لا يمكن القول إن الأمل بتجميد عضوية إسرائيل في الفيفا كان منعدماً، بل كان هناك قدر من التفاؤل أساسه أن الانكشاف الإسرائيلي على مستوى العالم بات أكثر وضوحاً، حيث أن الانزياحة الأوروبية الهادئة لصالح فلسطين تتم في كثير من المؤسسات والبرلمانات والاتحادات والجمعيات التي بدأت تشهد مقاطعة إسرائيل، ولأن أوروبا بدولها إلى حد قريب كانت الأكثر دعماً لإسرائيل بعد الولايات المتحدة.
ولأن التصويت في الجمعية العمومية المكونة من 209 أصوات يشبه التصويت في الأمم المتحدة، حيث الانعتاق من «الفيتو» الأميركي الذي لا يزال شاهراً ضد طموحاتنا الوطنية حتى وإن كان تعليق عضوية إسرائيل يتطلب ثلثي الأعضاء، لأن الإشارات الدولية الأخيرة التي تعبر عن ضجر العالم من دولة وحكومة المستوطنين وحتى من شعب يعيد إنتاج اليمين المتطرف من جديد في كل دورة انتخابية، ولأن حكومات نتنياهو تحولت إلى حكومات منبوذة كان هناك أمل.
لكن هذا الأمل تبدد بشكل سريع عندما سحب الطلب الفلسطيني بخطوة مفاجئة عكست توقعات الكثيرين، لكن الأكيد لو أن الفلسطينيين ضمنوا الحد الأدنى لنجاح مطلبهم لما حدث هذا التراجع، وهنا يسجل خذلان كبير من العالم للفلسطينيين في معاركهم حتى الدبلوماسية بعدما خذلهم في كل معاركهم السابقة سواء العسكرية حين كان دمهم يسيل في الشوارع، أو الاقتصادية حين حاصرتهم إسرائيل بالمال، حتى الدول العربية حينها لم تكسر هذا الحصار، والآن في معركة دبلوماسية تحت طابع رياضي.
المشكلة ليست في الرجوب رئيس الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم وإن كان هو من تصدر الإخفاق، فهو استطاع تحقيق أفضل ما يمكن تحقيقه في غابة السياسة الملأى بالأشواك، حيث كان أمام خيارين: إما الاستمرار بالطلب ليعود بهزيمة دبلوماسية آخر ما يحتاجها الفلسطيني في ظل حكومة اليمين التي يجب أن تمنى بكل الهزائم الدبلوماسية ويعود بخفي حنين، أو أن يجد حلاً وسطاً يجنبه الهزيمة ويعود بالممكن في ظل الموازين الظالمة فاختار الأخيرة.
معارك السياسة هي الأصعب في الصراعات وتحتاج إلى قدر من الدهاء وقدر أكبر من الإمكانيات وأصعب حتى من المعارك العسكرية، لأن مناوراتها مكشوفة والضغوط والتهديدات بخسارة دول كثيرة، والخيارات محدودة كما حصل في معركة غزة الأخيرة حين صمد المسلحون وكان أداؤهم مدهشاً، بينما عاد السياسيون من القاهرة بلا شيء لأن معركة التفاوض كانت أكثر شراسة والضغوط أكبر.
ما حصل في زيورخ هو امتداد لمداهمة الشرطة السويسرية مقر «الفيفا» والحصول على وثائق أسرار مؤسسة فاسدة فاجأتنا قبل فترة بإقامة مونديال في دولة تزيد درجة الحرارة فيها على الخمسين درجة اشتم الجميع فيها رائحة المال والفساد، وتلك المداهمة كانت تقف خلفها شرطة نيويورك وهي المدينة التي ينشط فيها الحضور اليهودي والإسرائيلي والمال اليهودي، هذه معركة جندت إسرائيل لها كل قوى الشر حتى لا ينجح أعداؤها وهو ما يمكن فهمه من تغريدة وزير المواصلات الإسرائيلي المتطرف يسرائيل كاتس، ولنا أن نتصور حينها حجم الابتزاز لكل من كان على رأسه بطحة من دول وأفراد وردت أسماؤهم في الوثائق المصادرة، وأمام هذا الفعل الإسرائيلي يبدو الغياب العربي فاضحاً.
