إنه أبسط وصفٍ يمكن أن نطلقه على الحكومة الإسرائيلية الجديدة، التي شكلها بنيامين نتنياهو للمرة الرابعة في حياته السياسية، في اللحظات الأخيرة من المهلة القانونية الممنوحة له، وحتى لا يتجاوز الوقت القانوني، ولا يتأخر في الإعلان عن تشكيل حكومته التي كانت ولادتها متعسرة، فقد أبلغ رئيس كيانه رؤوفين ريفلين عن تشكيلة حكومته عبر البريد الاليكتروني، بعد أن استنفذ المدة الممنوحة له حتى دقائقها الأخيرة.
وقد علم خصومه وشركاؤه بوضعه الحرج، وبأن فرصته في تشكيل الحكومة تتضاءل مع مرور الوقت، فاستغلوا ضائقته، وانتهزوا حاجته إليهم، فابتزوه أكثر، وساوموه على ما يريدون ويطمحون إليه، وهم يعلمون أنه سيوافقهم على طرحهم، وسيجيبهم إلى طلبهم، وإلا فإن عليه أن يقبل بما ينص عليه قانونهم، القاضي بسحب التكليف منه، وتفويض رئيس الحزب الثاني الفائز بتشكيل الحكومة، وهو ما يخشى حدوثه.
لا شك أن نتنياهو واجه صعوباتٍ جمة في تشكيل حكومته، وأن مهمته لم تكن عليه سهلة، وقد خضع لابتزاز الأصدقاء وضغط الحلفاء، لكنه في النهاية جاء بحكومةٍ تشابهه ولا تختلف عنه، وتتفق معه ولا تعارضه، وتحمل ذات الأفكار المتطرفة والبرامج المتشددة، ولها نفس الخط السياسي العام، الذي يقوم على أسسٍ واضحةٍ، وثوابت صريحة، لا يهمهم أن يتهموا بها، ولا يعنيهم اعتراض دول العالم عليهم بشأنها.
إذ لا دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة إلى جانب كيانهم، ولا تقسيم للقدس ولا تفاوض عليها، ولا وقف للاستيطان ولا تراجع عن برامج دعمه، ولا تأخير في موازنات توسيع المستوطنات وتطويرها وزيادة مساحتها، ولا لعودة اللاجئين الفلسطينيين إلى بلداتهم، ونعم لدولةٍ يهوديةٍ نقيةٍ خاليةٍ من السكان العرب، ولا لمفاوضاتٍ مشروطة، ولا استجابة إلى الضغوط الدولية، ولا قبول بالعودة إليها إلا في ظل وجود شريكٍ فلسطيني جادٍ، قويٍ وقادر على احترام الاتفاقيات والالتزام بها، ويستطيع إرغام قوى المعارضة على القبول بها، والتخلي عن أسلحتهم، ووقف مقاومتهم، والاعتراف بكيانهم، ويرفض التحالف معهم ما لم يلقوا أسلحتهم، ويعترفوا بدولة الكيان الصهيوني.
فضلاً عن سياساتٍ داخلية تتعلق بالرفاهية والتأمين الصحي، ونفقات التعليم ودعم صندوق الضمان، وحقوق طلاب التعليم الديني وغيرها من الالتزامات التي ستكلف حكومته الكثير، وسترهق ميزانيتها بما لا تستطيع، إلى جانب تعهدها بالتفوق، وصد أي عدوان، ومواجهة المشروع النووي الإيراني، وأي محاولاتٍ عربية أخرى تصنف معادية، وتسعى لامتلاك وسائل قوى وأسلحة دمار شامل تخل بمعادلة التفوق القائمة.
تلك هي الثوابت التي جمع عليها نتنياهو فريقه، والأساس التي شكل بموجبها حكومته، فجاءت الوجوه والشخصيات الوزارية تحمل هذه الثوابت وتصر عليها، ما جعل حكومته تبدو وكأنها الأشد تطرفاً والأكثر يمينية في تاريخ الكيان الصهيوني، رغم أنها لا تختلف في شئٍ عن سابقاتها سوى في الأسماء والوجوه، والشكل والجنس، إذ عادت الأحزاب نفسها، وأطلت الأفاعي التي نعرفها جيداً برؤوسها القديمة ولكن بأذيال جديدة، اعتادت على تغييرها واستبدالها كلما قطع ذيلها بالاستقالة والتقاعد، أو بالفضيحة والمحاكمة، أو بالموت والقتل والغياب.
