المؤامرة المتواصلة منذ حوالي مئة عام وحتى اليوم هي تلك التي تستهدف أهل فلسطين، وترمي إلى استبدالهم بمن لم يعرفها ولو في زيارة، أو حتى في أحلامه، ولكن نقول ان الارض هي التي تؤكد لهذه الدنيا العربية هويتها، من خلال تمسك شعب فلسطين بارضه وممتلكاته ، رغم ما يقوم به الاحتلال الإسرائيلي من تهويد واستيطان واجرام وقتل واعتقال، ورغم صمت عرب المشرق وعرب المغرب، حيث تريد القوى الامبرياليه والصهيونيه والرجعية ان تعيدهم أشتاتاً طوائف ومذاهب وأعراقاً مختلفة، لهذا ستبقى فلسطين لأهلها.
لقد تراجع الاهتمام العربي بالقضية المقدسة، منذ زمن، وبعض الدول العربية يتذرع بالدعم الأميركي المفتوح لإسرائيل، وبعضها الآخر لم يعد يصنف إسرائيل في خانة العدو، هذا إذا ما أغفلنا أن عدداً من هذه الدول قد أقام علاقات جدية وإن ظلت سرية مع كيان الاحتلال، متذرعاً بقرار القمة العربية في بيروت في العام 2002.
وقبل ايام توقفت امام محللين على احدى القنوات الفضائية لأسمع منهم الأشد إيلاما ، نحن مع الفلسطينيين ندعمهم ولكن نضالهم يجب ان يبقى نضالا سياسيا، ولن نكون في أي حال أكثر حرصا من أهل القضية، أصبح لهم سبعه وستون عاما من العداء لم تحقق مقاومتهم ما ينفع الحقوق ، فلنجرب المفاوضات ونطالب الشرعية الدولية عسى ان نستنقذ لهذا الشعب المكافح ما يتناسب مع الحد الأدنى من حقوقه تاركين للزمن أن يفعل فعله، فالزمن معنا.
من هنا نقول لهذا المحلل الرجعي نحن نؤكد لك ان مسيرة الثورة الفلسطينية المعاصرة والتضحيات التي قدمها الشعب الفلسطيني تؤكد بان تجربة النضال الوطني هي تجربة كفاحية في في قيادة مسيرة النضال الفلسطيني، على امتداد خمسون عاما ، حيث انطلق العمل الفدائي من مخيمات اللجوء والشتات ليصنع ثورة وليعترف العالم كله بمنظمة التحرير الفلسطينية، من دون أن يتخلى عن السلاح.
ولقد حفلت مسيرة النضال الطويلة بالصعوبات الهائلة، وبينها الحصار، سياسياً وتسليحاً ومالياً، وهو قد قاوم الشعب الفلسطيني وما زال رغم تقديم تنازلات مؤلمة لعل أخطرها اتفاق أوسلو، ولو كان الوضع العربي الرسمي واقفا وداعما للشعب الفلسطيني لم يوقع اتفاق اوسلو ، وكذلك لو أن الوضع الفلسطيني كان أكثر تماسكاً.
إن قضية فلسطين ستبقى تحتل الوجدان العربي حتى لو تبين أن العديد من الشعوب العربية قد انشغل بهمومه الداخلية التي تكاثفت وثقلت عليه حتى أغرقته في مواجهة قوى ارهابيه تكفيرية ارادتها القوى الامبرياليه لتنفيذ مخططاتها بهدف ابعادها عن ميدان المواجهة مع العدو الإسرائيلي، ولو إلى حين.
ليس صحيح ان مرحلة النضال قد انتهت، الا ان الاتفاقات ومسيرة المفاوضات لم تعالج قضايا "اللاجئين، القدس، الحدود، النازحين، المستوطنين والمستوطنات، المياه، ومستقبل العلاقات..الخ. وصعود الليكود للسلطة الصهيونيه ومواصلة رفضه الالتزام عمليا بأسس السلام
العادل وبالاتفاقات التي انبثقت عنها. وهذه المعادلة تنعش ليس فقط القوى والافكارالمتطرفة، بل وتحيى الافكار والدوافع التي وقفت خلف تأسيس م ت ف، وقد تدفع بقطاعات واسعة من الشعب الفلسطيني، وبخاصة اللاجئين، يوما ما، الى ادارة الظهر للمنظمة التي نعرفها، اذا لم تؤخذ مصالحهم بعين الاعتبار ولم تعالج الحلول السياسية قضاياهم بصورة مرضية. وقد يتوجهون للبحث ولو "بعد زمن "عن صيغة بديلة يعبرون فيها عن انفسهم وعن تطلعاتهم، ويتحركون من خلالها لاستعادة حقوقهم المغتصبة.
