رغم ذلك فقد سجل في عهده توقيع اتفاقيات كامب ديفيد، وهذا إضافة إلى أمور أخرى، ربما ما يسمح له باستمرار القيام بدور الوسيط في ملفات الشرق الأوسط، حيث يتميز كارتر بأنه قد نشط بعد مغادرته البيت الأبيض، أكثر من أي رئيس أميركي سابق، وربما كان السبب في ذلك يعود إلى انه شعر عند مغادرته _ وكان ما يزال شاباً _ للبيت الأبيض، بأنه لم يأخذ الوقت الكافي لبذل كل ما في جعبته وطاقته على صعيد العمل العام، وبسبب من مشاركاته النشطة في السياسة الدولية، منح العام 2002 جائزة نوبل للسلام .
المهم أن كارتر رجل مقبول جداً لدى حركة حماس، وبالأخص عند منظمتها في غزة، وبأخص الأخص عند نائب رئيس الحركة، رئيس الحكومة السابق، إسماعيل هنية، وحيث كانت «حماس» تستعد لاستقبال كارتر، كبارقة اهتمام خارجي، لم تر مثلها منذ نحو عام _ تقريباً _ أعلن عن تأجيل الزيارة فجأة، ثم فجأة ظهر الرجل في رام الله .
عند الإعلان عن زيارة كارتر لغزة، قيل بأنه آت لترويج فكرة قديمة، تدور حول عقد هدنة طويلة الأمد بين إسرائيل و»حماس»، ينتج عنها فك الحصار عن عزة، بفتح الممر المائي هذه المرة، كمخرج لتظهير ما يقال بأنه التوصل لصفقة تركية / إسرائيلية بالخصوص، لذا فإن زيارة كارتر لرام الله والقدس وإسرائيل، عدلت فيما يبدو البوصلة، ما يوفر للرجل القدرة على التحرك بفاعلية أكثر في الملف الفلسطيني / الإسرائيلي بشقيه الخارجي والداخلي.
أي أن هذا المسار للزيارة، سمح بالقول بأنه يسعى لتحقيق ما تعجز عنه السياسة الدولية الرسمية من إطلاق للمفاوضات الفلسطينية / الإسرائيلية، ومن مصالحة فلسطينية داخلية، ربما كانت هي الممر الإجباري لوضع حد لمعاناة غزة، وفك الحصار عنها !
برفض كارتر ووفد الحكماء الدوليين لقاء بنيامين نتنياهو، رئيس الحكومة الإسرائيلية المكلف، ثم شنه هجوما عنيفا عليه، يكون عمليا قد وجه رسالة الحزب الديمقراطي الأميركي، حيث اتضح أن كارتر بدفاعه عن جهود جون كيري وحديثه عن إفشال نتنياهو للمفاوضات، اثبت انه ما زال منتميا لحزبه الديمقراطي، وانه كسب بذلك ثقة الرئيس محمود عباس، وبذا يمكنه أن يقوم بدور فعال في الملف الداخلي الفلسطيني، ما دام يستحيل القيام بأي شيء على صعيد الملف الفلسطيني / الإسرائيلي .
المفاجئ، أنه ورغم أن وفد الحكماء قد ناقش مع الرئيس عباس، تفاصيل ملف غزة، من الإعمار للمصالحة، فإن الجانبين قد خرجا بالتوافق على تحديد الانتخابات كمخرج، ومعروف أن كارتر يعتبر مراقبا دوليا نزيها وموثوقا، لأية انتخابات تجري في المنطقة، وسبق له وان راقب الانتخابات الفلسطينية السابقة .
ربما لهذا السبب تجاهلت حركة حماس زيارة كارتر لرام الله، وفيما عدا ما أعلنه رئيس اللجنة الأمنية لكتلة حماس التشريعية إسماعيل الأشقر عن جاهزية حركته لخوض الانتخابات والقبول بنتائجها، فان حركة حماس أثارت « هوجة « إعلامية عن وجود مبادرة سعودية لمكة 2 !
يبدو أن الهدف بالأساس عند حركة حماس، هو فتح أبواب احد أهم المحاور الإقليمية، ونقصد به : المحور السعودي / المصري، والذي تحاول حماس ولوج بوابته عبر موقفها المؤيد لعاصفة الحزم في اليمن، وهذا أمر طبيعي للحركة، التي لا تملك شيئا سوى وجودها في غزة، والتي بعد تراجع النفوذ الإقليمي لحليفها الأول في المنطقة، تركيا / قطر / الأخوان، وفي ظل صعوبة العودة لتحالفها السابق مع محور إيران / سورية / حزب الله، تتطلع إلى إحداث حالة من التوازن بين هذه المحاور الإقليمية، بتطبيع علاقتها مع مصر بالتحديد .
تسعى حماس، إذاً للمصالحة مع مصر أكثر من سعيها للمصالحة مع محمود عباس، أو على الأقل للمصالحة مع مصر أولا، لأن من شأن ذلك أن يخفف من ضائقتها قليلا، وهي أدركت بعد تعثر الإعمار وعدم تنفيذ اتفاق الشاطئ حتى الآن، أن ما تمر به من ضائقة قد قوّى من موقف السلطة وحركة فتح، لذا فهي تريد اصطياد أكثر من عصفور بحجر واحد، فالعودة لمكة تعني سحب ملف المصالحة من مصر التي باتت علاقة حماس معها صعبة منذ سقوط نظام الأخوان، قبل نحو عامين، وتبقى الرياض أكثر دفئا، وفي الرياض تجد حماس بيدها ورقة تعزيز التحالف السني الذي تسعى إليه الرياض، بحكم إخوانيتها، تلك التي هي سبب لصد القاهرة بالمقابل للحركة، وبذلك تجد أن الذهاب للرياض من اجل المصالحة إنما هو أفضل الدروب، وربما أقصر الطرق التي باتت كلها _ تقريبا _ وعرة أو شاقة أو حتى موصدة في وجهها، في هذه اللحظة بالذات!
رجب أبو سرية
05 أيار 2015