حكومة متطرفة بولادة قيصرية، استغرق التفاوض لتشكيلها (42) يوماً، وهي الرابعة التي سيرأسها "بنيامين نتنياهو"، الذي أعلن بعد انتصار حزبه "الليكود" في هذه الانتخابات، بحصوله على (30) مقعداً من أصل (120) عدد مقاعد الكنيست، أعلن أنه سيقيم حكومته بشكل سريع، وهذا ما لم يتم حيث مر على الانتخابات التي أجريت بتاريخ 17-3-2015، أكثر من (45) يوماً، وأكثر من (40) يوماً على تكليفه، وهو في محاولة لتشكيل حكومة يمينية عنصرية دينية، تحظى بثقة (67) نائباً من نواب الكنيست، فقد تم الاتفاق مع حزبي "كلنا" الذي له (10) مقاعد، وحزب "يهدوت هتوراه" الذي له (6) مقاعد في الكنيست، دون الإعلان عن تفاصيل الاتفاق معهما، والذي بقي سراً، كي لا يتناقض هذا الاتفاق مع الأحزاب الأخرى المنتظر مشاركتها في حكومة "نتنياهو".
إن حكومة "نتنياهو" المقبلة، ستكون أكثر تشدداً حيال العملية السياسية مع الفلسطينيين، فهي تعارض إقامة الدولة الفلسطينية، وترفض العودة إلى حدود 1967، ولا لعودة اللاجئين الفلسطينيين، مع إبقاء القدس الموحدة عاصمة إسرائيل الأزلية كما يقولون، فرئيس الدولة "روبي ريفلين" كلف "نتنياهو" بتاريخ 25-3-2015، لتشكيل الحكومة، بمنحه (28) يوماً، دون أن يفلح فطلب (14) يوماً إضافياً وفقاً للقانون، دون انتهائه من عملية التشكيل، فإن من أهم أسباب التعثر وطول مدة عملية التشكيل، ليست المبادئ والأسس وعملية السلام مع الفلسطينيين، ولا الخطوط العريضة لسياسة الحكومة القادمة، بل الخلافات على الحقائب الوزارية التي ستمنح لكل حزب من الأحزاب المشاركة، وعلى الموازنات والامتيازات وتوزيع رئاسة اللجان الوزارية، ولجان الكنيست، دون الوفاء بوعود هذه الأحزاب، أثناء المعركة الانتخابية للمواطنين المتعلقة بالاقتصاد وتحسين حياة المواطنين، وغلاء السكن والقائمة طويلة، وما زاد من تعقيد تشكيل حكومة نتنياهو الرابعة، رفض حزب العمل-الحركة- وله (24) مقعداً- المشاركة في حكومة وحدة وطنية، وفضلا العمل من صفوف المعارضة، رغم الإغراءات في المناصب الوزارية التي استعد "نتنياهو" منحها لهم، فالاعتقاد السائد في الدوائر السياسية والحزبية الإسرائيلية، بأن حكومة "نتنياهو" العتيدة، لن تعمر طويلاً، وأن الانتخابات القادمة للكنيست ستجري قبل موعدها المحدد بالقانون.
حكومة "نتنياهو" الرابعة، ستشكل من قبل ستة أحزاب يمينية ودينية، وعلى الرغم من توحد مواقفهم ومعارضتهم للدولة الفلسطينية، لكن الخلافات بينهم قائمة، والصراع على المناصب الوزارية، وعلى التطرف وكراهية الآخرين، فهي ستكون حكومة مشلولة خاصة على الصعيد السياسي، وأن القاسم المشترك بين وزرائها التوسع والاستيطان والتطرف والتنكر لحقوق الشعب الفلسطيني في وطنه وأرضه، فلا مكان لعملية السلام في قاموسها، وبالتالي فهي لن تنجح في إيجاد حل جذري لمشاكل إسرائيل الكثيرة والمعقدة، ورفع المعاناة المستدامة التي يعيشها الإسرائيليون.
