قبل ساعة وأربعين دقيقة، من موعد انتهاء المدة الزمنية الممنوحة لـ"نتنياهو"، لتشكيل حكومته الرابعة، حسب القانون، وبتكليف من رئيس الدولة بتاريخ 25-3-2015،-بمنحه (28) يوماً، و(14) يوماً إضافياً لعملية التشكيل، تنتهي الخميس 7-5-2015-ووسط تخوف في حزب الليكود من فشل "نتنياهو" في تشكيلها، ففي اللحظات الأخيرة أبلغ "نتنياهو" رئيس الدولة تمكنه من الحصول على موافقة (61) نائباً من أصل (120) عدد نواب الكنيست، على دخول ائتلافه، بعد توصله إلى صفقة مع حزب "البيت اليهودي" الذي له (7) مقاعد في الكنيست، إضافة لكل من "يهدوت هتوراه"، و"شاس" و"كلنا"، والملفت هنا أن إبلاغ "نتنياهو" لرئيس الدولة عن نجاحه بعملية التشكيل، للتسابق مع الزمن القانوني، وقبل التوقيع على الاتفاق الائتلافي مع حزب "البيت اليهودي" "نفتالي بينت"، وقبل الانتهاء من توزيع الحقائب الوزارية، ففي المؤتمر الصحفي المشترك الذي عقده "نتنياهو" مع "بينت" للإعلان عن هذه البشرى، تصافح الإثنان بمرارة، دون أن يكون "نتنياهو" سعيداً بهذا الاتفاق الاضطراري، وفي جو من عدم الثقة المتبادلة، فكان واضحاً أن "بينت" نجح في لي ذراع "نتنياهو"، الذي استجاب لجميع مطالب واشتراطات البيت اليهودي، بعد مناوراته المحكمة بإغلاق هاتفه ثلاثة أيام، لمنع أي اتصال به من قبل "نتنياهو" قبل استجابته لـ "البيت اليهودي"، بمنح وزارة العدل لهذا الحزب، إضافة إلى حقيبتي التعليم والزراعة، فهذه الحكومة التي ستعتمد على(61) نائباً، بمشاركة خمس أحزاب، هي حكومة يمينية عنصرية استيطانية توسعية كالإوزة العرجاء، بعيدة عن جوهر المصالح الإسرائيلية الحقيقية، وأن حل القضية الفلسطينية غير وارد في برنامجها، لكنها ستكون ضعيفة، معرضة لحجب الثقة وإسقاطها في أية لحظة، إذ أن الفرق بينها وبين المعارضة التي يبلغ تعدادها (59) نائباً، نائبان فقط، مما سيجعل "نتنياهو" أسيراً لكل نائباً من نواب الأحزاب المشاركة في حكومته، فـ "نتنياهو" ما زال يضغط على حزبي "العمل" و"الحركة" اللذين لهما (24) مقعداً، الانضمام لحكومته، للتخلص من مأزقه ولو كان الثمن التخلص من حزب "البيت اليهودي".
التحديات أمام "نتنياهو" كثيرة، فمع إعلانه عن تشكيل الحكومة التي سيقدمها إلى الكنيست قريباً، للحصول على الثقة بها، فإن مشكلته الحالية أصبحت مع قيادات حزبه، فالكثير من بينهم يرون أنهم يستحقون التوزير فالصراع بينهم وبين زعيمهم "نتنياهو" يحتد، ويهددون بعدم منح حكومته الثقة، مما سيدفع بـ "نتنياهو" لتعديل قانون أساسي حدد عدد الوزراء بـ (18) وزيراً ليصبح العدد (22) وزيراً أو أكثر، ونواب الوزراء من (4) إلى (8) نواب ومع أن هذا سيزيد من التكاليف المالية لحكومته في الوقت الذي يطالبون فيه المواطنين بشد الأحزمة، ومع ذلك فإنه لن يستطيع إرضاء جميع المستوزرين، والخلاصة بأنهم يعملون من أجل مصالحهم الشخصية، وليس مصلحة مواطنيهم، فتوزيع الغنائم هي الأساس ولا وجود ذكر للمبادئ.
