وقاحة لص

بقلم: أسامه الفرا

لم تجد حكومة الاحتلال في حربها الأخيرة على غزة تجاوزاً من قبل جنودها، سوى ما أقدمت عليه فئة منهم باختلاس مبلغ ستمئة دولار من منزل لعائلة فلسطينية في حي الشجاعية، وهو ما دفع الشرطة العسكرية لفتح تحقيق بحق إثنين من الجنود للاشتباه بأنهما سرقا المبلغ بعدما تقدم قائدهم ببلاغ ضدهما، لم تتوقف الملهاة الإسرائيلية عند هذا الحد بل جاءت خاتمة المشهد على نحو يثير حالة هستيرية من الضحك، حين انهت حكومة الاحتلال مسرحيتها الهزلية بأنها بحثت عن صاحب المال المسروق ولم تعثر عليه.

حصيلة الحرب على غزة بأرقامها المفزعة لم تحرك فيهم ساكناً، سياسة الأرض المحروقة التي سارت على هديها لم تجد فيها ما يزعجها، آلاف المنازل المدمرة التي خلفتها حربهم لم تقنعهم بأنهم أعداء الحياة، قافلة الشهداء الطويلة من الأطفال والنساء والشيوخ الذين سقطوا بنيران حقدهم لم تدفعهم للاعتراف بجريمتهم، فقط هي الدولارات التي سرقها جنودهم هي ما حركت إنسانيتهم، أضناهم التعب وهم يبحثون عن صاحبها، ليس شفقة منهم على صاحبها بل لأنهم بحاجة إلى تلك الصورة كي يواصلوا خداع العالم، ما أتعس حكومة الاحتلال وهي تحاول أن تجمل وجهها القبيح، خاصة أنها تدرك أن العالم بأسره بات مطلعاًعلى حقيقتة، وإن حاول البعض النظر إليه على مضض، فأي أدوات تجميل يمكن لها أن تخفي بشاعة سلوكها؟ لا شك أن حكومة الاحتلال تمتهن الوقاحة وتتاجر بها.

خلال مؤتمر دولي يتعلق بالبيئة عقد في مدينة برشلونة الأسبانية، وقف مسؤول اسرائيلي يتحدث بوقاحة متناهية عن الأموال التي تنفقها حكومته في معالجة الأضرار التي يلحقها الفلسطينيون بالبيئة، لاحظ صديقي الغربي الذي يجلس بجواري حالة الغضب التي تملكتني، ابتسم وهو يقترب برأسه قليلاً نحوي وسألني إن كنت أعرف حكاية الشيخ والقس والحاخام، أجبته بالنفي المصحوب بالكثير من الاستغراب حول توقيت سرد الحكاية، قال صديقي اجتمع ثلاثتهم وأمامهم سؤال يتعلق بما ينفقه كل منهم في الأعمال الخيرية، بدأ الشيخ برسم دائرة على الأرض وبها قطر يشطرها لنصفين، وقال أقذف بالنقود في الهواء فإن وقعت في النصف الأيمن من الدائرة فهي صدقة جارية، وإن وقعت في النصف الآخر أنفقها على نفسي وأهلي، وقال القس أنه يفعل الشيء ذاته فإن سقطت النقود داخل الدائرة فهي لي، وإن خارجها أتبرع بها للكنيسة، حينها جاء الدور على الحاخام الذي أكد هو الآخر على أنه يفعل الشيء ذاته، فإن سقطت النقود على الأرض فهي له، وإن بقيت معلقة في الهواء يتبرع بها للأعمال الخيرية.

تذكرت حكاية صديقي تلك وأنا أقرأ خبر الدولارات التي سرقها الجنود من منزل مواطن في الشجاعية، وكيف عجز الاحتلال عن العثور على صاحبها، المسألة لا تتعلق بالجنود اللصوص وما سرقوه، فدولتهم نشأت على السرقة بدءاً من التاريخ مروراً بالأرض وانتهاء بطبق الحمص، لكن الأمر يتعلق بوقاحة اللص فلم يسبق للتاريخ أن سجل سيرة لص وصلت وقاحته إلى هذا المستوى.

بقلم/ د. أسامة الفرا