ان الشعب الفلسطيني الذي يترك وحده في مواجهة الاحتلال الذي يرتكب جرائم يومية في مختلف الاراضي الفلسطينية المحتلة، فضلاً عن استمرار حكومة الاحتلال في تسريع بناء المستوطنات التي تلتهم الأرض الفلسطينية بوتيرة متسارعة، وما زال يحمل شعلة النضال والكفاح ، وما تشهده الاراضي الفلسطينية عدداً من عمليات المواجهة، بأساليب مبتكرة بينها الدهس بالسيارات أو تصيّد الجنود أو المستوطنين عند المنعطفات أو في المناطق المظلمة.
إن نضال الشعب الفلسطيني عبر مقاومته الشعبيه بمواجهة العدو الإسرائيلي، وهي تحمل إشراقة نور التحرير والعودة والاستقلال، باعتبارها ورقة قوة بيد الفلسطينيين في مواجهة العنجهية الاسرائيلية ومن خلالها ستتمكن القيادة الفلسطينية والشعب الفلسطيني من العمل على استنهاض طاقات الشعب الفلسطيني للوصول الى انتفاضة ثالثة والتصدي لمخططات الاحتلال في القدس والضفه وسرقة الارض وبناء الجدار،ترسم مستقبل الشعب الفلسطيني من خلال فرض موازين القوى استثمار المناخ الدولي والعربي وحشد الطاقات الوطنية امام العالم من اجل مطالبة المجتمع الدولي بتطبيق قرارات الشرعيه الدولية ذات الصلحة
ان مسيرة النضال الوطني ما تزال مليئة بالألم والأمل. وما زال الشعب الفلسطيني مؤمنا بشعار تحرير فلسطين وإقامة الدولة المستقلة كاملة السيادة وعاصمتها القدس وعودة اللاجئين الى ديارهم التي هجروا منها ، فهذا الشعب العظيم لم يفقد الأمل في التحرير والعودة، سواء من خلال نضاله اليومي ومسيرة كفاحه او تحركاته على المستوى الدولي ، ، وما انضمام فلسطين الى الوكالات والهيئات الدولية بما فيها محكمة الجنايات الدولية بعد الاعتراف الاممي بدولة فلسطين كعضو مراقب الا دليلا على ان هذا الشعب لا يمكن ان يعود الى الوراء رغم كافة الصعوبات والأجواء القاتمة المحيطة ، وهذا بمثابة تأكيد على العزم الفلسطيني على استمرار النضال من اجل انجاز اهدافه الوطنية وبناء دولته بصورة ديمقراطية عصرية.
امام هذا الواقع يسعى البعض لإقامة إمارة ظلامية وإيجاد دولة في غزة، ويجري مفاوضات سرية مع الاحتلال الإسرائيلي، لفصل قطاع غزة عن الضفة الفلسطينية ، وللأسف ان ما يجري يتم بمساعدة من بعض دول عربية وإسلامية ، ومن هنا نلاحظ بأن قانون ضريبة التكافل الذى تم اقراره في ما سمي المجلس التشريعي بغزة يعتبر غير قانوني وغير دستوري وغير شرعي حيث يزيد عبئ ضريبي جديد للمواطنين بموجب هذا القانون ، وكان من الواجب الدستوري والقانوني والتشريعي أن يكون هناك اجتماع للمجلس التشريعي بكامل أعضائه وهيئته، ولا يجوز لهم اصدار او سن مثل هذا القانون في فترة الانقسام على الاطلاق حتي لا يزيد من تعمق هذا الانقسام وهو الذي يهدد المشروع الوطني، لهذا نقول لدعاة الانقسام أن الشعب الفلسطيني تحت الاحتلال قد تلمس بتجربته الحسية المباشرة خياره الوحيد خيار الاستمرار في النضال ،
رغم إدراكنا العميق للعقبات والعراقيل العديدة التي مازالت تعترض سبيل الوصول الى تحقيق الاهداف الوطنيه المشروعه ، ورغم إيماننا التام بأن تحقيق هذه الاهداف فعلياً على الأرض ستكون مسيرة نضاليه مريرة معبدة بالشهداء والتضحيات والعذابات.
