يعد الحكواتي أو الراوي أولى الوسائل الإعلامية التي تناقلت الأحداث التاريخية والقصص البارزة في الزمن القديم قبل دخولنا عالم التكنولوجيا والمعلوماتية التي غطت على شخصية الحكواتي بتطور وسائلها وتعدد وجهاتها، كانت بدايات ظهور الحكواتي في عهد الخليفة عمر بن الخطاب حيث اعتمد الناس قبل ظهوره على التناقل الشعبي للبشر فيما مابينهم من خلال تداول الأحداث التاريخية والسيرة النبوية وغيرها من القصص والحكاوي، ومع ظهور التدوين ظهر الحكواتي حيث سمي بمصر "الراوي"، وفي العراق "القص خون" وفي المغرب العربي "المحدث" أما في بلاد الشام فسميى "الحكواتي"..
ونشط الحكواتي في العصر العثماني في بلاد الشام، حيث تشير إحدى اللوحات بمقهى النوفرة لحكواتي دمشق الأول عبد الحميد الهواري منذ بدايات القرن التاسع عشر، ويوجز الحكواتي الأحداث والروايات والقصص القصيرة منها التي تنتهي بنفس اليوم، وأخرى طويلة من الممكن أن تمتد مابين السنة والسنتين، وكان الناس في القديم يرتدادون القهاوي (المقاهي) بشكل يومي مستمر بإنتظام وشوق لمعرفة تفاصيل القصص وخصوصاً الطويلة منها والتي يجب أن يكون الحضور بها بشكل يومي يمتد لأكثر من سنة، بغرض عدم تضيع أو تفويت أي جزء أو تفصيل من القصة المتابعة..
يبرز الحكواتي بشكل ملحوظ في وقتنا الراهن في شهر رمضان للارتباط الذي يشكله الاثنين معاً من خلال المواضيع المتناسبة مع الشهر الفضيل والقيم التي يمثلها، وهذه القيم عادة ما كان الحكواتي يتحدث عنها وعن فضائلها في رواياته وقصصه مجسدتاً بالشخصيات المحكي عنها، هذه النفحات من الأخلاق والقيم والفضائل التي كانت تغذي نفوس المتلقين وعقولهم ولا سيما الشباب منهم، على عكس ما تضخه في أيامنا هذه المحطات الفضائية ومقاهي الإنترنت من عادات غريبة ومنفّرة.
سر جمال الحكواتي هو العودة بنا إلى مسرح ماضي الكون لفترات مطولة لعصور مضت وبنفس الوقت عامل تسلية غير مستهلك وخصوصاً اذا ما كان الحكواتي مرحاً حاذق الأسلوب متعدد الطباع، كان الراوي في القديم يعتبر من أبرز المحدثين وأصحاب العلم بصيرورة كبيرة من الثقافة والعلوم، بينما اليوم بات مجرد تقليد قديم واسم عابر لدى اللكثير من الناس بتبرير تغير الزمن وتطوره وتسارع أحداثه وانخراط معظم الشباب والأطفال في المجال العلمي والثقافي والتكنولوجي والمعلوماتي سريع الرتم..
للحكواتي أو الراوي متعة فريدة تعبق بأصالة الماضي وتفوح منها عبقات ندية تغمر بشذاها عثرات الواقع الراهن، الذي بات مليء بالصخب والتمرد والتطرف والأنانية مرهونٌ بما تتناقله الوسائل الحديثة من إعلام وفضائيات لا تعد ولا تحصى ومنابر اجتماعية تتفاوت الفائدة والعبث، اضافةً للمشكلة الأكبر والتي تتمثل بالتكنولوجيا والمعلوماتية التي في اغلب الأحيان تستغل بالشكل الخاطئ الذي لايتناسب بما حملته الينا من تطور وابتكار وتقدم وازدهار في مقدمتها وسائل التواصل الإجتماعي كما يسمونها، لكني أراها اليوم قد غيرت في جلدها لتصبح "أدوات للعزلة والعبث"، ليس عند الجميع طبعاً، ولكن بنسبة كبيرة عند الأطفال والشباب المراهق ممثلي المستقبل الذي نطمح اليه، ونسبة من النساء الذين وضعو شعار "عدم المبلاة ومسح المسؤولية" وبعض الكبار الذين تمردوا على قَدرِهم الرصين وباتوا أضحوكة الصغار يتطاوحون في الأرجاء كالمجانين.
بقلم: الإعلامي وسام طيارة