المشهد الفلسطيني والعربي يعيش حالة من التراجع

بقلم: عباس الجمعة

تتعرض المنطقة العربية لشتى الاختبارات منذ احتلال العراق ، واليوم بدلا من ان تكون فلسطين هي البوصلة بدأ البعض يبتعد عنها ويغير وجهتها ولم يلتزم حتى بالقرارات التي يوافق عليها ارضاءا  للولايات المتحدة الامريكية وحليفتها اسرائيل وذلك بهدف الإمساك بكل شيئ في المنطقة لتفتيتها وللسيطرة على ثرواتها كالبترول وللحفاظ على إسرائيل وأمنها.

هذه الصورة لم تتغير ولن تتغير، لكن المتغيرات التي انهالت على المنطقة حسب ما أرادها اللاعب الاميركي الكبير تجارب لأفكار واتى على راس بعض السلطات قوى ما يسمى بالاسلام السياسي ليدفعها للانتقام من مكونات خصومها بدل ان تكون الديمقراطية أساسها.

سقطت أقنعة كثيرة على المستوى العربي وهذه الاقنعة تتوافق مع اهداف الدول الاستعمارية ، حيث نسى هؤلاء العرب ان الشعب الفلسطيني يتعرض لابشع عدوان وهجمة استعمارية تستهدف الشجر والحجر والبشر ، واسرى ومعتقلين يعانون الاضطهاد والظلم التعسفي ، حيث بمواقفهم وسلوكهم اليوم يخدمون مخططات الاحتلال الصهيوني ، ولهذا نقول لم يعد الشعب الفلسطيني يسمع من هؤلاء  سوى البيانات اللفظية وادعاءات الحرص.

أن الشعب الفلسطيني صمد على أرضه في الضفة والقطاع والقدس وبالتالي يوجد حوالي نصف الشعب الفلسطيني على أرضه، وهناك مخططات استراتيجية لتفتيت المنطقة وإعادة رسم خرائطها والقيام بـ "سايكس بيكو" جديد لإيجاد دول طائفية ومذهبية متقاتلة فيما بينها لتبرير وجود إسرائيل كدولة اليهود في العالم

من هنا كان الموقف الفلسطيني ضد التدخلات الخارجية من قبل القوى الخارجية لأن مصير هذه المنطقة تقرره شعوبها وليست قوى خارجية، وان ما تقوم به القوى الامبريالية والصهيونية والرجعية والارهابيه ًهدفه تعميم الفوضى الخلاقة  ، بهدف ابعاد الشعوب عن دائرة الصراع  مع العدو الصهيوني وعن بوصلة فلسطين .

لقد دفع الشعب الفلسطيني ثمنا باهظا من وراء هذه القرارات الدولية المجحفة, في ابقائه في أماكن التشرد و اللجوء و الشتات, وان ما تعيشه المنطقة العربية برمتها من مخاطر ,هدفه الاساسي شطب حق العودة.

لذلك فأن المشهد الفلسطيني و العربي يعيش حالة من التراجع الذي أصاب المنطقة فالنظام الرسمي العربي يهرول الى التطبيع مع الكيان الصهيوني , و الهجمة الامبريالية الأمريكية الصهيونية تستمر على المنطقة بعد الاحتلال الأمريكي للعراق, واستمرار الهجمة السافرة على سوريا , و محاولات توجيه ضربات للمقاومة , ان هذه الأهداف الامريكية الصهيونية يراد من خلالها تركيع المنطقة العربيةو الهيمنة عليها و تفتيتها الى كيانات طائفية ومذهبيه واثنيه , و محاولات شطب القضية الفلسطينية نهائيا.

ان الوعي العربي بوجود استهدافات أمريكية صهيونية ومخططات و استراتيجيات وضعتها الادارة الأمريكية , من شأنه أن يحدد و يخلق سياسات مواجهة ومقاومة و صمود وهذا يستند الى الجماهير العربية و طلائعها المقاومة و الى الحقوق الوطنية الثابتة التي لا يمكن التخلي عنها .

ان الممارسات الصهيونية في الاحتلال و الاستيطان و سياسة الاغتيالات و مصادرة الأراضي و التضييق و الاعتقالات لم تتوقف رغم ما شهدته الأحداث في الأراضي الفلسطينية , فالمشروع الفلسطيني في التحرر و الاستقلال و بناء الدولة المستقلة لا يقف عند بعض الفتات هنا و هناك , و انما هو مشروع شامل و متكامل يبدأ بتحرير كامل أراضي الضفة و القطاع و ينتهي بتحرير الارض والانسان و تحقيق العودة الى جميع أفراد الشعب الفلسطيني في الشتات.

ان المشروع الفلسطيني التحرري لا يمكن أن يتعايش الى جانبه مشروع صهيوني عنصري احتلالي, فهذه معادلة واضحة في الصراع العربي الصهيوني و من شان ما يقدم الآن من حلول مؤقتة ليس لها جذور أن تنهار . ما لم يتم عودة اللاجئين الفلسطينييين الى ديارهم و بيوتهم التي هجروا منها , فستظل كافة الاجراءات منقوصة و مؤقتة, و سوف يرفضها شعبنا الفلسطيني .

