حرصت على تلبية دعوة للمشاركة في مهرجان الربيع الدولي، الذي يقام سنويا في مدينة قابس.
قبل الوصول إلى المدينة الجنوبية الساحلية، أمضيت ليلتين في جربة، وهي واحدة من أشهر الجزر المتناثرة على سطح المتوسط.
في جربة كما في قابس، تقرأ لوحات السيارات الليبية كما لو أنها أحد معالم المدينة، وفي الفنادق لا بد وأن تجالس ليبيين اختاروا لجوءًا سياحيًا مريحًا، وتعرف من بعضهم أنهم يبحثون عن استثمارات عابرة أو مؤقتة أو دائمة، وبوسعك التعرف على الأوضاع الليبية بمختلف جوانبها المتداخلة والمتناثرة من خلال نقاشات سكان الفنادق، وتسابقهم على إقناع الجالس معهم بأن فصيلهم على حق، والآخر غير ذلك، ويجتهدون في اقتراح مخارج من أزمتهم المركبة، مع الهمس بحنين خجول لأيام القذافي من منطلق أن الأمن أهم للشعوب وبالإمكان التغاضي عن الاستبداد!
لا شيء في ليبيا غير مختلف عليه، ولا حل في ليبيا دون أن ينجح فريق في إيجاد حالة من التفوق على الأرض، تؤهله للحسم العسكري الذي يمكن أن تُبنى عليه معادلة سياسية، أنصار حفتر يرونه الأمل والمخرج، وخصومه يرونه حالة تعقيد تضاف إلى عناصر التعقيد المهيمنة على الأزمة الليبية، وليس في الحوار فقط وإنما في الواقع، لا بد وأن تخاف على ليبيا من المراوحة داخل حالة عبثية.. خطوة إلى الأمام وخطوتان إلى الخلف، والمصير غامض.
وفي تونس، التي نجحت في تخطي قطوع الانتقال الديمقراطي للسلطة عبر صناديق الاقتراع، تُلاحظ قلقًا لم يجد بعدُ من يهدئه، وهو الناجم عن التأثر التونسي البديهي بالعصف الليبي اللاهب، الذي يجني إرهابا محتملا، وكثافة لجوء لا قِبل للدولة الصغيرة على تحمل أعبائه الباهظة.
وفي لقاءاتي التونسية، في قابس والعاصمة، لمست قلقا يشبه قلق الفلسطينيين في أمر العرب والعالم، فهنالك من يتخوف على مستوى المسؤولية، من الانشغال العربي عن تونس، والتباطؤ الدولي بل والحذر غير المبرر في دعمها وتوفير بعض من التكاليف الأساسية والبديهية لتمكينها من مكافحة الإرهاب بنجاعة في زمن شعار العالم فيه «محاربة الإرهاب».
والتونسيون كما عرفناهم من خلال الحياة معهم لفترة طويلة، يتميزون بكثافة الكفاءات البشرية المؤهلة، مقابل شح ملحوظ في الإمكانات المادية التي توظف هذه الإمكانيات، وتنظم وتيرة التنمية المستدامة، فهم لا ينشدون دعمًا ساذجًا لموازنتهم واحتياجاتهم، بقدر ما يفضلون دعم بلادهم بالاستثمارات، وفي تونس فرص كبيرة ومضمونة.
هنالك قلق تونسي لا بد منه، إلا أن نجاح المجتمع التونسي في تخطي معضلة الإرهاب، واختصار الفترة الانتقالية والاتفاق التعاقدي على مبدأ تداول السلطة دون تخليد أي حزب أو قائد، يولد لهم تفاؤلا بتخطي الصعوبات، ولكن من حقهم أن يقولوا للعرب الذين أحبوا تونس واستمتعوا بسلاستها وجمال شواطئها وحسن ضيافتها: «لا تنشغلوا عنا، نريد أن نراكم مثلما كنتم من قبل... وأفضل».
نبيل عمرو
كاتب وسياسي فلسطيني