إن حكومة "نتنياهو" المؤيدة من (61) نائباً، لن تشهد الاستقرار، حكومة ضعيفة قابلة للسقوط، وستجد مصاعب في عملها وفي إعداد القوانين، وهي حكومة مثيرة للجدل وللمشاكل وليست حكومة مهام كبيرة، سواء كان ذلك يتعلق بالاقتصاد، وتكاليف المعيشة، والعمل والإسكان وما وعدوا به مواطنيهم أثناء المعركة الانتخابية، وأن همهم الوحيد البقاء في سدة الحكم، فغياب أي نائب من نواب الائتلاف عن الجلسات قد يؤدي إلى انهيارها، كما أن كل نائب من الائتلاف سيكون قادراً على ابتزازها وإلا ....، لذا فإنها ستكون بمثابة كابوس على رئيسها، فإسرائيل تعاني من أزمة حكم مستدامة، وأزمة سياسية داخلية وخارجية، وما الصعوبة في تشكيل الحكومة لدليل على ذلك، ومع أن ولاية الكنيست أربع سنوات، لكن في كل ولاية يجري حل الكنيست قبل موعدها القانوني، على خلفية الصراعات الداخلية، ويعلن عن انتخابات مبكرة قبل موعدها المحدد.
إن لأزمة الحكم في إسرائيل أكثر من سبب، منها التناقضات والاختلافات الكثيرة بين الأحزاب، وكثرتها إذ أن (26) قائمة خاضت انتخابات الكنيست رقم (20)، نجح من هذه القوائم فقط (11) حزباً، وأن أزمات إسرائيل وعدم استقرارها من أهم أسبابه الصراع العربي-الإسرائيلي، وخاصة عدم إقامة الدولة الفلسطينية، وأبعاد هذا الصراع الذي أدى إلى أزمة إسرائيلية مع الإدارة الأميركية، ومع المجموعة الأوروبية، فرئيس مركز بيرس للسلام، "أوري سفير"، وصف "نتنياهو" في مقال له في جريدة "معاريف 27-4-2015"، أنه أسوأ وأكثر خطورة على إسرائيل من النووي الإيراني، إذ أن تخليه عن حل "دولتين لشعبين"، الذي طرحه بنفسه قبل ثلاث سنوات، دون أي ذكر في برنامج حكومته، ستبقي إسرائيل في أزمات متواصلة، في المقابل والقول لـ "سفير"، فإن حكومة "نتنياهو" الرابعة، ستعمل على إقرار قانون القومية، مروراً بتشريع لإضعاف صلاحيات المحكمة العليا، وقانون الروابط والجمعيات للحقوق المدنية، وقوانين أخرى ذات سمات عنصرية، كل ذلك أدى إلى تدهور العلاقات مع الإدارة الأميركية، ومع كل من مصر والأردن، ومقاطعة الاتحاد الأوروبي لمنتجات المستوطنات التي أصبحت سارية المفعول، ودعا "سفير" إسرائيل العودة إلى طاولة المفاوضات مع الفلسطينيين على أساس حل الدولتين، بدون شروط مسبقة.
