القدس لن تعود بالدعاء والدعوات !!

بقلم: عبد القادر فارس

في أول خطاب له بعد إعلان حكومته اليمينية المتطرفة , أعلن رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو , أن القدس ستبقى عاصمة موحدة للدولة اليهودية , ولن تكون أبدا لشعب آخر غير الشعب اليهودي , وفي كل يوم يقوم رعاع المستوطنين والمتدينين اليهود باقتحام المسجد الأقصى , بحماية شرطة وجنود الاحتلال , من أجل أداء الطقوس اليهودية التلمودية , فيما يعتقدون أنه العودة إلى " جبل الهيكل " , الذي يحلمون بإعادة بنائه , بعد أن يقوموا بتدمير المسجد الأقصى المبارك , ومسجد قبة الصخرة المشرفة , والمصلى المرواني , الذي يطلقون عليه " إسطبلات داوود " , لاعتقادهم الراسخ أنهم للقدس قادمون , وللأقصى مدمرون , وللهيكل المزعوم بانون , في زمن لم يعد هناك مسلمون , للقدس والأقصى حامون وعنه مدافعون.
بضع مئات من المسلمين من أبناء المدينة المقدسة , أو من يستطيع الوصول من أبناء الضفة المحاصرة والمحتلة , وأبناء شعبنا داخل الأراضي المحتلة عام 1948 , يقفون بكل عزيمة وإيمان في وجه غطرسة العدو , رغم محاولات الاحتلال طمس هويتهم , وإضعاف شوكتهم وإنهاء نضالاتهم الوطنية والقومية والدينية , يتصدون لجحافل ورعاع المستوطنين والمهووسين من بقايا شتات الأمم , الذين قدموا لأرضنا لإقامة كيانهم القائم على القتل والتدمير , ونفي الآخر في عنصرية مقيتة .
وفي المقابل لا نسمع من قادتنا وساستنا ومسؤولينا , سوى بيانات الشجب والاستنكار والإدانة والدعوات إلى المسيرات والتظاهرات , بينما يكتفي مشايخنا والحاكمون في الأرض بأمر الله , بالدعاء إلى الله بتحرير الأقصى من رجس الاحتلال , والدعاء على اليهود " ان يحصيهم عددا ويبددهم بددا ولا يبقي ولا يذر منهم أحدا " , أو الدعاء والدعوة بعودة صلاح الدين قائد المجاهدين والمحررين , القادم على فرسه إلى فلسطين , وكأننا بالدعوات للمظاهرات والصراخ في الميكروفات , التي تعتلي مآذن المساجد أو المحمولة على السيارات , أو بالدعاء على الأعداء , أو اجترار الماضي من البطولات سنحرر أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين المسجد الأقصى المبارك , والقدس الشريف وفلسطين , أو نكاد نقترب من التحرير.
فكيف للأقصى أن يحمى من التدنيس , وكيف للقدس أن تحرر من الاحتلال التعيس , ونحن على أنفسنا منقسمون , وصراعنا أصبح بيننا وليس مع عدونا , سلطتان تحكمان ولا تحكمان , واحدة في الضفة الغربية متهمة بوقف المقاومة واعتقال المقاومين , وأخرى في غزة تدعي المقاومة وتمثيل المسلمين , والعدو يحتل مناطق الأولى يقتحم ويجتاح ويعتقل , ويحاصر الثانية يقتل ويغتال ويشن الحروب وقتما يشاء , ولا من رادع لما يقوم به من عدوان متى شاء.
سلطتان تتصارعان على ما تبقى من وطن , أو " ما هو متاح من الوطن " على رأي شاعرنا الكبير أحمد دحبور , أو هذا الشيء الذي " لا هو وطن ولا هو خريطة " , على رأي شاعرنا الراحل محمود درويش , الأولى تسعي للسلام لإنقاذ ما تبقى من الأرض والوطن , والثانية تسعى لتثبيت سلطتها في غزة لكسب المزيد من الوقت ولو كانت "غزة فقط "هي الوطن , والأرض تضيع , والقدس تضيع , وفلسطين تضيع , والكل منهما يحسب أنه يحسن الصنيع , شعارات يرفعها الجميع , بأن القدس قلب القضية , وبدونها لا حل ولا سلام للقضية , بينما نحن بعيدون كل البعد عن وحدتنا الوطنية , التي بدونها لن تقوم لفلسطين قائمة , ويومها لن بنفع الندامة ولا لوم لائمة , فإذا كانت فلسطين اليوم تحولت لدولتين غير قائمتين , وشعبها مقسم لأربعة أجزاء , واحد في غزة , وثان في الضفة , وثالث في أرضنا المحتلة عام 1948 , ورابع في الغربة والشتات , يحلم بالعودة لأرض الوطن المنكوب بالاحتلال والانقسام , فكيف للعودة أن تكون , ونحن على هذه الحال , من الانشقاق والانقسام والانحلال , " فالعودة يلزمها مدفع .. والمدفع يلزمه إصبع .. والإصبع منغمس لاه في (ط ..) الشعب له مرتع , على رأي الشاعر العراقي الكبير مظفر النواب , الذي عارض أغنية فيروز " الآن الآن وليس غدا أجراس العودة فلتقرع" , فمدافع العرب يا سيدة فيروز صدأت في مخازن الأنظمة العربية والإسلامية , و300 مليون عربي , وأكثر من مليار مسلم بعيدون كل البعد عن فلسطين , ولا يريدون تحرير الأقصى والقدس وفلسطين , إلا بالإدانات وبيانات الشجب والاستنكارات , وبرفع الشعارات وتسيير المظاهرات , والاكتفاء بالدعاء والدعوات .. فقسما بالله لن تنفع مسيراتكم وتظاهراتكم , ولن تجدي دعواتكم .. ولن يستجيب الله دعاءكم.
*د. عبد القادر فارس