بداية لا يمكني أن أنكر أبدا على من يقول .. أن الله سبحانه وتعالى..عرفوه بالعقل ..ولكن في ذات الوقت أقول بأن هذا التقرير منقوصا ،وغير مكتمل لأنه شديد التعلق في المعنى بما بعده.. ما أقصده أن الله جل في علاه عرفناه بالعقل ،والقلب معا ..ولا يمكن الفصل أو الحجب أو الاكتفاء بذكر العقل دون القلب أو العكس من ذلك ..ولو عرفنا الله بالعقل فحسب لكان أولى الناس بالهداية والخشوع والتقرب إلى الله هم العلماء وأقول العلماء بصفة مطلقة غير مطلقة .. لأن من العلماء من هم علماء دين ومنهم من هم علماء في الطبيعة أو الكيمياء أو الفلك أو غيره من العلوم الدنيوية الأخرى وبصورة عامة دائما العلماء هم أقرب للحقيقة وللواقع وبالتالي هم الأكثر تأثرا ولو كان الأمر مقصورا على العقل لكن حري بأينشتاين ونيوتن ونيلز بور وإرنست لورنس وأديسون وغيرهم لكانوا أولئك هم أولى الناس بمعرفة الخالق سبحانه وتعالى ،ولكانوا أولى بإعتناق الدين الإسلامي ..فهنالك آيات جمة يخاطب الله سبحانه وتعالى ذوي العقول وتكاد تقترب هذه الآيات التي تذكر العقل ومشتقاته من ألف آية، ولم يخاطب الله سبحانه فئة معينة من الناس أو صنفا خاصا بل أكثر الآيات يخاطب عموم الناس فيقول سبحانه .. يآيها الناس ،وحتى عندما أرسل الله نبينا محمد صلى الله عليه وسلم لم يبعثه للعرب فحسب أو لبقعة معينة من بقاع الأرض .. وأني هنا أستشهد بقوله تعالى : ( وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ) ..وأعود مرة أخرى بقولي في مخاطبة الله لأصحاب العقول ، ومنها على سبيل المثال لا الحصر قوله تعالى:
﴿أَفَلَا يَعْقِلُونَ ﴾ ( سورة يس ) - ﴿أَفَلَا يَنْظُرُونَ﴾ ( سورة الغاشية ) -﴿أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ ) ( سورة الأنعام )-ومن نعم الله سبحانه على الإنسان .. إخباره عن كل ما عجز العقل عن إدراكه ،وأما عن القلوب واتصالها الوثيق بالعقول نجد أن الله سبحانه وتعالى ، قد ذكر في القرآن العظيم أصنافا من قلوب الكفار قد تصل إلى عشرة أصناف منها قوله تعالى : "إذ جعل الذين كفروا في قلوبهم الحمية " – " فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله" –"كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون "- " فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا" – "فطبع على قلوبهم فهم لا يفقهون " – "ختم الله على قلوبهم "
ولأن الإيمان ،وظيفة القلب فقد عرفه العلماء بقولهم: هو ما وقر في القلب وصدقه العمل. ولما سأل ذلك الرجل رسولَ الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: قل في الإسلام قولاً لا اسأل عنه أحداً بعدك. أجابه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "قل آمنت بالله ثم استقم"..إذا كل ما أستطيع تلخيصه هنا من مقالي هو عدم إنكار العقل أو القلب في معرفة الخالق سبحانه وإلا سيكون حالنا هو أشبه بالذين أخذوا بظاهر القول تفسيرا لقوله تعالى على لسان سيدنا إبراهيم عليه السلام :" يوم لا ينفع مال ولا بنون * إلا من أتى الله بقلب سليم" فكثيرٍ من الناس من يظن أن المال لا ينفع ولا البنون وإنما الذي ينفع هو فقط القلب السليم ..!! ولا يعلم أولئك القوم أنهم بمثل تلك التأويلات يناقضون حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فيناقض بهذه التأويلات ،وهو أصدق الخلق حيث يقول في الحديث كما جاء عن أبي هريرة رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له" رواه مسلم..لأن المال ينفع صاحبه ،عندما ينفقه في سبيل الله أو يمسكه على ما يناسبه ، والولد الصالح كذلك ،والعلم النافع ..إذا سلامة القلب هنا المسبوقة بأداة "إلا " ليست مستثناه.. بل شديدة التعلق في اللفظ والمعنى بما قبلها في الآية أي من الجانب الإعرابي وكذلك التفسيري ،وهذه ليست وجهة نظر خاصة أقولها من رأيي الشخصي كما اعتدت أن أقول في مقالاتي ،وإنما هي نقل عن الذين فتح الله عليهم بالعلم فسلامة القلب أن يمسك القلب على ما يناسبه..وأخيرا أقول إذا كان الله سبحانه وتعالى يقول في كتابه العزيز :" ( لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله وتلك الأمثال نضربها للناس لعلهم يتفكرون" فإذا كانت الجبال التي لا تعقل ولا تسمع ولا تملك قلبا تخشع لله.. فما بالنا نحن البشر الذين أنعم الله علينا بالعقل والقلب معا ..فكيف يمكن لقلوبنا بأن تقسو فلا تقرب المساجد ،ولا تخشع لذكر الله وكيف لقلوبنا أن تدفعنا نحو المقاهي، وأماكن اللَّهو ، والأرصفة، والجلسات الخلوية الطويلة على صفحات الفيس بوك ، وكيف لقلوبنا أن تقسو على من حولنا ، بل وعلى أنفسنا.. والله قد وضع لنا علاجا شافيا كافيا بقوله: " ألَّاٍّ بّْذكّْرًّ اٍّلَّلَّهّْ تُّطَّمُّئّْنِّ اٍّلَّقِّلَّوّبّْ "..وفي الأخير لا يسعني سوى أن أقول الحمد لله الذي أنعم علينا بالإسلام ،ونسأله سبحانه أن يهدينا ويهدي جميع المسلمين ،ويرحمنا وإياهم أنه نعم المولى ونعم النصير .
بقلم /حامد أبوعمرة