اليهودي الأخير في منطقة عمران اليمنية، غادر إلى إسرائيل هو وعائلته الصغيرة منذ سنوات قليلة، بعد أن تلقى تهديدات من بعض المتعصبين، إما أن يُسلم أو يقتل. كان عدد اليهود في اليمن يزيد على خمسين ألف نسمة، إلا أنهم غادروها قبل وبعد إنشاء الكيان الصهيوني في فلسطين عام 1948، وقلة منهم هاجروا إلى أوروبا والولايات المتحدة، وهؤلاء من الأغنياء أو أفراد من الطبقة الوسطى، وأغلبيتهم الفقيرة هاجرت إلى إسرائيل طوعا أو قسرا عن طريق ميناء عدن، الذي كان تحت السيطرة البريطانية، الداعم الأول لإنشاء دولة لليهود في فلسطين.
ذلك ما كان باختصار في اليمن وعدن، وهما يقعان على أطراف الجزيرة العربية، فكيف كان الحال في الجزيرة والخليج، وهل ما زال يوجد فيهما يهود؟
ذلك ما جاء في كتاب «اليهود في الخليج» الصادر في 2011 في الكويت، للباحث يوسف علي المطيري. ومادة الكتاب ما هي إلا رسالة ماجستير، نالها الباحث من جامعة الكويت ـ قسم التاريخ ـ تحت إشراف الدكتور عبد المالك التميمي رئيس قسم التاريخ في الجامعة، والباحث المختص في المنطقة وأحوالها قديما وحديثا، حيث صدرت له تسعة كتب وعشرات البحوث التي عالجت قضايا مختلفة تتعلق بمنطقتي الجزيرة والخليج.
تجدر الإشارة إلى أن الكتب التي صدرت عن مركز الأبحاث الفلسطيني في بيروت في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي عن هجرة اليهود إلى فلسطين، لم تتطرق إلى أوضاع اليهود في الجزيرة والخليج، أو إلى هجراتهم، وبقي الأمر كذلك ربما إلى يومنا هذا، ما عدا استثناءات قليلة في بحوث أو مواضيع منشورة في بعض المطبوعات وفي معالجات سريعة. الأمر الذي يجعل من الكتاب الصادر حديثا من الكتب القليلة التي تعالج هذا الموضوع باللغة العربية.
بين الماضي والحاضر
في العرض الذي كتبه عبدالله التميمي، ونشرته جريدة الطليعة الكويتية الأسبوعية في الثامن من نيسان/إبريل الماضي (2015)، يمكن اختصار أهم ما ورد فيه، حيث ذكر نقلا عما جاء في الكتاب عن الوجود التاريخي لليهود في المنطقة «أن جميع المصادر والمدونات التاريخية، أكدت وجود الديانة اليهودية في الجزيرة العربية وانتشارها بين بعض القبائل العربية بوجه عام».
وأضاف التميمي: «ثم ذكر عن خلاف الباحثين حول أصول الوجود اليهودي في الجزيرة العربية، وهل يعود إلى هجراتهم إلى المنطقة من خارجها، أم أن بعض القبائل العربية تهوّدت، أو تهوّد بعض أفرادها بسبب حملات التبشير اليهودية، وعن طريق التجارة والاحتكاكات واللقاءات المباشرة؟».
وأضاف: أن هناك من جمع بين الرأيين، وقال بوجود يهود هاجروا إلى الجزيرة العربية من خارجها، مع وجود قبائل عربية تهوّدت.
والمعروف أن اليهود استقروا في مناطق عدة من الجزيرة العربية، كيثرب وفدك وخيبر ووادي القرى وتيماء، بالإضافة إلى اليمن وعُمان وساحل الخليج العربي، الذي كان يطلق عليه «البحرين» قديما، واشتهر من بينهم – كما ذكر الباحث – بعض الشخصيات في الجاهلية، كابن يامن التاجر الثري الذي سكن البحرين، وابن السموأل بن عاديا الأزدي، الشاعر الجاهلي الذي اشتهر بالوفاء، وقيل فيه « لا يوجد أوفى من السموأل».
وأشار الباحث، كما جاء في عرض مادة الكتاب، إلى أن وجود اليهود في منطقتي الجزيرة والخليج، لم ينته بعد الحروب التي قامت بينهم وبين المسلمين، وتم رفد ذلك لاحقا وتدريجيا بهجرات من يهود العراق وإيران للعمل في التجارة، كما في البحرين والساحل العُماني والكويت، وعمل بعضهم كوكلاء ماليين وإداريين للعثمانيين في الأحساء.
