عن أية انتخابات يتحدثون؟

بقلم: هاني المصري

عادت مسألة إجراء الانتخابات إلى الصدارة بعد طلب الرئيس أبو ومازن موافقة خطية من «حماس» على إجراء الانتخابات، ليقوم بعد ذلك بدعوة المجلس التشريعي إلى الانعقاد وإقرار قانون الانتخابات وإصدار مرسوم لإجرائها من دون الالتزام بموعد محدد.

«حماس» لم توافق على توقيع ورقة، إلا أنها جددت موافقتها على إجراء الانتخابات، ومع ذلك لم يحدث شيء لأنه بين «كاني وماني» ضاعت الانتخابات.
لم يصدق الكثيرون أن الطرفين يريدان إجراء الانتخابات، لأنها «لو بدها تشتي غيّمت»، بدليل أن الرئيس يتذرع بموافقة «حماس» الخطية بالرغم من أنه ليس بحاجتها، كونه مسلحًا باتفاق القاهرة الذي ينص على إجراء الانتخابات، وبـ «إعلان الدوحة» و»بيان الشاطئ» اللذين أكدا إجراءها، إضافة إلى تسلحه بالقانون الأساسي الذي يتضمن أن من صلاحيات الرئيس إصدار مراسيم بإجراء الانتخابات عندما تنتهي الولاية القانونية للرئيس وللمجلس التشريعي، وهي انتهت فعليًا في العام 2009 بالنسبة للرئيس وفي العام 2010 بالنسبة للمجلس التشريعي.  كما أن «حماس» بمقدورها توقيع الورقة المطلوبة وسحب الذريعة، ولكنها تريد إجراء الانتخابات ضمن صفقة شاملة تتضمن تطبيق كل بنود اتفاق المصالحة وليس التعامل الانتقائي معه.
كان الخلاف على موعد إجراء الانتخابات أبرز الأسباب الظاهرية التي حالت دون تطبيق «اتفاق القاهرة»، إذ أصر الرئيس على إجراء الانتخابات كوسيلة تكاد أن تكون وحيدة لحسم الخلاف وإنهاء الانقسام، على أساس أن نتائج الانتخابات ستحدد الطرف الذي سيحظى بالأغلبية، ومن حقه أن يحكم ببرنامجه، على أن يلتزم الطرف الآخر بحكم الأغلبية، رغم أن فلسطين واقعة تحت الاستعمار الاستيطاني الاحتلالي ولا يتناسب معها الاحتكام إلى مبدأ الأغلبية والأقلية، بل يتطلب الأمر تشكيل جبهة وطنية عريضة تستند إلى القواسم المشتركة والكفاح ضد العدو المشترك.
كما تأجل تطبيق «إعلان الدوحة» بسبب إصرار الرئيس على إجراء الانتخابات بعد ثلاثة أشهر على تشكيل الحكومة، بينما رأت «حماس» أن هذه المدة غير كافية لتهيئة الأجواء المناسبة لإجراء الانتخابات وتطبيق بقية بنود «اتفاق القاهرة». وعندما تم توقيع «بيان الشاطئ» تبين أن لا أحد أصر على إجراء الانتخابات بسرعة، لدرجة أنه نصّ على إجراء الانتخابات بعد ستة أشهر على تشكيلة حكومة الوفاق من دون تحديد الحد الأقصى، ونحن الآن بعد أكثر من عام على توقيعه من دون تحديد موعد لإجراء الانتخابات.
تأسيسًا على ما سبق، إن الحديث بين الفترة والأخرى عن إجراء الانتخابات ليس سوى مناورات تستهدف خداع الرأي العام وإقناعه بأن الطرف الآخر هو الذي يعارض إجراءها، فالرئيس و»فتح» و»حماس» لا يريدون إجراء الانتخابات من دون ضمان نتائجها والحصول على ضوء أخضر أميركي ودولي وعربي وإسرائيلي (وهذا هو الأهم).
