نعتني صديقي في نهاية حديثه الاسبوع الماضي بأنني أكثر دهاءً منه، قلت بعد تفكير عميق بهذه الصفة ربما كانت لأنني تأنيت قليلا في ابداء رأيي في قرار المحكمة، وربما ينفع ذلك عند كتابة المقال، وقلت في نفسي سأحاول العمل بهذه النصيحة؛ وهي التأني في اخذ المواقف وإبداء الآراء ربما تصيب أكثر أو ينعتك البعض بالمتفكر والعقلاني.
وقررت حينها تأجيل الكتابة عن انتخابات جامعة بيرزيت إلى نهاية الاسبوع القادم عملا بنصيحة لأستاذي د. رضا النجار، استاذ مادة التلفزيون في سنة رابعة بمعهد الصحافة وعلوم الإخبار، الذي قال لنا في احدى محاضراته، ينبغي بعد كل نشرة أخبار عمل جلسة لطاقم العمل لتقييمها للوقوف على الهنات والأخطاء التي وقعت اثناء النشرة وهذا تقليد تقوم به كبريات المحطات التلفزية، لكن لطباع الانسان العربي الذي لا يقبل النقد يمكن تأجيل هذه الجلسة لليوم التالي حتى لا ينقلب التقييم إلى جلسة كيل للاتهامات؛ فالأساس في هذه الجلسة الحفاظ على روح الفريق، والقيام بالعمل بمهنية عالية وإتقان، واحترام جمهور المشاهدين.
سألني صديقٌ اليوم لِما لم أكتب حول انتخابات بيرزيت، قلت له قرأت جل ما كتب عن انتخابات مجلس الطلبة في جامعة بير زيت، وأنا بطبعي أبحث عن ما لم يُكتب، ربما لم يجده أحد أو انه سقط سهوا منهم، وهذه المرة احاول الحصول على اجابات من فئات مختلفة يهمها الحدث. وقلت له لقد قدمت تحليلا في اكثر من اذاعة، وفي حلقة تلفزيونية على قناة القدس قلت فيها أمرين، ان نتائج الانتخابات في الجامعة لا تعبر بالضرورة عن اتجاهات المجتمع، فقاطعني صديق آخر قائلا بل تعبر؛ فجامعة بيرزيت فيها طلبة من مختلف المناطق وهم من مختلف الشرائح ناهيك عن طبيعتها المفتحة. رددت بسرعة انني لا أقول هذا الامر على الطريقة الفتحاوية كما صرح العديد من الفتحاويين، وقلت انني أدعي الاطلاع على استطلاعات الرأي العام في البلاد لسنوات عديدة، بل الامر مختلف في الأولويات والاعتبارات ومحرك التصويت صحيح انها قد تكون مؤشرا من مؤشرات اتجاهات التصويت لكنها بالتأكيد لا تعتبر مقياسا لها. ومَررّتُ للقسم الثاني الذي اسميته في مداخلتي العوامل المحركة للتصويت في انتخابات مجلس الطلبة التي قسمتها الى رئيسية وثانوية؛ الاولى تتمثل بإدارة الحملة الانتخابية للشبيبة بما فيها الأداء الاعلامي، ورفض التمثيل النسبي المقترح في الجامعة، وإدارة الشبيبة لمجلس الطلبة في العام الفارط، ومضايقات الاجهزة الامنية لطلبة الكتلة الاسلامية في السنة الفارطة. أما الثاني فيتعلق بالوضع السياسي العام وفقدن الامل بالمفاوضات، واستثمار أمثل للتعاطف مع حركة حماس بعد العدوان الاسرائيلي على القطاع، وفكر الاحزاب السياسية والتعبئة الفكرية. قال الجالسون نتفق معك في قضايا وعوامل ونختلف في أخرى لكن هناك اسباب أعمق. واحدهم قال هذه السنة لعبت المناظرة دورا كبيرا في التأثير على اتجاهات التصويت أكثر من السنوات الفارطة.