يشير الباحث إلى أن العام 1860 قد يكون الأرجح في ورود هجرات لليهود واستقرارهم في الكويت، حيث سكنوا في منطقة «الشرق» وازدهرت أعمالهم أثناء الحرب العالمية الأولى، وحتى بداية العقد الثالث من القرن العشرينبتشجيع من السلطات البريطانية. وقدر الباحث أن عددهم في الكويت، وصل إلى نحو (800) نسمة، ومن الأسر المشهورة من بينهم، ذكر الباحث أسرة صالح ساسون محلب، ويوسف الكويتي وهو تاجر معروف في زمانه، وأسرة يعقوب بن عزرا، وهو والد كل من صالح وداود، اللذين عملا في المجال الفني، وهاجرا إلى إسرائيل، حيث أطلق اسميهما على شارع فيها. أما في البحرين فقد اشتهرت عائلات يهودية، كعائلتي خضوري وروبين، إلى جانب عائلة النونو ذات الأصول العراقية، وبرز من بينها إبراهيم، حيث تم تعيينه في مجلس الشورى، وهدى النونو، التي تم تعيينها سفيرة للبحرين في واشنطن، في الفترة من 2008 إلى 2013، وعينت في مجلس الشورى البحريني أيضا.
من بين المهن التي مارسها اليهود في المنطقة، يشير الباحث إلى عملهم في بيع الأقمشة والملابس، وصياغة الذهب، كما عمل الأغنياء من بينهم بمهنة الاستيراد والتصدير وتجارة الذهب والعملات، وعملت قلة من بينهم بتجارة اللؤلؤ التي كانت رائجة في الخليج. وأنشأ بعضهم وكالات لاستيراد وبيع السيارات والأجهزة الكهربائية. أما مهنتي الإقراض بفائدة وصنع الخمور وبيعها، فهي من المهن التي كانت توتر علاقات بعضهم بالسكان المحليين، وأحيانا بالسلطات الحاكمة في الكويت، كما حصل في العام 1918 بحسب ما ذكر الباحث.
عوامل سياسية واجتماعية
نقل الكاتب عبدالله التميمي عن ما جاء في الكتاب «أن أفراد الأقلية اليهودية في منطقة الخليج العربي، اعتبروا رعايا أجانب لسلطات أجنبية حتى هجرتهم، ما عدا الأقلية اليهودية في البحرين». أضاف: «وربما هذا الاندماج الكبير للأقلية اليهودية في البحرين؛ هو أحد أسباب استمرار بعضهم في العيش هناك إلى اليوم».
وبسبب ـ ربما هذا الاندماج ـ، فإن الأقلية اليهودية في البحرين أصدرت بيانا إثر صدور قرار تقسيم فلسطين في العام 1947، أدانت هذا القرار وأعلنت رفضها له. وأكدت على عروبة فلسطين.
ويشير الباحث أيضا إلى أن الأغلبية من يهود المنطقة، لم تكن لها علاقة سياسية أو دينية بالحركة الصهيونية وإسرائيل. ما عدا قلة قليلة من بينهم، كما أنه ذكر بأن الأقلية اليهودية في الخليج لم تكن متدينة، وكانت تحتفظ بقدر معين من معالم الدين اليهودي، كأمور الدين والمقابر الخاصة وحضور الكنيس وعطلة السبت. أضاف: وقد كفل المجتمع المحلي وسلطته المحلية حرية ممارسة هذه الشعائر.
وأشار الباحث إلى أن «تدخل السلطتين المحلية والأجنبية لمصلحة الأقلية اليهودية – أحيانا – تسبب في توتير علاقتها بالسكان المحليين. وأحيانا بين السلطتين الأجنبية والمحلية». مع ذلك فإن الباحث ذكر بأن الأقلية اليهودية لم يكن لها أي تأثير أو مساهمة في الحياة السياسية، كونها أقلية ومن الرعايا الأجانب.
ينهي الباحث بحثه، بإيراد أسباب هجرة اليهود من المنطقة، فيذكر «بأن الأقلية اليهودية في منطقة الخليج، لم تتعرض للطرد، بل هاجرت طواعية، لأسباب غالبيتها اقتصادية واجتماعية وأمنية. وحصلت في فترات مختلفة، بعضها قبل ظهور الحركة الصهيونية وقيام دولة إسرائيل والتي لم تكن الخيار المفضل للهجرة» إلا أن الباحث أشار إلى بعض حالات الطرد لأفراد من الأقلية اليهودية في الكويت، إضافة إلى منع اليهود من دخول الكويت والبحرين، في فترة تصاعد وتيرة الصراع العربي الإسرائيلي. وأشار إلى أن الطبقة الفقيرة هي التي هاجرت إلى إسرائيل، في حين أن الأغنياء من تلك الأقلية فضلت الهجرة إلى أوروبا والولايات المتحدة. وكان من الأسباب الأساسية للهجرة اليهودية من بلدان الخليج «تفجر الصراع العربي ـ الإسرائيلي» ما أدى إلى تدهور العلاقة بين الأقلية اليهودية والسكان المحليين، خصوصا وأن الصحافة وبعض المجموعات السياسية، والممارسات الصهيونية تجاه الفلسطينيين والعرب الآخرين، أدت إلى تأجيج التحريض المستمر على كل ما يمت إلى الصهيونية بصلة.
سليمان الشّيخ
٭كاتب فلسطيني