أبو مازن لن يذهب إلى انتخابات قبل أن يعرف وظيفتها و»مصير عملية السلام»، وهل يمكن أن تستأنف المفاوضات أم لا وعلى أية شاكلة وبأي مرجعية؟، لأن إجراء الانتخابات في ظل توقف المفاوضات وأن عملية «التسوية» في العناية المشددة، ومن دون بلورة طريق جديد بديل عن «اتفاق أوسلو» سيجعل فرص الرئيس وحركة فتح بالفوز غير مضمونة.
كما أن الرئيس لن يذهب إلى انتخابات من دون أن يستكمل «ترتيب» البيت الفتحاوي فيما يتعلق بعقد المؤتمر السابع وحسم مسألة دحلان وأنصاره  ، والتوصل إلى صيغة فيما يتعلق بمرشح الحركة للرئاسة، لا سيما في ظل إعلان الرئيس مرارًا وتكرارًا أنه لن يترشح لولاية أخرى، فإذا ترشح يبدو كمن أخل بوعده، لذلك يفضل استمرار الوضع الحالي في ظل أن كل السلطات بيده.
وهنا تبرز مسألة من سيكون مرشح «فتح» في ظل تزاحم المرشحين إذا لم يترشح أبو مازن، ومسألة إصرار الأسير مروان البرغوثي على الترشح في أي انتخابات رئاسية قادمة إذا جرت وهو خلف القبضان، لأنه المرشح الأوفر حظًا كما تشير الاستطلاعات حتى في حال ترشح أبو مازن، ولأن مسألة فوزه يمكن أن تكون الفرصة الأخيرة لإطلاق سراحه على أمل أن يؤدي فوزه إلى ضغط دولي على إسرائيل لإطلاق سراح الرئيس الفلسطيني المعتقل.
أما بالنسبة لحماس، فهي تخشى من إجراء الانتخابات في ظل استمرار حصار قطاع غزة، وأزمة رواتب الموظفين، وعدم تقدم إعادة الإعمار، وتخييم شبح عدوان إسرائيلي جديد على القطاع، وبعد سقوط حكم محمد مرسي والعداء بين جماعة الإخوان المسلمين والنظام الحاكم في مصر. كما أنها تخشى من الخسارة أو الفوز بنسبة أقل من النسبة التي حصلت عليها في الانتخابات السابقة، مع العلم بأنه مطلوب منها أن تخسر في كل الأحوال، لأنها لن تمكن من الحكم إذا فازت، خصوصًا في الضفة الغربية لنفس الأسباب السابقة والمتعلقة برفض إسرائيل وشروط اللجنة الرباعية الدولية، وعداء النظام المصري لها، لذلك تفضل «حماس» بقاء الوضع على ما هو عليه لجهة سيطرتها على قطاع غزة، مراهنة على حدوث تطورات فلسطينية وعربية وإقليمية ودولية وإسرائيلية.
إن مسألة الانتخابات تطرح أسئلة عديدة وكبيرة، منها: هل ستجري الانتخابات في الضفة الغربية وقطاع غزة؟ وهل ستجري على نفس الأسس التي حكمت الانتخابات السابقة، خصوصًا التزامات وقيود «اتفاق أوسلو» بعد أن تجاوزته إسرائيل والتزاماته كليًا، أم ستكون على أساس ما بعد الاعتراف الدولي بالدولة الفلسطينية بمشاركة الشعب الفلسطيني في التجمعات التي يمكن أن يشارك فيها، وعلى أساس شق طريق جديد قادر على إنقاذ القضية والشعب والأرض؟
هل ستقبل إسرائيل بإجراء انتخابات دولة أو أي انتخابات توحد الفلسطينيين؟ لا طبعًا، ومن المشكوك كذلك موافقتها على انتخابات لسلطة الحكم الذاتي بعد أن جردتها من السلطة، وبعد تشكيل أسوأ حكومة منذ تأسيس إسرائيل، التي لن توافق على الانتخابات إلا مقابل ثمن باهظ. فهي سترفض إجراءها في القدس «العاصمة الأبدية الموحدة لإسرائيل»، ويمكن أن ترفض مشاركة أي كتلة لا تلتزم بسلطة الحكم الذاتي المحدود القائمة، والملتزمة بالاعتراف بإسرائيل وبالتنسيق الأمني والتبعية الاقتصادية ونبذ العنف.