حكومة "نتنياهو" الرابعة، ستحصل على ثقة (67) نائباً كما هو متوقع أما الأحزاب المشاركة في الائتلاف الوزاري فهي: حزب "الليكود" وله (30) مقعداً، و"كلنا" وله (10) مقاعد، وحزب "شاس" وله (7) مقاعد، و"البيت اليهودي" وله (8) مقاعد، و"يهدوت هتوراه" و"إسرائيل بيتنا" لكل منهما (6) مقاعد، فالمجموع (67) مقعداً أو نائباً، فإن المفاوضات لتشكيل الحكومة بين هذه الأحزاب، عبارة عن سوق للابتزاز والبيع والشراء، لأن أي حزب من هذه الأحزاب يعلم أن "نتنياهو" دونه لن يستطيع الإعلان عن حكومته، والحصول على ثقة الكنيست بها فهي فرصة فريدة أمام كل حزب من هذه الأحزاب لتحقيق مطالبه، فحزب "إسرائيل بيتنا" طالب بوزارة الجيش، لكنه يعلم أنه لن يحصل عليها، بل وكل ما يريده بقاء الخارجية لـ "أفيغدور ليبرمان"، مع صلاحيات واسعة وكاملة، منها المسؤولية عن العلاقات مع الولايات المتحدة، ومع المجموعة الأوروبية، وملف المفاوضات مع الفلسطينيين، أما حزب "البيت اليهودي" الذي طالب بوزارة الخارجية، فاكتفى بالحصول على وزارة التعليم، إضافة إلى وزارتين أخريين، لكن هناك في الحلبة السياسية والحزبية الإسرائيلية، اعتراض على إسناد التعليم لرئيس هذا الحزب "نفتالي بينت"، الذي يعتبر ممثل المستوطنين في الحكومة، والمعروف بعنصريته وكراهيته "للغوييم"، فهو سيكرس جهوده وموازناته في خدمة المستوطنين، وزيادة في تخريب التعليم لمواطني إسرائيل العرب، أما حزب "يهدوت هتوراه" الديني، فاكتفى بنائب وزير الصحة، برتبة وزير، لأن عقيدة هذا الحزب الدينية لا تجيز له أن يكون وزيرا، وعضو في مجلس الوزراء، كما سيسند لهذا الحزب رئاسة اللجنة المالية في الكنيست، وهي في غاية الأهمية، للإفراج عن الموازنات المالية، وحزب "شاس" الذي وعده "نتنياهو" عشية الانتخابات بإسناد حقيبة الداخلية لـ"آرييه درعي"، فهناك معارضة شديدة لمنحه هذه الوزارة، إذ أن "درعي" اتهم بالفساد أثناء ترؤسه هذه الوزارة، وحكم عليه بالسجن، فلا يجوز له قانونياً العودة إلى هذه الوزارة، وقد يسند إليه وزارة الاقتصاد، ولآخر من حزبه وزارة الأديان، هذه الأخيرة التي يطالب بها حزب "البيت اليهودي"، لدرجة أن حزب "شاس" يرفض منح "البيت اليهودي" منصب نائب وزير في وزارة الأديان، والمفاوضات بين هذا الحزب و"نتنياهو"، متواصلة، أما الفائز الأكبر في الحكومة القادمة، فهو "موشيه كحلون"، رئيس حزب "كلنا" الذي أسند إليه وزارة المالية مع إضافات لها، إضافة إلى حقيبتين أخريين لنائبين من حزبه، وكان "نتنياهو" سيضطر لتشكيل حكومة مقلصة من (61) نائباً، إلا أن حزب "كلنا" عارض هذا التوجه.
هناك ضجة وغضب كبير جداً، داخل قيادة حزب "الليكود"، في أعقاب توزيع معظم الحقائب الوزارية على الشركاء في الائتلاف، فـ "نتنياهو" وزع الحقائب الأساسية لإرضاء الشركاء، وأبقى لهم حقائب ثانوية، ومن هؤلاء الغاضبين الذين كانوا يتقلدون مناصب رفيعة كل من:"سلفان شالوم"، و"يوفال شتاينتس"و"تساحي هنغبي" و"غلعاد اردان"، و"غيلا غملئيل"، "تسيبي حرطوبولي" و"زئيف الكين"، و"ياريف ليفين" وغيرهم، فهناك تحالف بين "ليبرمان" و"بينت" للي ذراع "نتنياهو"، على شاكلة التحالف الذي كان في الكنيست السابقة بين "بينت"و"لبيد" وهذه التحالفات أطلق عليها بتحالفات المنبوذين، والهدف إرغام "نتنياهو" على الاستجابة لمطاليبهم، فمفاوضات تشكيل الحكومة، ما بين التهديدات والمطالب والوعود من قبل "نتنياهو"، مع معرفتهم أن "نتنياهو" لن يفي بوعوده، فهناك حرب استنزاف قائمة في عملية تشكيل الحكومة، وسوق علني للحصول على الحقائب الوزارية، وعلى رئاسة اللجان، ومع أن القانون الأساسي يحدد عدد الوزراء بـ (18) وزيراً إضافة إلى رئيس الوزراء، وعدد نواب الوزراء أربعة فقط، فإن "نتنياهو" وعد بتشريع قانون لرفع عدد الوزراء إلى (22) وزيراً، ونواب الوزراء إلى ثمانية، والهدف إرضاء الغاضبين.
