تتبارى التصريحات المتبادلة للأطراف الفلسطينية لإجراء الانتخابات العامة، لكن دون جهد حقيقي لإجرائها، مشفوعة باشتراطات مختلفة منها ما يتعلق بتهيئة الظروف الداخلية، أو توقيع حماس على ورقة توافق فيها على اجراء الانتخابات. كما أن شرط تهيئة الظروف غير محدد أو مُعَرّف كاستلام المعابر أم سيطرة الحكومة على القطاع، فيما تضع حركة حماس عراقيل واقعية بإضراب موظفيها في القطاع وعدم قدرة الوزراء على العمل أو التواصل معهم تحت بند دفع الرواتب ودمجهم ضمن موظفي القطاع العام أولا وقبل انجاز اللجنة القانونية والإدارية عملها وفقا لاتفاق القاهرة. وإذا كان الامر كذلك في موضوع القطاع المدني فكيف الامر عند معالجة القطاع الامني الاكثر تعقيدا اصلا.
وفي ظني أن توقيع حماس على ورقة الموافقة لإجراء الانتخابات أو ضمان نزاهتها لن يمنح الشرعية للرئيس أو تجعله أكثر تحررا في اصدار قرارات بقوانين، أو تمنحه السيطرة على قطاع غزة، بل تمنح حركة حماس حق الاعتراض "الفيتو". أجزم أن ممارسة المسؤوليات لا تحتاج الى رضا الاخرين بقدر الحصافة والمبادرة والحزم وتحمل المسؤولية بالاحتكام الى أحكام القانون ولا يتأتي ذلك إلا بمرسوم رئاسي يحدد موعد يوم الاقتراع ويدعو الفلسطينيين للاقتراع "أي بمعنى آخر وضع الحصان أمام العربة لا خلفها". وعلى الاخرين بمختلف الاطياف اللحاق بالركب والمشاركة في العملية الانتخابية وإلا فقدوا مكانتهم، ومن يمنع الانتخابات أو لا يقبل بها حكما فهو لا يؤمن بالشعب وحظوظه لديه ويفقد في بذلك شرعيته.
فالمسألة الاساسية اليوم هي الشرعية وتمثيل المواطنين وفقا لأحكام القانون الاساسي الذي يحدد العقد الاجتماعي ما بين المواطنين والحكام "الرئاسة وأعضاء المجلس التشريعي" والمدة الزمنية الدستورية للتفويض الشعبي المتمثلة بأربع سنوات فقط وبعدها تحتاج الى تفويض جديد من خلال صناديق الاقتراع فقط. وهنا لا تنفع حجج الاطراف المختلفة المتصارعة على السلطة وكذلك بعض النخب السياسية والمثقفين كالقول إن الاطراف تستند إلى شرعية المنظمة أو المقاومة، أو مازال الأمل في تطبيق الاتفاقيات الموقعة "كاتفاق القاهرة 2011"، أو الحاجة إلى اتفاق شامل كي لا تكون الانتخابات "لعنة" جديدة على الشعب الفلسطيني.
في الاولى، اتفقت الاطراف الفلسطينية عام 2005 في القاهرة على الانتخابات كمخرج لازمة الشرعية وبإجراء الانتخابات عام 2006 بات اكتساب الشرعية هو من خلال صندوق الاقتراع لا من غيره؛ ففصائل المنظمة ومؤسساتها أكلت شرعيتها التاريخية المكتسبة زمن الثورة، والمقاومة لم تحقق اهداف الشعب الفلسطيني لتُكسبَ أصحابها شرعية بل فشلت، في غزوتها الأخيرة، في انهاء الحصار على القطاع وبل أيضا اكسبته "الحصار الاسرائيلي" شرعية دولية بعد فشلها بإدارة ملف المفاوضات في الحرب الاخيرة على القطاع.
وفي الثانية، فشلت حكومة التوافق الفلسطينية في تطبيق الاتفاقات أو في انجاز أيا من بنودها التي من أجلها شُكلت قبل عام؛ فلا وحدت المؤسسة الفلسطينية ولا قامت بالاعمار ولا بالتهيئة لإجراء الانتخابات، طبعا لظروف وعوامل ذاتية وموضوعية، مما يفقد الامل بإنهاء الانقسام من خلال هذا الطريق. أما المطالبون بالوصول إلى اتفاق شامل قبل اجراء الانتخابات على حسن نيتهم سيطيلون عمر الانقسام ويُجذرونه لأنه من غير الوارد الاتفاق على الاهداف الوطنية للشعب الفلسطيني بهذا الحوار أو السير نحوه في المدى القريب.
فالأسلوب المثل هو الاحتكام إلى الشعب بإجراء الانتخابات لاستعادة الشرعية بقبول الناس، ومنح تفويض شعبي للفائزين لتطبيق برامجهم السياسية، وهي بذلك تحدد بشكل واضح رغبات الشعب وتطلعاته، وهنا يضع الشعب الاطراف السياسية في مجلس واحد محكومين بقواعد اللعبة الديمقراطية. وبهذا المعنى فإن الانتخابات ليست الحل بل هي خطوة أو بمعنى أدق مدخلا لحل المشاكل العالقة، وهي كذلك تُوقف تآكل الشرعية الحاصل في المؤسسات السياسية "الرئاسة والمجلس التشريعي" وتضع سدا لمنع انفجارٍ لا يعرفُ احداً حدوده من بلقنة أو صوملة أو يمننة أو سورنه أو لبينة.
لا يحتاج إجراء الانتخابات سوى ارادة سياسية، فيما تتكفل لجنة الانتخابات المركزية المشهود لها بالنزاهة والشفافية بإدارة العملية الانتخابية من ألفها إلى يائها، لاختيار نظام انتخابي يسمح ويتيح ويمنح الشراكة أي نظام التمثيل النسبي "القوائم"، وهنا على حركة حماس أنْ تدرك أَنَّ هذا النظام افضل لها من النظام المختلط لسببن الاول: اعتقادها الخاطئ أنها أقوى في الدوائر مثلما كان ترى نواب حركة فتح ذلك عند اقرار قانون الانتخابات عام 2005. والثاني: أن اعادة تمثيل نتائج الانتخابات التشريعية عام 2006 على النظام المقترح (75% قوائم و25% دوائر ) يوضح أن حركة فتح حصلت، وهي في أسوء أوضاعها آنذاك، على نصف المقاعد المخصصة للدوائر ما يعني ان حركة حماس قد لا أو لن تحصل على اغلبية المقاعد في الدوائر.
أجزم أن هذا الامر "إجراء الانتخابات العامة" يحتاج إلى طليعة تأخذ الدور الريادي لتحقيق ضغط شعبي واسع على الاطراف في الضفة الغربية وقطاع غزة لتحقيق هدف إجراء الانتخابات فقط دون الدخول في نقاش قضايا أخرى هي من اختصاص المجلس التشريعي القادم المفوض بحل كافة المشاكل العالقة تحت شعار "دولة فلسطين لجميع مواطنيها".
بقلم/جهاد حرب