ان قضية الاسيرات والاسرى  في سجون الاحتلال اصبح لها أثر في نفوس الشعوب في العالم, وله مكانة خاصة, وهذا يتطلب من الجميع اعطائها الاولوية ونقل ملف الاسرى الى محكمة الجنايات الدولية لأن هذه القضية تتدحرج ككرة الثلج في صميم الانسانية.

وفي هذا السياق ، فإن القضية التي يجب أن تستوقف القوى الديمقراطية والتقدمية امام المخاطر الامبريالية الاستعامارية الهادفة الى التمدد و الهيمنة على منطقتنا العربية خصوصاً ، لتكريس تبعيتها و تخلفها من جهة ، و إعادة هيكلتها و تكييفها بما يضمن إلحاقها بصورة شبه مطلقة لسياساتها في المنطقة التي تستهدف تجديد الدور الوظيفي للعدو الصهيوني و دولته بما يتوافق مع مستجدات المصالح الامبريالية ، بحيث تصبح إسرائيل "دولة مركزية" في المنطقة العربية والإقليمية ، بما يضمن ويسهل عملية "التطبيع" و "الاندماج" الإسرائيلي في المنطقة العربية ، سياسياً و اقتصادياً ، تمهيداً للقضاء على منظومة الأمن القومي العربي كله من جهة، و بما يعزز السيطرة العدوانية الإسرائيلية على كل الأراضي الفلسطينية والعربية المحتلة أو التحكم في مستقبلها من جهة أخرى .

إن إيماننا بآفاق المستقبل الواعد لشعبنا أو الشعوب العربية كلها  ينطلق في حسم الصراع العربي الصهيوني بما يحقق أماني و مصالح هذه الأمة ، لا يعني أننا نؤمن بحتمية تاريخية يكون للزمان و المكان دوراً رئيسياً و أحادياً فيها ، بل يعني تفعيل وإنضاج عوامل و أدوات التغيير الديمقراطية ، و البحث عن اسنادها بعوامل ملحة من قلب واقعنا الراهن ، حتى لا يضيع الهدف الرئيسي للصراع .

امام كل ذلك نرى المشهد الفلسطيني ، وتصريحات البعض بفصل غزة عن الضفة ، مما يستدعي من كافة القوى والفصائل ومن الشعب الفلسطيني في الوطن والشتات والمنافي رفع الصوت عاليا من اجل انهاء الانقسام ، والحفاظ على الانجازات التي تحققت  في مسيرة النضال المتواصل ، بالتضحيات وبالصمود والمقاومة الباسلة ، لأن  لا معنى ولا قيمة للحفاظ على انجازات الشعب الفلسطيني، إن لم يكن هناك تحريضا ثوريا ًوديمقراطيا لكل ابناء الشعب الفلسطيني من اجل انهاء الانقسام على قاعدة برنامج الاجماع الوطني وثوابته, واستعادة الوحدة الوطنية في اطار التعددية والصراع الديمقراطي والسياسي الداخلي الذي يؤكد على تمسكه والتزامه بممارسة النضال بكل اشكاله السياسية والكفاحية والديبلوماسية ضد العدو الصهيوني .

إن الشعب الفلسطيني في سوريه، وانطلاقاً من دورهم الوطني التاريخي، يستحق منا التحية والاهتمام بحالهم وأحوالهم في ظل الأزمة التي يعيشونها الآن، فهم رواد الثورة والمقاومة، وطلائع المناضلين الذين شقوا الدروب الصعبة والقاسية في مسار الحركة الوطنية الفلسطينية المعاصرة منذ بواكير الثورة، وهذا يستدعي العمل على وقف الهجمة الارهابيه الذي يتعرض لها مخيم اليرموك ، والعمل من اجل اخراج هذه العصابات الارهابيه  من المخيم اليرموك ،  فهذا المخيم وكافة المخيمات ال هي الشاهد الأساسي على النكبة الفلسطينية وهي الرمز الحي للتمسك بحق العودة، لذلك فأن ما تقوم به هذه القوى الارهابيه هو خدمة للمشروع الامبريالي الصهيوني من اجل تمرير مشاريعها الهادفة إلى تصفية القضية الفلسطينية.

ختاما لا بد من القول ان المرحلة الراهنة تتطلب الاسراع في انهاء الانقسام الداخلي وتعزيز الوحدة الوطنيه الفلسطينية وتطبيق اتفاقات المصالحة  كخطوة اولى تطوي صفحة الانقسام الكارثي ورسم رؤية وطنية مشتركة تمثل برنامج الحد الادنى ، واعطاء حكومة التوافق الوطني دورها في قطاع غزة حتى تعمل على اعادة الاعمار وان تقوم بالتحضير للانتخابات الرئاسية والتشريعية ،وبذلك تكون مصداقية الموقف الوطني لدى حماس من اجل توحيد الضفة والقطاع سياسيا وجغرافيا ، حتى لا نصل الى مرحلة تصبح فيها غزة ولاية اسلامية منفصلة كليا عن المشروع الوطني عموما وعن الضفة الفلسطينية خصوصا ، وحتى لا تتحول الضفة الى معازل مقطوعة الاوصال وفق الرؤية الصهيونية ،المطلوب الان وفورا مغادرة عقلية التعصب الفئوي لهذه الفصيل او ذاك والتمسك ببوصلة الانحياز للشعب والوطن والقضية.

بقلم / عباس الجمعه

كاتب سياسي