تصبب نتنياهو عرقا كما أراد رجال حزب البيت اليهودي مثل عندما دفعوه مثل قط تم حشره في زاوية ، كانت تلك اللحظة الأصعب في تاريخ حكوماته الأخيرة حين وجد نفسه حيث لم يكن يتوقع ، فقد كانت قد تبقت ساعات على مصيره الذي أصبح في يد نفتالي بينيت ، كان بإمكان بينيت إرساله إلى البيت بلا رجعة والقضاء على مستقبله السياسي أو الاستجابة للشروط التي رفع سقفها في الساعات الأخيرة فاختار نتنياهو الرضوخ المذل .
كانت الإهانة كبيرة فلم يطالب بينيت بوزارة القضاء فقط ، وهي وزارة هامة ومن يشعلها يصبح عضوا تلقائيا في المجلس الوزاري المصغر ( الكابينيت ) ،بل حدد له من سيديرها وهي العضو الأكثر تطرفا في هذا الحزب لكن ليس لهذا لم يكن نتنياهو يريدها بل لأن زوجته سارة المرأة الحديدية صاحبة التأثير والنفوذ على الدولة ورئيس وزرائها تكره أييليت شاكيد بشدة وقامت بطردها من مكتب زوجها الذي تغار عليه ،فقد قال ذات مرة المحامي الداد يانيف الذي عمل إلى جانب نتنياهو أنهم يضعون اسم عضو كنيست وهمي في جدول اللقاءات اليومي لرئيس الحكومة بديلا عن اسم ليمور ليفنات لأن سارة لا ترغب باجتماعات منفردة بين ليفنات وزوجها .
الكثير ممكن أن يقال عن نساء بلاط الحكم في إسرائيل ودور سارة في السياسة لكن ليس هذا هو الأهم ، ما حصل أن رئيس الوزراء الذي ظهر مثل طاووس لحظة إعلان نتائج الانتخابات بدا في اليوم الأخير للموعد كأن بينيت نتف كل ريشه وعاد من المعركة مضروبا مهانا ممن اعتبره الشريك الأول الذي تعهد أثناء الحملة بأن المكالمة الأولى بعد الانتخابات ستكون معه صحيح أنه أجراها معه لكنها كانت الأولى والأخيرة وقد دفع ثمن هذا الغرور فقد أدار فريق البيت اليهودي معركة مفاوضات الائتلاف باحتراف مستغلا اللحظة الأمر الذي جعل الصحافي « بن كاسبيت» الذي يكره نتنياهو يكتب قائلا « بقي أن يطلب الفلسطينيون وفد نتنياهو للتفاوض ليقدم كل التنازلات المطلوبة « .
الأمر ليس كذلك بل لأن الخيارات التي وضعها نتنياهو لنفسه منذ أعلن قراره بعدم التحالف مع المعسكر الصهيوني جعلت كل « الشركاء الخصوم « في موقع الأقوى وجعلته في موقع المتسول للتحالف ، فقد أدرك كل حزب أن مستقبل نتنياهو في قبضته فانهالوا عليه وعصروه مثل ليمونة ، لقد مورست في إسرائيل على مدار مفاوضات الائتلاف أكبر علمية ابتزاز سياسي مكشوفة قالت عنها الصحافية سيما كدمون : لسنوات أخرى سيتحدثون عنا وقع الآن على مدى ستة أسابيع وكيف حصل أن انتصارا ساحقا في الانتخابات تحول إلى مهزلة لم يشهد لها مثيل .
إذا حكم نتنياهو لعشرة أشهر أخرى سيحطم الرقم القياسي لأطول رئيس وزراء في إسرائيل الذي يحتكره حتى الاّن مؤسس الدولة ديفيد بن غوريون بعد عشرة أشهر سيكون ملك إسرائيل ، لكنه سيكون رئيس الوزراء الأضعف في تاريخ الدولة فما حصل مع البيت اليهودي هو بروفة لما سيراه كل يوم في الحكومة. فقد حرص رؤساء الوزراء على أن يضعوا حزبا زائدا في حكوماتهم فقد تشكلت الحكومة من الحد الأدنى نصف الكنيست زائد واحد هذا يعني أن أي عضو كنيست وليس فقط أي حزب بإمكانه أن يذل نتنياهو كما يشاء .
لقد بدأت حملة التنكيل بنتنياهو قبل أن يدخل الحكومة ف «أيوب قرا» العضو العربي الدرزي والرجل الأضعف في النظام السياسي الإسرائيلي وحزب الليكود يستقوي على نتنياهو ملحوحا بقدرته على الإطاحة بهذا الأخير في سابقة هي الأولى في تاريخ الدولة إذا لم يعينه وزيرا ، وهنا لا يحتاجج قرا إلى تحالفات أو مؤامرات بل يهدد فقط بالجلوس في بيته يوم التصويت على الحكومة .