عوفر عيني رئيس الاتحاد الإسرائيلي لكرة القدم هو رئيس الهستدروت السابق والذي اعترف المحامي الإسرائيلي الداد يانيف الذي عمل في مكتب رئاسة الوزراء في إسرائيل لسنوات اعترف بأن عوفر اعتاد على تلقي رشاوى مالية من نتنياهو لأنه كان مقامراً ويخسر كثيراً، وعيني قد وضع الرجوب أمام خيارين بغطرسة إسرائيلية، إما أن يقبل العرض الإسرائيلي بقبول دولته بلجنة تشرف على حركة الرياضيين الفلسطينيين ودراسة ملاعب المستوطنات وتحسينات ومواد للملاعب، أو أن ينهزم وهنا الأزمة الحقيقية.
نجحت إسرائيل وفشلنا، جندت إسرائيل كل قواها الدولية وإمكانياتها برغم ما كان ظاهراً من أشارات تشي بعزل حكومة إسرائيل الجديدة واعتقاد بالرغبة بمعاقبة الشعب الإسرائيلي الذي اختارها بعد أن وصل العالم إلى قناعة أنه يجب ضغط إسرائيل اقتصادياً، وهذا سيساهم في أزمة لكل مواطن فيها ولكل ناخب ليربط ما بين اليمين وأزمة الحياة والمعيشة والاقتصاد.
هكذا قال وزير المالية السابق يائير لابيد في أواخر أيامه بأن لا إنعاش للاقتصاد دون عملية سياسية، فكيف تمكنت من تجنيد ما يلزم لإسقاط المشروع؟ وبالمقابل وهنا بيت القصيد كيف لم ننجح بتجنيد ما يلزم لإنجاح المشروع، فالنجاح دوماً هو تتويج للعمل، وقد عملت إسرائيل ولكن على ما يبدو أننا لم نعمل.
هذا ما يجب أن نتأمله جيداً، أن نحاسب أنفسنا قبل أن نحاسب العالم، ولا يكفي القول أن العالم ظالم ويرى بعين واحدة، هذا تشخيص يقوله الكتاب وليس السياسيين كما اعتاد بعض الناطقين ترديد هذه الجملة، بل إن على السياسي أن يفكر كيف يتمكن من الانتصار لا إعطاء تبريرات الفشل ويلقي بفشله على العالم وكفى ... نحن بحاجة إلى وقفة جادة أمام كل خساراتنا الأخيرة.
لقد انتقلت المعركة إلى الساحة الدولية وأخذت طابعاً دبلوماسياً بعد أن أغلقت إسرائيل طريق الصدام معها ووضعت القيادة الفلسطينية لنفسها مهمة عزل إسرائيل عن الساحة الدولية، مستغلة وصول حكومات يمينية في السنوات الأخيرة تسهل عليها العمل، لكن يبدو أن القيادة لم تضع إمكانياتها لهذه المهمة الصعبة، فمعارك السياسة ليست سهلة لكن يبدو أننا نخوض كل معاركنا بنفس الطواقم وبنفس الإمكانيات والأدوات دون أن نعرف أن هذه المهمة تتطلب تجنيد طواقم تجوب العالم ليل نهار وتخوض مع اسرائيل حرب شوارع دبلوماسية لضمان النجاح، هل طواقم السفراء قادر على ذلك؟ هناك شك في امكانياته، فهذا الملف يجب ان يفتح وان تجري عملية نفض لكل السفارات، فالنتائج تعطي انطباعات.
فشل الفلسطينيين في المعركة لا تعني نهاية العالم، فإسرائيل دولة يجب عزلها وحكومتها تعطي الفلسطينيين ما يكفي من الوقود لماكينة دعايتهم، فالاحتلال هو نقيض للقيم الإنسانية، وحين تقوده حكومة مكشوفة لا يبقى للفلسطينيين سوى القدرة على التقاط ممكنات القوة وتحويلها إلى عوامل انتصار، وهي ممكنة في كل الساحات، المهم إرادة العمل وصوابية خيار العاملين، وهناك شك وسط حالة الأزمة التي تحيط بنا، ولن نفلح طالما أننا لم نتوقف أمام أي من الخسارات وأن نستمر بنفس الأدوات، لأن سؤال «ماذا فعلنا كي نتجنب الهزيمة؟» هو سؤال المنطق والضرورة ومحاكمة الأداء القائم ....!!
بقلم/ أكرم عطا الله