إن أكثر ما أربك "نتنياهو" ووجه إليه ضربة في الصميم، قنبلة "أفيغدور ليبرمان" الانشطارية، بإعلانه في الدقيقة (99) من تشكيل الحكومة، رفضه الانضمام إلى حكومة "نتنياهو" الرابعة، وأنه سيتوجه إلى مقاعد المعارضة، للعمل على ترميم وإعداد حزبه للانتخابات القادمة، التي يتوقع أن تجري في العام القادم، فإعلان "ليبرمان" هذا وقع على "نتنياهو" وقوع الصاعقة رغم أن "نتنياهو" أسند إليه من جديد، منصب وزارة الخارجية، لكن "ليبرمان" يدعي بأنه فضل المبادئ على الكراسي، والحقيقة أن هناك خلافات شخصية بين الاثنين، خاصة سماح "نتنياهو" للنيابة العامة بالكشف عن الفساد في حزب "ليبرمان" "إسرائيل بيتنا"، وفي صفوف قادته الذين يتبوأون مناصب هامة عشية الانتخابات للكنيست، مع أن "نتنياهو" و"ليبرمان" يمينيان عنصريان، يطالب الأخير التزام الحكومة الجديدة بإسقاط حكم حماس في غزة، وبالإعدام للمقاومين، وبإعادة احتلال القطاع، ويؤيد تشريع قانون القومية، ويعارض الموازنات الضخمة التي التزم بها "نتنياهو" للأحزاب الدينية، ويعارض تجميد البناء في المستوطنات، والحقيقة أن "ليبرمان" كوزير للخارجية، لم يعد منذ فترة الشريك الطبيعي في الحكم فهو ورئيس الحكومة يسيران في مسارين معاكسين، فالأمر بينهما شخصي ونفعي، وينطبق عليهما المثل القائل:"وافق شن طبقة"، ورئيس حزب "البيت اليهودي"، ورئيسه "نفتالي بينت"، أسوأ من الاثنين، ويزايد عليهما بالتطرف، فإنه يطالب بالإعدام لكل من يتنازل عن أجزاء من "أرض إسرائيل"، أي الضفة الغربية، وبالسجن المؤبد لكل من يدعو إلى الاعتراف بالدولة الفلسطينية، ويطالب بضم الأراضي الفلسطينية إلى السيادة الإسرائيلية.
إن حالة الإحباط والخوف والتذمر والغضب تسود المجتمع الإسرائيلي، هذه الدولة المنقسمة، والخائفة من نفسها، وتشكك في شرعيتها، فهي دولة دون حدود معترف بها، وأن حروبها واعتداءاتها المتواصلة على العرب، تبررها بالحرب الوجودية، وفي كل مرة تختبر اختباراً جديداً لشرعيتها، وتعتبر رفضها لإقامة الدولة الفلسطينية، اختباراً لاعتراف العالم بوجودها، وتعتبر أن قيام دولة فلسطينية هو نقيض وجودها، فإسرائيل التي تحتاج إلى اعتراف دولي، واعتراف يهود العالم بها، أصبحت ملجأ ليهود العالم، بل ولليهود من المجرمين، الذين يرتكبون قضايا جنائية، ويلجأون إلى إسرائيل، حتى أن المنظومة السياسية الإسرائيلية، بدأت تفهم أنها وصلت إلى طريق مسدود، فقوانين اللعبة تغيرت، وعلى الإسرائيليين الاختيار بين واقعها وبين الأوضاع السياسية في العالم، هذا العالم الذي يتعاطف مع الشعب الفلسطيني، وبقضيته وبحل الدولتين.
إن إسرائيل التي تعتمد على الحروب في تعزيز وجودها، قد تتورط بحرب داخلية أهلية تجلب لها الدمار، فالتطرف الإسرائيلي، والتنكر لحقوق الشعب الفلسطيني، كما هو واضح من توجهات حكومة "نتنياهو"، وتحذيرات رئيس الكنيست "يولي أدلشتاين"، "هآرتس 27-4-2015"، من تعميق التناقضات داخل المجتمع الإسرائيلي، هي بداية لحرب أهلية، محذراً من الصراعات الشديدة العنيفة، التي تسودها، والتي بدأت شرارتها تنطلق بانتفاضة يهود الفلاشا، والتي تشكل الخطر الحقيقي على إسرائيل، وليس بإقامة الدولة الفلسطينية وللحديث بقية.
بقلم/ غازي السعدي