي موافقته على اعتبار موظفي غزة جزء من الوظيفة العمومية للسلطة ليخرج علينا المجلس التشريعي في الوقت نفسه بالإعلان عن إلقاء ضريبة التكافل الاجتماعي، بناءً على كفالة السيد محمود عباس.
دون ذلك، فإن ضريبة التكافل الاجتماعي حاجة انسانية ووطنية وسياسية قبل أن تكون حاجة اجتماعية ومعيشية، ضريبة التكافل عنوان صمود شعب، وعنوان تكاثف مجتمع، وعنوان التوحد حول الموقف المبدئي الداعم للمقاومة، والمحرض على رفع رايتها فوق كل الرؤوس.
لقد أثب الصمود الأسطوري في وجه العدو الإسرائيلي أن المبالغ المالية الصغيرة التي تم فرضها على بعض السلع كانت السبب في تشريد المستوطنين من غلاف غزة أثناء الحرب، وكانت السبب في قصف تل أبيب، وكانت السبب في إغلاق المجال الجوي الإسرائيلي، وتعطيل مطار بن غوريون، وهي السبب في تحليق طائرات المقاومة الشراعية فوق مدن فلسطين المغتصبة، وستكون هي السبب في إطلاق سراح الأسرى من السجون؛ ولو بعد حين، لذلك فمن الواجب الوطني والديني والأخلاقي أن نساند القانون الذي سنة المجلس التشريعي رغم مرارته، ورغم الظروف الصعبة، وما دون ذلك يعني أننا نقبل أن تصير غزة مثل نابلس، تدخل إليها المجنزرة الإسرائيلية لتعتقل من تشاء من الرجال، وتقتل ومن تشاء من الرجال، وتضع بعض الشواقل في جيوب البعض.
إن مقتل قرار التكافل الاجتماعي لا يكمن في الأصوات السياسية المعارضة، والتي تسعى لأن تجني ربحاً تنظيمياً من خلال الإدعاء بالوقوف إلى جانب الفقراء، مقتل قرار التكافل يكمن في تلك الأصوات المحسوبة على حركات المقاومة، والتي دعت إلى التراجع عن القرار تحت ضغط الحاجة التي يعانيها المواطنون، دون الانتباه إلى ما تجبيه البنوك من أرباح خيالية، تتقاسم بعضها مع السلطة في رام الله، وتكفي الإشارة هنا إلى أن أرباح بنك فلسطين في ثلاثة أشهر فقط، قد بلغت عشرة ملايين دولار، وقد بلغت أرباح شركة جوال من سكان قطاع غزة سنة 2014 فقط، مبلغ120 مليون دينار، ورغم قرار شركة توليد الكهرباء بعدم توزيع أرباح لهذا العام، إلا أنها ربح الكثير.
وكثيرة هي الشركات التجارية الربحية التي يتوجب أن تدفع جزءاً من أموالها لفقراء غزة، ومن هذه الشركات على سبيل المثال، الشركة التي تستورد بيض الدجاج اللاحم من أسبانيا، وأزعم أن أرباحها قد وصلت إلى ملايين الشواقل في الأشهر الماضية، ولا ننسى الشركات التي تستورد الدجاج المجمد، وتلك التي تستورد الفواكه الإسرائيلية غير الصالحة للتصدير الخارجي، لتجد لها سوقاً في غزة ، يدر عليها الأرباح بملايين الشواقل، بل أن هنالك عشرات الشركات التي تعرفها وزارة الاقتصاد حق المعرفة، والتي يتوجب أن تجبي منها ضريبة التكافل بلاد تردد أو وجل.
فايز أبو شمالة