هنا استذكرت حدثين جريا خلال اليومين الماضيين الاول يوم الجمعة وهو يوم شراء الحاجيات الاسبوعية للبيت، فقد دخلت احدى المحال والنقاش محتدم بين ثلاثة رجال، رأيتهم للمرة الاولى، حول نتائج انتخابات جامعة بيرزيت، وكالعادة حشرت انفي في النقاش؛ فهو يعنيني ويُعينني على فهم ليس فقد نتائج الانتخابات بل على طريقة التفكير واتجاهات الناس وربما التفسير والتوقع لحراكهم أو مستقبل حراكهم. اثناء النقاش المحتدم دخل مسؤول رفيع ذو حظوة ومكانة في رسم سياسات البلاد، بلا إحمٍ ولا دستور، سأل صاحب المحل عن أمر لم يجده فخرج مسرعا، وفي ظني أنه سمع "طراطيش" الكلام، قال أحدهم هل تعرفون من هذا الرجل أجبته بنعم قال هذا فلان. وختم أحدهم النقاش "الموضوع ليست عوامل رئيسية أو ثانوية، الموضوع الاساسي أن هناك إرادة سياسية لهذه الخسارة فاذهبوا للانتخابات نجحتم أم لم تنجحوا هذا شأنك". ختم الرجل كلمته وخرج كأنها حقيقة جازمة لا نقاش فيها، قلت له مسرعا هل لي أن استخدمها في مقالي القادم. انهينا كلامنا وأخذنا حاجياتنا وانصرفنا كل إلى سبيله لا نعرف عن بعضنا شيئا، لكن حرارة النقاش وحرقتهم على النتائج التي لمستها لديهم كأنها نكبة حلت بهم، ما زالت باقية في نفسي.
اما الحادثة الثانية التي ذكرتها هي محاولتي استخدام الادوات الانجؤوزية في التفكير وتحليل المشكلات لفهم اسباب هذا التحول وفقا للتحليل الرباعي ( SWAT) وشجرة المشكلات، طلبت من طلابٍ في الجامعة (وهي عينة غير تمثلية لكن تعبر عن الحالة بقدر ما) تحديد اسباب نجاح الكتلة الاسلامية في انتخابات الجامعة التي هي تمثل أسباب فشل الشبيبة. ذكروا ثمانية عشر سببا، سألت هل يمكن تقسيمها حسب درجة التأثير قوية / ضعيفة في تصويت الطلبة، حينها وضعوا ثلاثة عشر عاملا في خانة "تأثير قوي" وهي: تجربة الشبيبة السنة الماضية، التعاطف مع المقاومة في غزة، الخلافات الداخلية للشبيبة المرتبطة بالمناطقية، الخلاف على شخص مناظر الشبيبة حسب المناطقية، الشقراء وسوء الحملة الاعلامية، الرشوة الانتخابية (المتمثلة بكرت هاتف المحمول، ودفع المواصلات، والبنزين)، البرنامج الانتخابي، ضعف قدرات المناظر، عدم الفصل بين سياسة فتح والسلطة، الوضع السياسي العام، مضايقات الاجهزة الامنية لقادة الكتلة الاسلامية، رفض فتح مبدأ التمثيل النسبي، وأخيرا طبيعة المناظرة التي كانت سياسية أكثر منها نقابية. أما العوامل الخمسة الاخرى التي صنفت على أنها ضعيفة فقد جاءت كما يلي: حب التغيير، اسلوب الحملة لدى الشبيبة لا يعتمد على الاقناع، الخدمات التي قدمتها الكتل خاصة استقبال الطلبة الجدد، غياب قيادات طلابية، وأخيرا لم يكن التدين عاملا مؤثرا في التصويت لأي من الاتجاهات. هذا النقاش هدف لتعلم أمرين الاول تحديد العوامل المؤثرة في التصويت اثناء الانتخابات، والثاني تقسيم هذه العوامل الى رئيسية وثانوية، بالإضافة الى فهم المعنى المخالف عند تفسير القضايا أو النصوص وفقا لشجرة المشكلات.
أما الدرس الاهم هو ضرورة اجراء تقييم ومراجعة واعية وفق اسس علمية لهذه التجربة بعقل وقلب مفتوحين بعيدا عن التشنج أو اصدار الاحكام المسبقة وكيل الاتهامات جزافا. ومثلما هو مطلوب من الشبيبة وحركة فتح اجراء هذه المراجعة لنكبتهم، مطلوب من الكتلة الاسلامية وحركة حماس فهم مغزى هذا الفوز وأسبابه.
--
Jehad Harb