انفصال القطاع نهاية المشروع الوطني الفلسطيني

بقلم: غازي السعدي

المصالحة الفلسطينية-الفلسطينية هشة وفي خطر، وتكاد الثقة تكون مفقودة بين كل من فتح وحماس، وأن ما يجري على الأرض من أحداث وتبادل الاتهامات، وعرقلة قيام حكومة المصالحة بتأدية عملها في غزة، وبيان المجلس الوطني الفلسطيني "21-4-2015"، الذي جاء فيه، بأن عدم السماح من قبل أجهزة حماس في غزة لحكومة الوفاق الوطني القيام بواجبها، وأداء مهامها، وممارسة عملها في القطاع، يعتبر تعطيلاً للجهود التي تبذل لإنهاء الانقسام واستعادة الوحدة، بل وتعميق الانقسام، والذي يحاك لفصل القطاع عن باقي أجزاء الوطن، كما جاء في البيان، وكشفت مصادر فلسطينية مطلعة عن بوادر اتفاق بين حماس وإسرائيل، لتغيير الواقع المأساوي في غزة، ويدور الحديث عن اتفاق بعيد المدى، واعتراف إسرائيل بالقطاع كدولة فلسطينية، تحت حكم حماس، بحسب موقع "جوكر بوست الإسرائيلي 22-4-2015" بعقد هدنة لمدة 10-15 عاماً، وأن كل من إسرائيل وحماس في مأزق، فحماس غاضبة من سياسة الحصار والإغلاق وعدم القيام بإعادة إعمار غزة، وإسرائيل على قناعة بأن شنها حرب جديدة على القطاع لن يؤدي إلى تحقيق الأمن لإسرائيل، وحسب المصدر فإن حماس تشكل خطراً إستراتيجياً على إسرائيل، بشلها الحياة والأمن لمدنها ومستوطناتها بالجنوب بشكل خاص، إذا وقعت مواجهة جديدة بين الجانبين.

بين فترة وأخرى، يتجدد الحديث عن مشروع إقامة الدولة الفلسطينية في قطاع غزة، وكان رئيس جهاز الأمن القومي الإسرائيلي السابق "غيورا آيلاند"، قد طرح عام 2000 مشروعاً متكاملاً لإقامة الدولة الفلسطينية في القطاع، مع توسيع مساحة الدولة من أراضي سيناء المصرية، إلا أن الرئيس الراحل "ياسر عرفات" رفض المشروع، لأن هدفه فصل قطاع غزة عن الضفة الغربية، وفي عهد الرئيس "محمد مرسي"، طرأ تقدم على هذا المشروع، فموضوع إقامة الدولة في القطاع، بين الحقيقة والنفي، وحسب جريدة "هآرتس 16-4-2015"، فإن هناك خلافات بين القيادة السياسية، وقادة الذراع العسكري لحماس "القسام"، تدور في ضوء الهزة التي حلت بالعالم العربي من جهة، والمواجهات الطويلة مع إسرائيل من الجهة الأخرى، يضاف إلى ذلك التوتر بين حماس ومصر، فإن حماس تفتعل أزمة مع حكومة التوافق لتهيئة الرأي العام لخطوتها القادمة، وتحميل السلطة الفلسطينية المسؤولية، لاتخاذها خطوات بديلة لفك الحصار عنها، وقامت بإفشال مهمة الوفد الوزاري لحكومة التوافق في مطلع شهر نيسان الجاري، بعد أن منعت لقاء الوفد للموظفين، بل وحسب التسريبات فرضت حماس على الوفد الإقامة الجبرية بالفندق الذي نزلوا فيه، وحالت دون القيام بأعمالهم في القطاع.