لقد حققت الأحزاب الدينية معظم مطالبها من الحكومة القادمة منها، إلغاء القوانين التي شُرّعت في عهد الحكومة السابقة بالنسبة للخدمة العسكرية لطلاب المدارس الدينية، وإلغاء قانون العقوبات على الرافضين بين المتدينين، وإلغاء تقليص الأموال للمعاهد الدينية اليهودية، وإلغاء تقليص مخصصات الأولاد وإعادتها إلى ما كانت عليه عام 2013، معتبرين الاستجابة لهذه المطالب، تصحيح للغبن الذي طال المتدينين، وأن من بين مطالب الأحزاب التي ستشارك في الائتلاف الحكومي، مواصلة البناء في القدس الشرقية، بل وفي جميع أنحاء الضفة الغربية، وتشريع قوانين كانت الكنيست السابقة من خلال قرارات المحكمة العليا بشطبها، لأنها تتناقض مع قانون أساس كرامة الإنسان وحريته، بإحيائها وتشريعها من جديد، منها إضعاف صلاحيات المحكمة العليا، وتشكيل لجنة بتركيب جديد لتعيين القضاة، وتشريع قانون يسمح للإسرائيليين الذين يعيشون في الخارج المشاركة في انتخابات الكنيست، وقانون سيطرة رئيس الحكومة على وسائل الإعلام، وتشريع قانون الدولة القومية اليهودية، الذي يهدد التواجد الحالي للمواطنين العرب داخل الخط الأخضر، إلى غير ذلك من القوانين العنصرية.
أثناء عرض الحكومات الإسرائيلية العتيدة على الكنيست، لنيل الثقة تعرض خطوطها العريضة في معظم المجالات، لكن في المفاوضات لتشكيل الحكومة الجديدة، فالأحزاب المشاركة فيها مشغولة بالحقائب الوزارية، وليس بالخطوط العريضة لسياسة الحكومة، فلا ذكر في هذه المفاوضات لحل الدولتين، فـ "نتنياهو" أعلن علناً –أثناء المعركة الانتخابية- أنه لن تقام دولة فلسطينية في ولايته الجديدة لرئاسة الحكومة، وهو الأمر الذي يتعارض مع الموقف الأميركي الداعي لحل الدولتين الذي يعرضهم لاحتمال خسران "الفيتو" الأوتوماتيكي الأميركي في مجلس الأمن، الذي ترفعه أميركا في كل ما يخص القضية الفلسطينية، فنائبة وزير الخارجية الأميركي "وندي شيرمان"، أعلنت قبل أيام أنه دون التزام إسرائيل بحل الدولتين، ستجد الولايات المتحدة صعوبة بالدفاع عن إسرائيل ودعمها دولياً، وإذا راجعنا مواقف الأحزاب المشاركة في الحكومة الإسرائيلية، من خلال برامجها الانتخابية، والتي نتوقع شملها بالخطوط العريضة للحكومة، فحزب "الليكود" يرى بأن أي أرض قد تخليها إسرائيل، ستحتلها عناصر إسلامية متطرفة، وعليه لن تكون هناك أي انسحابات وتنازلات، وأن القدس عاصمة إسرائيل الأزلية ولن تقسم، وحزب "إسرائيل بيتنا" بزعامة "ليبرمان"، يلخص رؤيته في ثلاثة مبادئ هي: وحدة الشعب، دولة إسرائيل هي الوطن القومي للشعب اليهودي، ولا مواطنة دون ولاء، ويستهل "البيت اليهودي" برئاسة "نفتالي بينت" برنامجه السياسي، بالتأكيد على أن إسرائيل دولة يهودية ووطن جميع اليهود في العالم ويرفض أي نوع من الدولة الفلسطينية، بل يدعو لإقامتها إلى الغرب من نهر الأردن، أما حزب "يهدوت هتوراه" فهو يرفض اتفاق أوسلو للسلام بين إسرائيل والفلسطينيين، ويدعو إلى دعم المستوطنات، أما حزب "شاس" الذي لم يعلن عن برنامجه السياسي، فإن مواقفه الرافضة لإقامة عاصمة الدولة الفلسطينية في القدس الشرقية معروفة، كما يرفض العودة إلى حدود عام 1967، فأحزاب اليمين الإسرائيلي المشاركة في حكومة "نتنياهو" الرابعة، تعارض إقامة الدولة الفلسطينية، بل وتعتبر أن ما تسميه بأرض إسرائيل الانتدابية، جزء بلا منازع للشعب اليهودي، مطالبة بضم الضفة الغربية للسيادة الإسرائيلية، وهذا يعني أنهم أغلقوا جميع أبواب السلام في وجه الفلسطينيين، وهذا سيؤدي إلى استمرار التوتر والحروب إلى إشعار آخر، ورداً على استفسار، فإنه إذا فشل "نتنياهو" بتشكيل الحكومة، يكلف رئيس الدولة مرشح آخر من بين نواب الكنيست لتشكيلها، لكنني أجزم أن "نتنياهو" هو الذي سيشكلها، ولو أدى ذلك إلى مزيد من التنازلات والعطايا للأحزاب التي ستشارك في حكومته.
بقلم/ غازي السعدي