شكَل العام 1948 منعطفاً بارزاً وخطيراً في تاريخ الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة. فقد شهد ذلك العام انهيار المقومات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية للفئات الاجتماعية كافة.
وكان لمأساة اقتلاع الشعب الفلسطيني من أرضه, وتدمير مدنه وقراه ومصادر أراضي, ونهب ثرواته, وتحويله إلى مجموعات من اللاجئين المشتتين, وإنشاء إسرائيل على أنقاضها, الأثر الكبير في رسم معالم وتطورات الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي , والعربي – الإسرائيلي.
وعلى الرغم من أن النكبة, التي حلت بالشعب الفلسطيني هي وليدة الهزيمة العربية على أرض فلسطين في العام 1948 إلا أن مسبباتها سبقت هذا التاريخ بعشرات السنين, فهي تعود إلى أواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين وازدياد الهجرات اليهودية الاستيطانية إلى فلسطين, وإبرام اتفاقية " سايكس بيكو " بين بريطانيا وفرنسا في العام 1916, وتقسيم الدول العربية فيما بينهما, ووعد بلفور المشؤوم في العام 1917.
ويعد قرار التقسيم 181 الذي صدر عام 1947 هو بداية النكبة للشعب الفلسطيني, فالأرض الفلسطينية تقسم إلى دولتين بدون وجه حق ورغماً عن أصحابها الأصليين وملاك الأرض الشرعيين, حيث صادقت الجمعية العامة على هذا القرار والذي قضى بتقسيم فلسطين إلى دولتين يهودية وعربية, وبالتالي فإن مصادقة الجمعية العامة على قرار التقسيم, يعطي هذا القرار طابعاً ملزماً لتنفيذه من قبل جميع الدول, ولكن نفذ الشق المتعلق بدولة يهودية, وبقيت الدولة الفلسطينية العربية حبراً على ورق, ليس ذلك فحسب بل تم اقتلاع وتهجير الشعب الفلسطيني من أرضه ووطنه في عملية تطهير عرقي منظمة ومدبرة قامت بها العصابات الصهيونية المسلحة.
ولم تكن نكبة الشعب الفلسطيني عام 1948 والتي تم فيها طرد 400 ألف فلسطيني من أرضهم وقراهم هي النكبة الوحيدة التي تعرض لها الشعب الفلسطيني, فقد تلاها نكبة أخرى تم فيها تهجير واحتلال ما تبقى من أراضي فلسطين في عام 1967, لتعبر عن مأساة كبرى للشعب الفلسطيني حيث قامت إسرائيل بتشريد نحو 800 ألف فلسطيني من قراهم ومدنهم إلى الضفة الغربية وقطاع غزة والدول العربية المجاورة, فضلاً عن تهجير الآلاف من الفلسطينيين عن ديارهم رغم بقاءهم داخل نطاق الأراضي التي تخضع لسيطرة إسرائيل, وذلك من أصل 1.4 مليون فلسطيني كانوا يقيمون في فلسطين التاريخية عام 1948 في 1300 قرية ومدينة فلسطينية.
وتشير البيانات الموثقة أن الإسرائيليين قد سيطروا خلال مرحلة النكبة على 774 قرية ومدينة, وقاموا بتدمير 531 قرية ومدينة فلسطينية, كما اقترفت القوات الإسرائيلية أكثر من 70 مذبحة ومجزرة بحق الفلسطينيين, وأدت إلى استشهاد ما يزيد عن 15 ألف فلسطيني خلال فترة النكبة.
تأتي الذكرى السبعة وستون للنكبة على الشعب الفلسطيني في الوقت الذي وصل فيه الوضع الاقتصادي والسياسي والاجتماعي في أسوء حالاته, فالوضع الفلسطيني ينتقل من سيئ إلى أسوء, حيث أن الحصار, الانقسام, العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في تموز 2014, أزمة الكهرباء, أزمة المعابر, أزمة الموظفين, فرض ضرائب إضافية على المواطن, المنشآت الاقتصادية المدمرة, قادت إلى تناقص فرص العمل وإلى معدلات نمو متدنية جداً, كذلك سياسياً لا تزال إسرائيل تعزز من مشروعها الاستعماري والتي وصلت إلى حد تحدي كافة المواثيق والأعراف الدولية والضرب بعرض الحائط كافة المواثيق الإنسانية حيث تقوم بكافة أشكال القتل والتنكيل والاعتقالات وتخريب وتدمير الأراضي ونهب ثرواتها والعمل على تدنيس مقدساتنا والاستيلاء عليها وتغيير معالم القدس الشريف . كما أن إسرائيل لا زالت تصر على إذعانها في ممارسة كافة أشكال العنف والقتل ضد مخيماتنا الفلسطينية في الوطن والشتات من خلال أعمال القرصنة وكل أشكال المؤامرة التي يتعرض لها مخيمات الشتات وخاصة في سوريا ولبنان وبشكل خاص ما يتعرض له مخيم اليرموك من أعمال قتل وتخريب وإرهاب منظم .
على الصعيد الاجتماعي تشهد الأراضي الفلسطينية وبشكل خاص في قطاع غزة أعلى معدلات للفقر والبطالة وارتفاع الأسعار وعدم توفر السلع والخدمات الإنسانية وانتشار الأمراض وزيادة معدلات فقر الدم وغير ذلك من آثار.
بالرغم من هذا الوقع المرير .. لن نتنازل عن حق العودة .. باقون في أرضنا .. عائدون إلى ديارنا .. حتى حصولنا على حقنا في العودة وتقرير المصير وإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس.
بقلم//
رائد محمد حلس
باحث في الشؤون الاقتصادية
غزة - فلسطين