اللعب علي المكشوف ..!!

بقلم: هشام أبو يونس

اليوم العالم تغير كثيراً وكذلك الإدراك والوعي الفكري تغيرت وأصبح لدينا كل شيء, ولكننا نتحرك بلا قابلية/ عزوف متعارف عليه/ بهوت وفتور وشرود و" نصف وعي": كأننا في لعبة كبيرة نعيشها أو حلم ونمشي أثناء هذا الحلم, ثم لا نتذكر شيئاً عندما لا نستيقظ, ولكننا نستيقظ رغماً عنا, فنتناول إفطاراً عاجلا لنخرج الى نهار تغرب فيه الشمس في وضح النهار, فما الذي نفعله في ليل يبزغ فوراً وحالاً وهلمجرا؟. إلا إنني تذكرت وأنا في أحلام اليقظة شيء قد يعود بنا لسنوات طويلة ، ففي الصغر قبل اختراع “البلايستيشن” كانت لدينا لعبة مفضَّلة اسمها "حاكم و جلاد ".نلعبها حين ننحبس في البيت ولا ألعاب لدينا غيرها. أغلبنا مارس هذه اللعبة ويتذكرها حتماً؛ كنا نكتب على أربع قصاصات صغيرة " حاكم" و" لص" و" جلاد " و" مفتش "، ثم بعد أن نطويها جيداً، ننثر هذه القصاصات في الهواء. تسارع أربع أيدٍ عجولة، فتخطف كل واحدةٍ ورقة، يسأل الذي كان نصيبه أن يكون "الحاكم ": من " المفتش"؟ فيعلن الأخير عن نفسه أمام الحاكم الذي يكلّفه فوراً بأن يخرج له “اللص”. ليتولّى “الجلاد” معاقبته على يده بالمسطرة بعدد من الضربات الخفيفة أو الشديدة حسب ما يقرر الحاكم، في حكم ميداني سريع !وإن فشل المفتش في تعيين اللص تكون الضربات من نصيبه هو. كانت اللعبة ممتعة، ففي تلك اللعبة كان يحدث أحياناً أن نصاب بالملل، أو أن ترهبنا قطعة الخشب العريضة، فنفكر في طريقة لتفادي الضربات، حين كان المحتال الذي يكتب القصاصات يلغي قصاصة “اللص” سراً، فصرنا نعتقد أن المفتش هو من يخطئ في اكتشاف اللص ! ثم بعد لعبة أو اثنتين سرعان ما نكتشف أن هناك “أكثر من جلاد ” ، أو “ أكثر من حاكم”، فيدبُّ الخلاف، ويتنازع كلاهما على قطعة الخشب العريضة، وتنتهي اللعبة بشجار وخسائر، وربّما يتخاصم الجميع لفترة تطول أو تقصر، وفي الأثناء لا أحد انتبه كيف اختفى “اللص” فعلاً، ولم يعد له وجود ! وهذا ما يحدث الآن بالضبط ، فالجميع الآن “مفتش”، والجميع “حاكم”، والجميع “جلاد”، والشعب ليس بريئاً أبداً، فهو ببراءة الأطفال نفسها شارك في كتابة القصاصات، وكما ينزل الأبطال من المِدخنة غادر “اللص” من المِدخنة ! لكن اللعبة ما زالت مستمرة، وما زال رمي الأوراق في الهواء محتدماً .. وبحماسةٍ وانفعالٍ هائلَين، لكنَّ الأوراق التي تنزلُ في كل مرَّة بحكام أو جَلادَين، أو مفتشَين، ليس بينها أبداً ورقة “اللص” ! “اللص” الذي تبيَّن أنه لم يكن سوى حبر على ورق، محوناه.. ثم جلسنا كلنا على ورقنا " بهيبة وجبروت “الجلادين! "

بقلم: د.هشام صدقي ابويونس
كاتب ومحلل سياسي
ممثل دولة فلسطين في المنتدى العالمي أكاديميون من اجل السلام وحقوق الإنسان
عضو الأمانة العامة لشبكة كتاب الرأي العرب