هزيمة الشعارات… مفتاح الفرج

بقلم: صبري صيدم

شاركت قبل أيام في ملتقى حول توظيف الشباب العربي، الذي اختارت فيه عريفة الحفل الشابة أن تدعو المتحدثين الأكارم، بمن فيهم صناع القرار إلى تقديم الحلول والاقتراحات، لا الشعارات والخطب.
هذه الدعوة التي لم تأت من فراغ، بل ربما كانت أحد أهم الصيحات التي أطلقت في الملتقى المذكور، تلخيصا لشعور عارم وسط الشباب العرب بكثرة الشعارات والمشروعات والخطط الصورية، التي جاءت لتدعي الاهتمام بالشباب دونما نتائج مهمة حتى تاريخه، خاصة أن عام 2009 شهد معدلات بطالة، وحسب منظمي الملتقى وصلت إلى حد بات فيه شخص عربي واحد عاطل عن العمل من أصل خمسة شباب عرب، بينما اليوم وصلت تلك النسبة إلى واحد بين كل ثلاثة أشخاص. الأرقام لا شك انها محزنة، لكن الأكثر إيلاما هو تفتق أذهان الساسة بأفكار هدفها توظيف الشباب، باعتبار أن حال العالم العربي المفجوع، بما سمي بربيع العرب، قد وصل إلى مآله الحالي، جراء حالة الجوع السائدة وسط هؤلاء
الشباب وانسداد الأفق واستشراء الفساد والواسطة والمحسوبيات وتراكم ملايين الشباب العربي العاطل عن العمل. كما أن التوظيف والريادة أصبحتا بالنسبة للدول المانحة وكأنهما اختراعان عظيمان سيحلان مشاكل الشباب ويخففان حجم الحنق والنقمة وسط الشباب العربي المغلوب على أمره. وكأن عواصم الضباب والبرد قد استفاقت ذات يوم لتؤمن بالوصفة السحرية للتوظيف، تماما كما آمنوا ذات يوم بمكافحة الفساد والحكم الرشيد ونصرة المرأة والاهتمام بالمناطق المهمشة ومكافحة الفقر. ومع ولادة موضة الاهتمام بالشباب اليوم تتساوق الجهات ذاتها والبعض من أهل العالم العربي، ومن أهل المانحين لتبني هذه الفكرة، فنسمع عن أحزاب ومؤسسات وشركات ونقابات ووكالات ترفع راية الشباب. لكن الأمر لم يكن، حتى تاريخه، وبعد مراجعة بيانات البطالة في العالم العربي، سوى شعارات في شعارات. فلا الأحزاب غيرت قادتها ولا المؤسسات والمانحين نجحوا في تطوير نهجهم، بل طور المعظم خطاباتهم التخديرية. لذا فإن الشباب العربي هو ضحية موضة اليوم وشعارات الخطب الرنانة وخطط التوظيف الجوفاء، إذ يكفي القارئ الكريم أن يستعرض نشرات الأخبار الرسمية حتى يقدر لذاته كم هو عدد الشباب الذين سمح لهم بالانخراط في ما تقدمه تلك النشرات من تقارير ونشاطات وأحداث واجتماعات.
الشباب العربي لم يطله سوى الشعارات والمشروعات الفاشلة وسطوة التقليد على مدارس القرار، مما زاد من معدلات الهجرة والعزوف والانتحار. فلو أننا دققنا النظر في حجم الطلب على خبراء التمديدات الصحية مثلا ، أو ما يسميه إخوتنا في مصر بالسباك لوجدنا حاجة كبيرة لهذا المختص، خاصة لنقص الأعداد الخبيرة بهذا النوع من الخدمة، ومع ذلك لا نجد دخولا في هذا المجال يتقاطع وحجم الحاجة السوقية، ولو أنك تابعت حجم الحاجة لجراحات متخصصة لوجدت أعدادا كبيرة من المحتاجين لعمليات نوعية كهذه، لكننا ومع ذلك لا نرى دخولا واسعا في التخصص في مجالات كهذه، ومعه يستمر الادعاء بعدم وجود وظائف. المشكلة في عالمنا العربي ليست في البطالة في كلتا الحالتين المذكورتين وغيرهما، المشكلة تكمن في كثرة الشعارات وقلة الفعل أو فوضى الفعل، وسواد الارتجال وكثرة التخبط واستعباد المانحين لحاجات المجتمع ولاعتبارات سياسية.
لذا لا بد من هزيمة الشعارات وكف يد المانحين التي غالبا ما تكون تنافسية وهدامة ومكررة ومقرونة باعتبارات سياسية، والبدء بسياسة متدرجة ومتدحرجة وإحلالية لأنظمة التعليم الحالية القائمة في العالم العربي، بحيث تقوم على إدخال الريادة كمساق تعليمي ضمن المساقات التدريسية والاستفادة من ثورة المعلوماتية وما اتاحته من سبل ضخمة لإنتاج المعرفة وتطوير المناهج التدريسية ودمج التعليم المهني والتقني مع التعليم النظامي وتطوير الأنظمة البنكية، خاصة تلك التي تمتلك وفرة نقدية كبيرة، بحيث تتولى عبر تعاميم رسمية تسهيل سبل وصول الشباب إلى المال.
أعرف أن المهمة ليست سهلة وأن كتابة الكلمات أسهل من الفعل وأن القدرة على التحرك محدودة، لكن الطريق تبدأ بخطوة، فاستمرار الشعارات والخطب الرنانة لن يشكل منصة للفرج، وإنما إمعانا في قتل العالم العربي ونحره وتمزيقه. فإن كان الربيع المزعوم قد خلق، وكما يدعي البعض، صيفا مشمسا للإقبال على الريادة، فإن النتائج التي نراها اليوم لا تعكس أرقاما مبشرة بل إقبالا غير مسبوق على الهجرة والهروب من الواقع والقبول بفكرة أن يصبح الشاب العربي طعاما للسمك، وهو يحاول التسلل إلى دول أخرى على أن يبقى طعاما لحيتان المجتمع ممن لا يرون في الشباب سوى شعارات ومرجلات وهمية. حال زاده التطرف والحقد العرقي والطائفي صعوبة وعسرا. الحل يبدأ بخطوة نعم وإلا فإن لقاءات الصالونات ومؤتمرات الفنادق الفارهة ستبقى هي الحاضرة بصورة تدعونا جميعا للتفكير: ماذا لو وظف المال الذي أنفق على تلك المؤتمرات لتوظيف الشباب، هل كنا سنشهد ربيعا مشؤوما آخر أم انتصارا مؤزرا لأولئك الذين لا يرون في الخطب سوى عنتريات اللحظة. فهل نستفيق؟
٭ كاتب فلسطيني
[email protected]

د. صبري صيدم