وإذا وافقت إسرائيل على إجراء الانتخابات فهذا يعني أنها ستحقق من خلالها فوائد ضخمة من ضمنها ضمان تكريس الانقسام وتحويله إلى انفصال دائم. فالاحتلال ليس عاملًا خارجيًا، بل هو عامل رئيسي يستطيع أن يتدخل في عقد الانتخابات من عدمه وفي مختلف مراحلها، بما في ذلك مصادرة نتائجها إذا لم تناسبه كما حصل بعد فوز «حماس» واعتقال عشرات النواب وبعض الوزراء.
الأصل في الأمور أن مصدر الشرعية في أي بلد واقع تحت الاحتلال من بلد  يجسد مشروعًا استعماريًا استيطانيًا عنصريًا إحلاليًا لا يأتي من صناديق الاقتراع، وإنما من المقاومة المتمسكة بالأهداف والحقوق التي تسعى للمصلحة الوطنية، وتستند إلى وفاق وطني.
إن بدعة إجراء الانتخابات تحت الاحتلال التي ترتبت على «اتفاق أوسلو» كانت تستند إلى أن الانتخابات ستجري لمرة واحدة، وستساعد على الوصول إلى اتفاق نهائي ينهي الاحتلال ويقيم الدولة الفلسطينية خلال خمسة أعوام. وعقدت انتخابات العام 1996 التي الشرعية للسلطة المنبثقة عن «اتفاق أوسلو»، ومضت الأعوام الخمسة وتعمق الاحتلال بدلًا من إنهائه. كما عقدت انتخابات العامين 2005 و2006 لتجديد شرعية السلطة التي تآكلت، ولضم «حماس» والقوى التي قاطعت الانتخابات الأولى لكي تصبح جميعًا تحت سقف أوسلو؛ فجاءت نتائج الانتخابات مخالفة للتوقعات وحدث ما حدث.
بدلا من إعادة إنتاج نفس الأخطاء والذهاب إلى انتخابات تعطي الشرعية للاحتلال مرة أخرى، وتظهره على غير حقيقته، وتعطيه فرصة ذهبية لمحاولة تصفية القضية الفلسطينية؛ لا بد من استخلاص الدروس والعبر، فالانتخابات شكل من أشكال تجسيد الحرية والسيادة ولا حرية ولا سيادة تحت الاحتلال.
أي انتخابات في ظل تعمق الانقسام عموديًا وأفقيًا، وانعدام الأفق السياسي وفتح أبواب المواجهة مع الاحتلال، ومن دون توافق وطني ومع حملات التحريض والاعتقالات والاستدعاءات المتبادلة، ووجود أجهزة أمنية فصائلية تابعة للأطراف المتنازعة ولا تدين بالولاء للمصلحة الوطنية العامة؛ يعني أنها ستكون قفزة في المجهول، فلا يمكن أن تكون الانتخابات في هذه الأجواء حرة ونزيهة وتعبر عن إرادة الشعب، ومن المحتمل جدًا ألا يعترف بنتائجها الطرف الخاسر وأن تتعرض إلى التزوير.
إن من يريد حقًا إجراء انتخابات عامة عليه توفير الأجواء المناسبة لإجرائها، مثل ضمان فصل واستقلال السلطات الثلاث لتحقيق الرقابة والمساءلة والمحاسبة، وقيام الحكومة والمؤسسات بدورها في السلطة والمنظمة، وإذا تعذر تفعيل مؤسسات السلطة يمكن أن يعوض ذلك انتظام عمل مؤسسات المنظمة. كما عليه ضمان حرية الإعلام وحقوق الإنسان وحرياته الأساسية، وانتظام إجراء الانتخابات المحلية والقطاعية على مختلف المستويات والأصعدة.
لا أهمية للانتخابات العامة إذا لم تأت عشية أو غداة دحر الاحتلال، وما لم تكن في سياق إعادة تعريف المشروع الوطني، وإحياء القضية الفلسطينية وتوحيد الشعب في جميع أماكن تواجده، وتجديد الحركة الوطنية بصورة جذرية، وإعادة بناء مؤسسات منظمة التحرير لتضم مختلف ألوان الطيف السياسي والاجتماعي.

هاني المصري
12 أيار 2015

[email protected]