فبعد أن واجه احد نوابها في المجلس التشريعي الذي ظل هكذا بالاسم، منذ أن انتخب قبل تسع سنوات، ولم يفعل شيئا، بل إن صمته أفضل من نطقه، لأن كتلته الأكبر حين تنطق فإنما تنطق بما هو فصائلي، وبما هو خارج عن القانون وما هو متعارض مع مصالح الناس، نعود للقول، بعد أن واجه أحد نوابها زميلا له طرح رأيا أو وجهة نظر، وحتى موقفا، لا يروق لسياسة الحركة المستبدة، حتى كال له الشتائم والردح، الذي لا يليق ببشر يعيشون في القرن الحادي والعشرين، قامت قوات "حماس" باعتقال بعض الصحافيين الذين شاركوا بتظاهرة مهذبة ومدنية ولا تضم أكثر من بضع عشرات أو حتى مئات، وتطالب بفك الحصار عن غزة وبإنهاء الانقسام !
هل يعني هذا أن "حماس"في حقيقتها ترفض كسر الحصار عن غزة وترفض بدرجة أعلى إنهاء الانقسام، نقول : نعم، إن كان ذلك يعني أن يتضمن إنهاء الانقسام وضع حد لحكمها، بل لتحكمها مطلق السراح والذي هو بلا حدود أو قيود لقطاع غزة، أو أن يعني كسر الحصار، أن تخضع الحدود والمعابر والعلاقات مع الخارج للقوانين والاتفاقيات، وللسلطة الشرعية، أو للقانون الفلسطيني أو الدولي.
تريد "حماس"مصالحة، تبقي على حكمها لغزة، مع التزام السلطة برعاية المواطنين وحل المشاكل العامة، مثل الكهرباء والبطالة والفقر، وتغطية كل احتياجاته من الطرق إلى التعليم إلى الصحة، وتريد حدودا أو أنفاقا تسمح لها بحرية إدخال ما تريد من أسلحة أو عتاد، وحتى من أموال دون حسيب أو رقيب، فهي حركة لا يحاسبها احد على شيء، ولا احد يراجعها في شيء، ولا حتى أعضاؤها، فهي ما زالت بلا برنامج سياسي معلن أو واضح، فقط هناك شعارات ومواقف عامة وملتبسة، ولا احد يعرف من أين تجلب المال وكيف وكم ولا أين تقوم بصرفه ولمن أو كيف، وهكذا تعودت أن تكون فوق القانون وفوق البشر والناس !
من بعيد فإن حصارا يبقي على الفقر والجهل والحاجة، ويضعف القطاع، يعني الإبقاء على حكم ظلامي ومستبد، وانقسام يبقي على حالة الخروج على القانون والرقابة، ويبعد شبح الانتخابات العامة، هو انقسام محمود بالنسبة لتلك الحركة.
هذا ما تقول به أفعال "حماس" في العلن، التي لم تترك شيئا في غزة لأحد، والتي جعلت من غزة نموذجا سلبيا، يقول بان الفلسطينيين غير مؤهلين للاستقلال، أو حتى أنهم لا يستحقونه، وكم من الفوائد قد تحققت بإحكام قبضتها على غزة لإسرائيل، فهي شلّت من قدرتها على أن تكون رافعة المشروع الوطني، ويقينا بأن إسرائيل لم تنسحب من جانب واحد من غزة، إلا وكانت تعلم تماما أنها تترك وراءها حصان طروادة، الذي يكفيها شر قتال الفلسطينيين، ويحقق لها تحطيم "القلعة" من الداخل!
أما في الخفاء، وهو أمر تتقنه حركة سياسية "باطنية" مملوءة بالشك وعدم الثقة بالآخرين، فحدّث ولا حرج، يمكن لها أن تمد جسورا لها فيها مصلحة مع المتعارضين والمتناقضين، وهي عارضت أوسلو اثني عشر عاما، ثم دخلت الانتخابات وقبلت أن تكون حكومة أوسلو العاشرة، وهي رفضت مفاوضات حركة فتح، وفاوضت بالسر ما استطاعت للأمر سبيلا، وبالواسطة، ولكن "قصر ذيل" أو ربما لأنها ترى في مفاوضات "فتح"، شكلا تفاوضيا لا يستقيم مع الشكل العصري / الافتراضي !
من يتابع _ مثلا _ تفاصيل ويوميات السياسة الداخلية، لابد انه قد لاحظ، انفضاض الإعلام المرئي خاصة عن قيادة "حماس"، التي لم تعد تثير شهيته، فيما إعلام الحركة لا يسمن ولا يغني من جوع، وربما لهذا السبب انكب قياديو الحركة، خاصة من الصف الثاني الذي باتت مهمة القيام "بالعمل الوسخ " من قبيل الردح والشتائم، من اختصاصه، على الفيسبوك، حيث بات يكفي أن يضع أحدهم "البوست" الركيك، حتى يجد من يقوم بتناقل الموقف أو الخبر، وربما أن شدة وطأة الواقع، دفعت بالبعض للهروب من الواقع للعالم الافتراضي المتخيل، فبات يجد في إجراء مفاوضات افتراضية مع إسرائيل أمرا ممكنا، بل وشكلا يحل الإشكالية والمشكلة، وكما يجري الحديث بين الأصدقاء عبر برامج المحادثة ( "سكايبي" أو "ماسنجر" أو "فيسبوك" أو "تويتر" ) باتت دردشات "حماس"/ إسرائيل، ومن يدري ربما لا يطول الوقت حتى نجد اتفاقية الفيسبوك أو التويتر الافتراضية، بين أيدينا أو معلنة على الملأ، تحقق لنا حلولا خيالية، تجعلنا نحلق في السماء ونحن تحت الأرض أو بين الركام أو في الأنفاق !
رجب أبو سرية
01 أيار 2015