الرئيس الفلسطيني "محمود عباس"، يتهم حماس بإجراء مفاوضات سرية منفصلة مع إسرائيل، حول إنشاء الدولة في القطاع، وحكم ذاتي في الضفة، محذراً أن هذا إن حدث، سينهي المشروع الوطني الفلسطيني، وحسب "أبو مازن"، أن حماس توافق على نظرية إسرائيلية تنص على دولة في غزة، مع جزء من أراضي سيناء المصرية، كاشفاً عن محادثات تجري بين إسرائيل، وقادة كبار في حماس، "مجلة الوطن العربي 5-4-2015"، وفي مقابلة له مع تلفزيون "عرب نت" قال "عباس": هناك نظرية إسرائيلية، توافق عليها حماس، تنص على دولة في غزة، مع زيادة مساحتها بأراض من سيناء، إلا أن حماس نفت ذلك، ووصفت تصريحات "عباس" بأنها كاذبة، ولا أساس لها من الصحة، بينما وجه القيادي في حركة حماس "صلاح البردويل" في حديث مع وكالة "سما الإخبارية 12-4-2015"، انتقادات لاذعة للرئيس "عباس"، متهماً إياه بأنه يشكل أكبر عقبة على طريق التوافق والمصالحة.

من جهة أخرى، جاءت أقوال "إسماعيل هنية"، نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، رفض فصائل المقاومة فصل غزة عن الضفة الغربية، ورفضه للمخططات الإسرائيلية التي تعمل من أجل الفصل، فالإستراتيجية الإسرائيلية تقوم على التخلص من القطاع، وجعل الضفة الغربية جزء من إسرائيل، ففي سنوات التسعينات من القرن الماضي، عرض "شمعون بيرس" على الرئيس الراحل "عرفات"، إقامة الدولة الفلسطينية بداية في قطاع غزة، وكان رد "عرفات" بالرفض، وفي انتفاضة عام (2000)، حين كان الرئيس "عرفات" محاصراً في المقاطعة، عرض عليه الانتقال إلى غزة، دون تخويله بالعودة لمزاولة عمله في رام الله، فرفض العرض، غير أن الانشقاق الفلسطيني عام 2006، شكل ورقة بيد إسرائيل، لتكريس الفصل ما بين غزة والضفة الغربية.

في المقابل فإن القيادي في حركة حماس "محمود الزهار" كان أكثر وضوحاً وصراحة في خطبته ليوم "الجمعة 10-4-2015"، في مسجد التوابين في القطاع، الذي تحدث عن إقامة سلطة فلسطينية، أو إدارة مدنية في القطاع، مبرراً ذلك بعدم تنفيذ اتفاقيات المصالحة، التي ستؤدي إلى نتائج وخيمة على حد قوله، وجاء في خطبة "الزهار": "إذا استطعنا إقامة سلطة وطنية، أو إدارة مدنية، في القطاع فهذا لا يعني أننا سنتنازل عن أي ذرة من تراب فلسطين"، وهاجم السلطة متهماً أبو مازن بخنق المقاومة، يذكر أن الزهار كان من المعارضين للمصالحة، حيث يحملها المسؤولية، لتبرير إقامة إدارة مدنية في القطاع، تؤدي وترسخ عملية الانفصال، وللتذكير فإن القيادي في حماس "موسى أبو مرزوق"، سبق أن صرح عن إمكانية خوض حماس، مفاوضات مباشرة مع إسرائيل، من باب النضج السياسي، والبحث عن حلول سياسية تكون بديلة للخيارات الراهنة، وكان "أبو مرزوق" أدلى بهذه التصريحات، لفضائية القدس الفلسطينية في شهر أيلول من عام 2014، وأن حركته لا تضع "فيتو" على المفاوضات السياسية مع إسرائيل، طالما اضطرت لذلك حسب "مرزوق"، وكانت هذه المرة الأولى، التي يلمح بها قيادي بارز عن إمكانية التفاوض مع إسرائيل، وعلق على تصريحات "أبو مرزوق" أستاذ العلوم السياسية في جامعة الأمة بغزة، د. "عدنان أبو عامر"، أن تصريحات "أبو مرزوق"، لم تكن شخصية، بل أن هذه الفكرة يتم طرحها ومناقشتها داخل أروقة حماس.

