عالجت «هوليوود» حروب أميركا بشكل دائم، ولدى قيامها بذلك، وبشكل عام كانت بعض أفلامها ضد هذه الحروب، ومبرراتها غير الأخلاقية، وذلك من خلال آثارها على الشعوب وعلى الشعب الأميركي ذاته، «قناص أميركي» خارج هذا السياق بشكل أو بآخر، لذلك، شن بعض النقاد الأميركيين حرباً على هذا الفيلم، كونه حسب رؤيتهم يمجد الحرب من شخص «قناص أميركي» يطلق رصاصاته من خلف ساتر، كونه لا يجرؤ على مواجهة ضحيته، وهنا أحد الأبعاد الأخلاقية للفيلم ـ وكونه، أي القناص، يعبر عن رؤية شخصية باعتبار أن بطل الفيلم، حسب سيرته الذاتية، تعلم إطلاق النار على يد والده وهو في سن الثامنة، هذا الاب ترعرع في أوساط «المسيحية الأصولية» التي تقسم البشر إلى نوعين: أهل خير وأهل شر، أميركا أرض الحضارة هي التي تعبر عن قيم الخير، أما ما عداها فهم يهدفون الى تدمير هذه الحضارة، وهذا الخير، كل من تناول قصته البطل تقريباً، حاولوا الوقوف على شخصيته المحطمة والمعادية، لذلك، ارتأى بعض النقاد أن «البطل» لم يكن بطلاً أميركياً بل مجرد شخص مريض يسعى إلى الانتقام لذاته المحطمة المريضة، ناهيك عن فكرة «البطولة» بحد ذاتها، فأين هي في جبان كل إمكانياته تتعلق بقدرته على «الاختباء» من ضحاياه!
يتصيد نقاد الفيلم، المحطة الأولى للفيلم، إذ أن صوت الأذان، شكل الخلفية لاسم الشركة المنتجة «وارنر برذرز» واعتبروا ذلك، بداية صادمة توجز توجه الفيلم في اطار الحرب على الإسلام، الإسلاموفوبيا، كما أن المشهد الأول، يتضمن تزويراً وخروجاً على ما جاء في كتاب سيرة «كريس كايل» الذي اعتمده الفيلم، فالمشهد يتناول طفلاً وامرأة، يحملان رشاشاً وقنابل، بينما في الكتاب الأصلي، فإن المرأة كانت تحمل قنبلة صغيرة، من هنا كان تزوير هذا المشهد، دليلاً على أن الفيلم سيأخذ المشاهد إلى حقل مختلف، إدانة الضحية وبطولة القاتل المختبئ وراء الحوائط والجدران وأكياس الرمل.
المخرج الأميركي الشهير «مايكل مور» الذي يعتبر أهم مخرج أميركي معادٍ للسياسة الأميركية الداخلية والخارجية، خاصة عندما اعتبر في مجمل أفلامه أن الولايات المتحدة مجرد أداة حرب في مواجهة العالم، تعجب لدى وصول إيرادات فيلم «قناص أميركي» إلى أكثر من مئة مليون في أيام قليلة، مشيراً إلى أن هذا لا يدل على أن الفيلم جيد، بل ان الجمهور الأميركي غير جيد، يعشق الحروب التي يقوده الساسة إليها، مايكل مور، أول وأهم مخرج تناول الحرب الأميركية على العراق من خلال فيلم وثائقي شهير «فهرنهايت 9/11» والذي فند فيه بالوثائق الادعاءات المفبركة حول أسلحة الدمار الشامل، وأهداف ساسة أميركا من وراء هذه المبررات المختلفة، لذلك فإن رأيه حول «قناص أميركي» يكتسب أهمية بالإضافة إلى المصداقية.
لو كان الفيلم منصفاً، يرى بعض النقاد، لكان تطرق إلى نهاية هذا البطل «كريس كايل» قتلاً على يد أحد الجنود الأميركيين الذين خدموا في العراق، وللمصادفة، فإن محاكمة هذا الجندي، كانت تجري في الوقت الذي كان يعرض الفيلم في صالات السينما في الولايات المتحدة، لكن النقاد، ألمحوا إلى أن ايستوود، رغم وقوفه ضد الحرب، كان مع تعظيم الجيش الأميركي وإظهار قدراته الخارقة.
لكن بعض النقاد، توقفوا عند تأثير هذا الفيلم المباشر على نشر العداء للعرب والمسلمين في الأوساط الشعبية الأميركية، في اطار ما بات يعرف الإسلاموفوبيا، بعض المشاهد جعلت من القاتل المحترف، مجرد أداة في مواجهة التطرف والإرهاب. تصادف عرض الفيلم مع قيام مواطن أميركي بقتل ثلاثة طلاب أميركيين من أصل فلسطيني وسوري، القاتل كريغ هيلكس ادعى أن الأمر يعود لخلاف على موقف للسيارات، غير أن جملة من الشواهد، تشير إلى أن القاتل، تعرض لتحريض قوي، جعله معادياً لكل ما هو مسلم وعربي. بعض النقاد، حملوا فيلم «قناص أميركي» دوراً في هذا التحريض المستمر منذ سنوات، لكن الفيلم، حسب النقاد، أيقظ مشاعر الحقد الدفين لدى بعض الأوساط المحافظة والمتشددة في أميركا ضد العرب والمسلمين.
مع ذلك كله، فإني كمشاهد، أعتبر أن كافة الملاحظات التي يمكن أن تسجل على هذا الفيلم، صحيحة بحدود واضحة، مع ذلك كان عرض هذا الفيلم الذي يعرض وحشية القاتل الأميركي، في وقت ظهرت فيه «الداعشية» كإطار إجرامي وحشي دموي، لتطغى على سطح الأحداث، فإن الفيلم في هذه الحالة، من الممكن أن يوظف، باعتبار أن أصل هذا التوحش الدموي، نابع من بعض القيم الأميركية التي تغنّى بها الفيلم على يد قاتل محترف، هدفه الانتقام الشخصي وان تلبس بلباس قومي، هذا الفيلم من الممكن أن يعتبر عودة إلى الأصول، إذا ما أردنا أن نبحث عن أصل الإرهاب وبعثه. أميركا العنصرية، شرطي العالم، هي المنبع الأساسي لكل ما يشهده العالم من أدوات إرهاب دموي!!