مرت أكثر من عشرين عاماً، ومازلنا نسمع بمفاوضات الحل النهائي التي يتغنى بها رجالات السلطة وعباس، ومازالت سيمفونيتها تتردد على ألسنتهم التي ملّها الشعب الفلسطيني.
لم تستطع السلطة على الصعيد السياسي أن تحقق سوى صفر كبير، فالمستوطنات تتمدد في الضفة ، ومعالم الدولة الفلسطينية مازالت معدومة، ولا أفق سياسية تلوح حتى سراباتها في وسط أحلام بالتعنت الاسرائيلي والمراوغة الباردة لن تتحقق .
عمليا تعلم السلطة بأن الاحتلال لن يستجيب لأي انسحاب او فك ارتباط من الضفة التي تشكل جبالها تهديد رئيسي للمناطق المحتلة.
السلطة تعلم جيدا ذلك، ولكنها ترى بأن أضعف الإيمان الاستمرارية وتحمل مراوغات الاحتلال على حلها، نعم عباس وقيادة فتح تخشى حل السلطة بل وتهابها، وتصريحاتهم العكسية في هذا القبيل ليس الا من باب المناورة والتهديد الذي لا يفلح مع الاحتلال.
إن حل السلطة يعني اندلاع انتفاضة فلسطينية جديدة، وانتقال تجربة المقاومة في غزة للضفة، وقد يتنفس المقاومون الصعداء من خنق السلطة لهم وملاحقتهم، وهذا يعني أن أمام اسرائيل خيار احتلال الضفة بالكامل وتصبح تحت سلطة الاحتلال مباشرة وهذا ما لا يريده في ظل وجود دور وظيفي بالوكالة للأجهزة الأمنية هناك.
إذن نحن عمليا أمام علاقة طردية ما بين ابقاء السلطة على حالها مع ضخ الأموال والسلاح للسلطة مقابل أن تقوم السلطة بدورها اللاوطني من اعتقال وملاحقة عناصر فصائل المقاومة، وهذا يعني أننا أمام مصالح مشتركة فيها نوع من المتاجرة على حساب الوطن المحتل.
لذلك يسعى الاحتلال بل والإقليم معه على ابقاء هذا التوصيف للسلطة على حاله، ولعل التفكير بالبحث عن بدائل عباس الثمانيني في حال موته أصبح شغلهم الشاغل فهم بحاجة لشخصية تأتي بعد عباس يحافظ على هذا المنوال القاتل للقضية الفلسطينية، ولن يجدوا أفضل من عدة شخصيات محورية كـ "ماجد فرج" رئيس جهاز المخابرات العامة الفلسطينية الرجل الأمني الأقوى الآن في الضفة ، وله بصمة أمنية مؤثرة تشمل جميع هياكل السلطة والمنظمة .
ولكن يبقى خياره مطروح مالم يتمكن الإقليم من درء الصدأ ما بين عباس ودحلان الذي يعتبر شخصية أمنية إقليمية قوية وله ايضاً رجالاته الكبار في حركة فتح وهياكلها التي انشطرت لشطرين دحلاني وعباسي.
إلا أنه أيضا إن تحدثنا عن خيارات أن يكون دحلان هو البديل في المرحلة الحالية فيبقى الأمر صعب جداً، وقد يسعى دحلان لكي يستطيع التسلط على السلطة بمكوناتها أن يزج بإحدى رجاله الأقوياء ليحل محل عباس، ويبقى الرجل الأب الروحي لتلك السلطة والمنظومة.
ولعل إحدى هذه الخيارات المطروحة لدى دحلان تتبلوران في شخصيتين؛ الأولى ذات القوة المالية والاقتصادية سلام فياض رئيس الوزراء السابق، والثانية الشخصية الإعلامية الضفاوية التي لا يمكن إغفالها ياسر عبد ربه أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، الذي له علاقة وثيقة وحميمة مع الإماراتيين، ويحافظ على علاقته المتأرجحة ما بين دحلان وعباس، وقد كشف ماهر شلبي المذيع في تلفزيون فلسطين عن لقاء سري جمع بين دحلان وياسر عبد ربه وكيري وزير الخارجية الأمريكي قبل عدة أشهر والتي أكدها شلبي ونفاها عبد ربه .
ومع تصاعد أسهم وتيرة الأعمال المقاومة غير المنظمة أطلقت اسرائيل تحذيراتها وخشيتها من اندلاع انتفاضة فلسطينية ثالثة، فسارعت الأجهزة الأمنية للتعامل مع الحالة الضفاوية بتشديد الملاحقة الأمنية لعناصر حماس والجهاد الاسلامي، ومصادرة أي أموال تضخ لهذين التنظيمين في سبيل كبح اي بداية نهضوية أو ثورية في الضفة المحتلة.
وخاصة في ظل ترهل السلطة وبروز الصراعات الداخلية الفتحاوية في الضفة والتي قد تظهر فتح ثالثة تتبع لمروان البرغوثي المسجون منذ عام ٢٠٠٢ على خلفية دعمه للمقاومة في معركة السور الواقي.
الملاحظ في الضفة بأن متسلطو الأجهزة الأمنية هم من يسيطرون على هياكل ومكونات السلطة هناك والتي نجحت في فكفكة كتائب شهداء الأقصى بالتعاون مع الاحتلال الاسرائيلي.
في الختام فإن الرادع الوحيد لتملق وتسلط أجهزة أمن عباس هي اشتعال الانتفاضة بشكل جدي هناك، ولعل مؤشرات انطلاقتها تتصاعد وسط عمليات الطعن والدهس التي يقودها الشباب الفلسطيني هناك ، فنحن أمام حالة شبابية واعدة قد نرى نورها في السنوات القادمة وترهل سلطوي تكهل وتصدع جلده، لنشهد ثورة الشباب على كهول السياسة في الضفة .
بقلم/ عماد أبو الروس