المخرج المؤقت لنتنياهو الذي اكتشف أن شركاؤه امتصوه حتى النخاع ولم يبق ما يقدمه لحزبه هو إلغاء القانون الذي يحدد عدد الوزراء بثمانية عشر ليكسب وزيرين جدد وتوسيع نواب الوزراء إلى أكثر من أربعة بهدف توسيع دائرة الرشوة داخل حزبه، فهو بحاجه الى كل فرد فيهم ،لقد وقع وكثرت السكاكين خفلة ابتزاز مدهشة لم يرحمه فيها حتى أعضاء حزبه، والحسابات تتعقد أكثر وبسبب الخوف من مصير يتوقف على غضب عضو كنيست واحد حتى من الليكود نفسه عاد مرة أخرى لاستجداء أفيغدور ليبرمان حيث تقول التسريبات أنه يعرض عليه وزارة الدفاع وهو ما رفضه نتنياهو منذ البداية لسببين أن قوة ليبرمان لم تعد تؤهله لوزارة دسمة ، والثاني أن ليبرمان لا يملك فيتو لإسقاطه لأن الانتخابات أعطته ستة مقاعد ويستطيع عبور التشكيل بدونه لكن الآن الحكومة تتشكل عند خط الفقر البرلماني أصبح ليبرمان مطلوبا جدا لإعطاء شبكة أمان .
وصل نتنياهو إلى نهاية السباق لاهثا .. فقد خارت قواه كان فوزه بطعم الهزيمة لا يعرف من أين يتلقى الضربات ، من زوجته أم من شركائه أم من أعضاء حزبه أم المعارضة وهذا إذا تجاهلنا الخارج،الرئيس الأميركي وزعماء أوروبا والفلسطينيون وغيرهم ،.. لكن الأهم في أنه عندما تحدى الجميع ليتمكن من الاستمرار بالحكم ، وأن يضمن حكما مستقرا قويا تحدى الجميع ليصبح ملك إسرائيل وإذ به يتحول إلى كيس الملاكمة في إسرائيل .. يدخل الحكم كبطة عرجاء من اليوم الأول يرأس حكومة تسودها الكراهية وعض الأصابع كل عضو فيها لديه مطرقة ثقيلة يضرب بها على رأسه ..
هذا الحال لن يستقيم ومشكوك أن يقبل نتنياهو بذلك ، فالإهانة التي وجهها تفتالي بينيت في الساعات الأخيرة والتي أطاحت بكرامة الليكود أحدثت ثورة في هذا الحزب الذي توعد رجالة بالانتقام فقد ابتلعوها بسبب ضغط الوقت .. وما أن أعلن عن الاستجابة بتعيين شاكيد للقضاء حتى أعلنوا أن الانتقام من بينيت قادم وأن الليكود لن يصفح ولن يمرر ، تهامسوا بالإسراع بالبدء بمفاوضات ائتلافية مع المعسكر الصهيوني لتلقين البيت اليهودي الدرس أو حتى التفاوض مع «يوجد مستقبل» .
لكن الأمور ليست بتلك البساطة فقد سارع إسحق هرتسوغ على القناة العاشرة لرفض الائتلاف مع الليكود داعيا لإسقاط الحكومة لأن بإمكانه أن يشكل أفضل منها وبهذا قطع الطريق على الليكود، أما الاتفاقات الائتلافية مع المتدينيين فتمنع قطعيا يائير لبيد الذي يسير على خطى والده تومي لبيد في كراهية الجماعات الدينية من أن يكون في هذه الحكومة ومن الصعب تصور دخوله قبل طرد شاس ويهدوت هتواره والغاء الاتفاقيات معها .
هذا هو وضع نتنياهو ملك إسرائيل في قفص غابة السياسة الإسرائيلية التي لا ترحم ، لشدة إحباطه يبلغ الرئيس الإسرائيلي بنجاحه بتشكيل الحكومة من خلال رسالة إلكترونية ،هذا الذي كان مزهوا قبل أسابيع يدخل عتبة حكومته الرابعة جريحا من كثرة الطعنات التي تلقاها ،عليه ألا يرفع صوته على أحد أو يرفع عينه في وجه أحد حتى يبقى على قيد الحياة السياسية ليس مهم شكل البقاء إن كان سابحا على بطنه أو مشلولا لا يقوى على الحراك إلى أن تحين ساعته ..!