إنها حكومةٌ إسرائيلية عادية كغيرها من الحكومات التي سبقت، فإن كان فيها نفتالي تينت فقد كان قبله روفائيل إيتان، وإن سمي فيها أفيغودور ليبرمان، فقد كان حاضراً في كل الحكومات السابقة، وقد عاد موشيه يعلون يتبختر من جديد، أما الجميلة إيليت شاؤول شاكيد وزيرة العدل وخليفة تسيفني ليفني، فهي ليست إلا سالومي إسرائيلية جديدة، جاءت لتذبح وتقتل، وتقطع الرؤوس وتمثل في الأجساد، وقد تعلمت من الحاخام عوفاديا يوسف، فأطلقت على الفلسطينيين والعرب اسم "الأفاعي"، ودعت إلى قتل أمهات المقاومين الفلسطينيين، عقاباً لهن على تربيتهن لأفاعي صغيرة، كما سبقت رحبام زئيفي في مواقفه، فدعت وهي نائب في الكنيست الإسرائيلي إلى ترانسفير جماعي لكل الفلسطينيين من "أرض إسرائيل".
لم تكن حكومة نتنياهو بشكلها الجديد مفاجئة لأحدٍ، فهو رأس التطرف، وقرن شيطان العنصرية، وقائد فريق الإرهاب، ومحور التشدد الذي تدور حوله القوى والأحزاب، وتتعلم منه وتستظل به، فقد سبق غيره في مواقفه، وتميز بها ليبقى عند شعبه ومؤيديه أنه القائد الشجاع، الأكثر محافظةً على الحقوق اليهودية، والمتمسك بالمورثات الدينية والقومية لشعبه، وليس في تاريخه ما يشير إلى غير ذلك، إذ لم يكن يوماً حمائمياً ولا ينتمي إلى معسكرهم، كما لم يؤمن يوماً بالسلام مع الفلسطينيين، ولم يعترف بحقهم، ولم يتوقف عن قتلهم، ولا عن مصادرة أرضهم وانتهاك حقوقهم ومقدساتهم، وما زال ماضياً على ذات السياسة، وهي التي أعلنها في برنامجه الانتخابي، والتي على أساسها فاز هو وحزبه، ونال أعلى الأصوات بالمقارنة مع بقية الأحزاب.
لا يتوقع العالم من الفلسطينيين أن يرفعوا أصواتهم بالشكوى ضد هذه الحكومة الإسرائيلية الجديدة، إذ كما لم ينتظروا من غيرها سمناً وعسلاً، ولم يذوقوا على أيدي السابقين منها المن والسلوى، ولم يجدوا منها جميعاً سوى القتل والطرد، والمصادرة والحرمان، والتدمير والحروب، فإن هذه الحكومة ستكون امتداداً لسابقاتها، ووصلاً لما لم ينقطع من ماضيها، وستستكمل المخططات القديمة، وستأتي بأخرى جديدة، تنفذ ما تستطيع منها، وتورث من سيأتي بعدها مسؤولية إتمام المخططات، بما ينفِ عنها صفة الغرابة، وبما لا يجعلها استثناءً، فهي ليست أكثر من نسخة متطورة وأكثر وضوحاً وربما تشدداً من سابقاتها.
ولكن على العالم المسمى حراً، والذي يدعي التطور والحداثة، ويدعو إلى الحرية والديمقراطية، أن يحكم على هذا الكيان وحكومته من خلال سياساته وتصريحاته، وأفعاله وأقواله، فهم أهل التطرف وصناع الإرهاب، الذين يرتكبون الجرائم الدولية، وينتهكون الحقوق الإنسانية، التي يدعي العالم أنه يحرص عليها، ويرفض ويدين أي اعتداءٍ عليها، فماذا سيكون موقفه إزاء شعبٍ يقتله إرهاب دولة، وعدوان احتلال، فهل سيستقبلهم ويفتح لهم الأبواب الموصدة، ويُسيِّلُ لهم الأموال المجمدة، ويُسَيِّرُ إليهم المساعدات والمعونات المؤجلة.
أم أن العالم سيكون كعادته أعمى لا يرى السياسات الإسرائيلية، ولا يشاهد على الأرض آثار عدوانها ونتائج حروبها على السكان وبيوتهم، واقتصادهم ومصالحهم، وأصماً لا يسمع الشكاوى ضدهم، فلا يقبل ادانتهم، ولا يوافق على استنكار أفعالهم، ولا يدعوهم إلى الكف عنها، بل سيصغي السمع إليهم، وسيستجيب إلى طلباتهم، وسيحقق رغباتهم، وسيمكنهم مما يريدون، من خلال برامج الدعم وسياسات الحماية والمساندة والتمكين، وهي كثيرة ومتواصلة، تنالها كل الحكومات، ويحصل عليها كل رؤساء الحكومات الإسرائيلية، أياً كانت برامجهم، وبغض النظر عن القوى والأحزاب المشكلة لائتلافهم.
بقلم د. مصطفى يوسف اللداوي
بيروت في 10/5/2015
https://www.facebook.com/moustafa.elleddawi
[email protected]