عندما ينادي محمود عباس في أغلب خطاباته وفي مختلف المنابر السياسية بضرورة إقامة الدولة الفلسطينية على حدود الرابع من حزيران من العام 1967م، رغم تباين الموقف الفلسطيني تجاه هذه القضية وعدم حسمها وتعارض البرامج السياسية لدى بعض الفصائل الفلسطينية تجاهها، وعندما ينصب أبو مازن نفسه على أنه رجل الدولة الفلسطينية، وقائد المسيرة وقائد المركب الفلسطيني كل ذلك له استحقاقاته، وعند مقارنة تصريحات ومواقف الرئيس محمود عباس بما هو مأمول منه نجد هناك فرق كبير، ونجد أبو مازن يقتصر على القوة الناعمة في مواجهة الاحتلال، إضافة لذلك فهو لا يعرف إلا أبواب هيئات الأمم والمنظمات الدولية بينما لا يؤمن بأي دور للمقاومة المسلحة كاستراتيجية في مواجهة دولة الاحتلال، كما أننا نجد خلل جوهري في السياسات والاستراتيجيات لديه في معالجة وتصويب الأمور الفلسطينية، بدليل ما وصلت إليه أوضاعنا الفلسطينية المزرية من انقسام ألقى بظلاله على كافة مناحي وجوانب الحياة الفلسطينية، و نتيجة هذه السياسات والاستراتيجيات الخاطئة الاستيطان الإسرائيلي تمدد وتغلغل في الضفة الغربية وتعرض قطاع غزة لثلاثة حروب قاسمة واستمرار الحصار المفروض عليه منذ ثمان سنوات.
إن ما سبق ذكره يدفعنا إلى توجيه بعض التساؤلات للرئيس محمود عباس، الذي ينصب نفسه رئيس الدولة الفلسطينية المزعومة المبنية على سياسات واستراتيجيات خاطئة.
هل تعلم يا سيادة الرئيس أن الدولة ليس كلمة يتم تداولها من مكان لأخر؟ هل تعلم أن الدولة في ميزان السياسة الدولية وفي ميزان إثبات الوجود الدولي بين الدول بحاجة لعوامل؟ وهذه العوامل التي سيتم استعراضها يتم من خلالها قياس وزن دولتك المزعومة التي تنادي بها وأنتا وحدك من تعطل هذه العوامل وتقف حجر عثرة أمامها كما تعد هذه العوامل أولويات ودعائم غائبة في دولتك التي تنادي من أجلها والدليل على ذلك، أين الأداء السياسي يا سيادة الرئيس في المجال الدولي المبذول لصالح القضية الفلسطينية بشكله الحقيقي وليس بالشكل الذي تقوم به على أساس المساومة بينك وبين الصهاينة من أجل مقايضتهم على استئناف المفاوضات، ومن أجل أغراء الحكومة الإسرائيلية على تحويل أموال السلطة مقابل عدم التحرك في المجال الدولي ضد دولة الاحتلال خاصة في الجانب القضائي.
أين انسجام الحكومات الفلسطينية السابقة والحالية يا سيادة الرئيس مع نفسها أولاً ومع شعبها ثانياً ومعك ثالثاً، حيث هذا الأمر مفقود وأصبح المراقب لا يستطيع التمييز بين صلاحياتك ومهامك وبين مهام رئيس الحكومة وصلاحيات الوزير، إضافة لذلك كل ما يصدر عنك وعن رئاسة الحكومة لا تجد فيه أي عمل منسق أو حتى لا تجد فيه أي تقارب.
أين دور المجلس التشريعي الفلسطيني المغيب والمعطل وذلك بقرار من سيادتكم يا سيادة الرئيس؟ سواء بصورة مباشرة أو غير مباشرة حيث أغلب أعضائه من خصومك السياسيين معتقلين في سجون الاحتلال وكلنا نعلم دورك المغيب تجاههم.
أين سرعة التحرك الدبلوماسي لصالح السيادة الفلسطينية والمصالح الوطنية؟ أين الانتخابات النقابية والبرلمانية والرئاسية النزيهة يا سيادة الرئيس؟ الانتخابات التي تعد معلم من معالم القوة السياسية للدولة التي تطالب بإقامتها، فأنا هنا أذكرك بأخر انتخابات رئاسية فلسطينية كانت في العام 2005م، وأخر انتخابات برلمانية كانت في العام 2006م، التي أفرزت حركة حماس، وبعد ذلك على ما يبدو أنك " شديت اذانيك " ألف مرة وقطعت عهد على نفسك بعدم أجراء انتخابات تشريعية أو رئاسية، لكنك متخوف من فوز حركة حماس أو أي فصيل فلسطيني أخر، بالتالي هذه المؤشرات وغيرها تضعك في إطار الشخصية السلطوية والديكتاتورية التي لا تؤمن بتداول السلطة بغض النظر عن النتائج.
أين جهودك سيادة الرئيس في محاربة الفساد الاداري والمالي في دوائر المنظمة والسلطة والحكومة؟ وهذا الأمر مغيب، بدليل أن اللجنة التي شكلتها لمحاربة الفساد الهدف منها شكلي و "نكاية" في خصومك الذين تختلف معهم والهدف من تشكيلها حماية مصلحتك الشخصية من أجل تعرية خصومك، إضافة إلى ذلك أنتا صاحب المرجعية الأولى والأخيرة لها.
أين كفاءة أعضاء الحكومة؟ حكومة التوافق التي من المفترض أن يتوفر فيها الكفاءة من أجل إدارة شؤون البلاد، الحكومة التي ولدت ميتة أغلب الوزراء فيها عبارة عن ديكور منمق أما الرأي العام، وكيف ستدير شؤن البلاد؟ وهي منقادة لبعض الشخصيات في السلطة وفي حركة فتح ولسيادتكم، وكيف ستدير البلاد؟ وهي تغرد خارج البرنامج المنصوص والمرسوم لها في تفاهمات المصالحة الوطنية.
بعد عرض المقالة يا سيادة الرئيس لعدد من دعائم الدولة الغائبة ولبعض الاستراتيجيات والسياسيات الخاطئة نستنتج إننا كفلسطينيين قد دخلنا في منعطف خطير و مأزق كبير، مطلوب تصويب هذه الدعائم والتراجع عن هذه السياسات والعودة إلى حضن الشعب الفلسطيني الذي يغلي في كافة أماكن تواجده في الداخل والخارج والذي بات يشعر بالقلق البالغ على مستقبل قضيته الفلسطينية التي تعرضت وما زالت تتعرض لطعنات قاتلة بفعل المفاوضات واستمرار الانقسام الفلسطيني وبفعل المشاريع السياسية الخارجية التي يتم وضعها لمعالجة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي التي ليس لها أساس من الواقع، كذلك المطلوب سيادة الرئيس الكف عن التصريحات التي تعكر شعور المواطن الفلسطيني والتي تغلغل الانقسام ومنها التصريحات التي تطلقها بين حين وأخر، مثل تصريحك الذي تتهم فيه حركة حماس بإنشاء" دولة في قطاع غزة "، وفي نهاية هذه السطور سيادة الرئيس نقول أن فلسطين أرض لا تقبل القسمة فلسطين بحاجة لقيادة أمينة فلسطين بحاجة لقرارات وسياسات عادلة يلتف حولها الكل الفلسطيني وفلسطين حضنها واسع للجميع.
بقلم/ أ. عبد الرحمن صالحة