موقع "أمد للإعلام 12-3-2015" أفاد أن قطر تقوم بالتفاوض مع إسرائيل نيابة عن حماس، وأن السفير القطري لدى السلطة الفلسطينية، التقى بقادة الاحتلال، من وراء ظهر الشرعية الفلسطينية، وجاء في جريدة "التايمز الإسرائيلية 27-3-2015"، أن المبعوث القطري لقطاع غزة، الذي وصل إلى القطاع عن طريق معبر إيرز، يتفاوض مع إسرائيل، على وقف طويل المدى لإطلاق النار بين حماس وإسرائيل، وعلى إعادة إعمار غزة، وأنه التقى بمسؤولين إسرائيليين رفيعي المستوى، وحسب الجريدة، فإن الاقتراح القطري، هدنة طويلة المدة تتراوح بين 10-15 عاماً، مقابل رفع الحصار عن قطاع غزة، بالإضافة إلى عملية إعمار ما هدم في الحرب الأخيرة، وبناء ميناء بحري ومطار، وحسب موقع "واللا العبري" فإن وسطاء مختلفين يعملون مؤخراً حسب "يديعوت احرونوت 25-3-2015" في محاولة للتوصل إلى تفاهمات بين إسرائيل وحماس، وحسب الموقع فإن الجنرال "يوئاف مردخاي" رئيس الإدارة المدنية، التقى مع المسؤول القطري لبحث موضوع الهدنة، وأن إسرائيل ألمحت بموافقتها على الهدنة، فيما قال المتحدث باسم حماس،"سامي أبو زهري"، أن الأمر ليس مبادرة رسمية من قبل حماس، بل أن الحركة فقط أجابت على اقتراحات بهذا الشأن، طرحته جهات دولية، منها مبعوث الأمم المتحدة إلى المنطقة "روبرت سري"، وكانت حركة حماس، قد أعلنت أنها تتجه للإعلان قريباً، عن بدائل لحل الأزمات في القطاع، في حال لم تقم حكومة التوافق الفلسطينية، بتحمل مسؤوليتها تجاه القطاع، حسب ما أكده عضو المكتب السياسي لحماس "زياد الظاظا"، الذي قال أن حماس انتهت من وضع كافة البدائل، لحل أزمات القطاع المختلفة، في ظل ما أسماه تنصل حكومة التوافق الوطني من مسؤولياتها، مشيراً إلى أن الإعلان عن هذه البدائل بات قريباً ويبدو أن فتح المعبر التجاري الإسرائيلي، وإدخال مئات الشاحنات، والتوجه بمد خط للغاز مباشرة من إسرائيل إلى "غزة"، يأتي من باب التمهيد وحسن النوايا.

على صعيد آخر، فإن قيادات فصائل منظمة التحرير الفلسطينية في غزة، حذرت من خطورة مخطط حماس، الذي سيؤدي إلى فصل القطاع عن باقي الأراضي الفلسطينية، ليصبح كياناً مستقلاً، ويقطع الطريق أمام قيام الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس، وتعطي إسرائيل ذريعة جديدة، على أن الرئيس الفلسطيني، لا يمثل كل الفلسطينيين، لتتملص من الاستحقاقات التي عليها الالتزام بها، وتكرس المزيد من الانقسام الفلسطيني فيما تتهم حماس حكومة التوافق بالتراجع عن تفاهمات جرى الاتفاق عليها، ومن جهة أخرى تتهم السلطة حركة حماس، بوضع العراقيل أمام تنفيذ الاتفاقات، وتشغيل معبر رفح، كما لا نعرف أبعاد الاتفاق الإسرائيلي مع حماس، إذا تحقق موقف القاهرة منه ومن فتح حدودها مع القطاع، والمطلوب فلسطينياً وعربياً وأد الخلافات والتوصل إلى رؤيا وموقف موحد، فالوطن هو للجميع.

بقلم/ غازي السعدي