لذلك نحن نتطلع الى اهمية استعادة الوطنية الوطنيه الفلسطينية ضمن اطار منظمة التحرير الفلسطينية باعتبارها الكيان السياسي والمعنوي للشعب الفلسطيني ، فلا يجوز ان تأخذ السطة دورها على حساب دور ووجود منظمة التحرير، ، وهذا يستدعي من الجميع الإصرارعلى إحياء دور المنظمة القيادي وعدم تغيبه وتفعيل مؤسساتها على اسس ديمقراطية وشراكة وطنيه حقيقية من خلال مشاركة كافة فصائل المنظمة فيها .
إن سلاح النقد، والمراجعة، وتقييم المسيرة، وتسليط الضوء على كل ما رافق تجربتنا من أزمات ومشكلات هو نقطة البدء في هذه العملية النضاليه، كما أن التأسيس لرؤية جديدة. تستلهم الجديد الناشئ حول ما يدور حولنا في المنطقة وما يتعرض له الشعب الفلسطيني في الشتات وخاصة في مخيمات سوريا وعلى وجه الخصوص مخيم اليرموك من قبل قوى وعصابات الارهاب التكفيري الذي يستهدف شطب حق العودة وفقا للمؤامرة الصهيونيه .
من هنا نتوجه الى كافة فصائل منظمة التحرير الفلسطينية بمختلف اتجاهاتها الرئيسية الاستفادة من هذه المحطة النوعية الجديدة، وان لا تكتفي فقط بالخوض في أسئلة التكتيك والمراهنة، وأن تحاول الوصول إلى طرح أسئلة عن كيفية تصعيد وتيرة المقاومة الشعبيه بكافة اشكالها بمواجهة الاحتلال والاستيطان ، ففصائل منظمة التحرير ومعها جماهير الشعب الفلسطيني، قادرة على مواجهةما يحاك وتحويل المقاومة الشعبيه إلى محطة نوعية فعلية في مسار النضال الفلسطيني، وحتى لا تكتفي عن ترديد عبارات الأزمة أو "المصاعب" التي نواجهها كحركة تحرر وطني، فلسطينية ، وآن الأوان للشروع عملياً في رسم مسار الخروج من هذه الأزمة. ولست أتجنى على أحد إذا قلت أن الذين يقرون بهذه الأزمة ويتحدثون عنها هم المطالبون قبل غيرهم بالقيام بهذا الدور وبقرع ناقوس الخطر، ونحن بالطبع من ضمن هؤلاء، الشعب الفلسطيني أنجب وصنع خلال تاريخ نضاله الوطني قادة عظام وفي مقدمتهم الرئيس الرمز ياسر عرفات ، والحكيم جورج حبش وفارس فلسطين ابو العباس ، وطلعت يعقوب وعمر شبلي وابو علي مصطفى وفتحي الشقاقي وابو جهاد الوزير وابو اياد وابو الهول وعبد الرحيم احمد والشيخ احمد ياسين وسمير غوشه وزهير محسن وسليمان النجاب وابو عدنان قيس ومحمود درويش وسميح القاسم وآخرون من القادة العظام والمناضلين الابطال ، صحيح أنهم لم يحرروا الوطن ولكنهم انتشلوا الشعب من حالة التيه والضياع ووضعوه على طريق الحرية والاستقلال والعودة .
ختاما : نحن على مسافة قريبة من الذكرى السابعه والستون لنكبة فلسطين ، لذلك نقول إن الشعوب تصنع تاريخها بنضالها ، وفي تاريخ الشعب الفلسطيني ، محطات مُشَرِفة كثيرة ، علينا أن نفتخر بها ونبني عليها ، ليس أقلها الحفاظ على الثقافة والهوية الوطنية واستمرار قضيتنا الوطنية حاضرة في الضمير والوجدان العربي والعالمي . صحيح ، فهذا الشعب العظيم لم يحرر وطنه بعد من الاحتلال ، ولكن في المقابل لم يستسلم أو يتخل عن حقوقه التاريخية ، وصموده يعني فشل الاحتلال في تحقيق مشروعه الصهيوني حتى الآن ، لو بحث اصحاب
اقامة دويلة غزة عن سر صمود الشعب الفلسطيني لوجدنا وراء ذلك عظمة الشعب وشرعية حقوقه الوطنية وصبره وقوة تحمله ، لانه شعب لم يساوم على استقلالية القرار الوطني ، أو يلحق معهم القضية بهذا المحور أو ذاك ، بل همه حماية المشروع الوطني حتى تبقى فلسطين هي البوصلة، كما جسدته التضحيات العظام لكافة فصائل الثورة الفلسطينية بالبندقية وبالاشتباك المباشر مع الكيان الصهيوني وبثقافة وهوية وطنية صهرت الكل الفلسطيني في بوتقتها بالرغم من آلم الشتات والغربة .
بقلم/ عباس الجمعه