القرار الذي إتخذه "جبريل الرجوب" رئيس الإتحاد الفلسطيني لكرة القدم بسحب الطلب الفلسطيني لطرد إسرائيل من عضوية "الفيفا"، أثار موجة عارمة من السخط في الشارع الفلسطيني الذي تأهب مع الأصدقاء في العالم لتنفيذ هذه الخطوة الضرورية والتي يجب أن تتسع كمعركة دبلوماسية في كل مكان يستطيع الفلسطينيين تحقيق إنتصار فيه، أو يمكنهم من تسجيل إدانة سياسية وأخلاقية للإحتلال الإسرائيلي وعنصريته واستيطانه التوسعي، واجرامه المتواصل بحق الشعب الفلسطيني.
وما زاد الطين بلّة هو إعلان الرجوب السابق لدعم الفاسد "جوزيف بلاتر" لرئاسة "كونغرس الفيفا في مواجهة الأمير على بن الحسين مرشح المملكة الأردنية الهاشمية للرئاسة، الأمر الذي سيؤثر بالقطع على مستوى العلاقة التاريخية التي تربط بين الشعبين الأردني والفلسطيني، بما يشكله ذلك من طعنة "عباسية" للموقف القومي والمصالح المشتركة التي تربط البلدين، فمن المؤكد أن "جبريل رجوب" لا يتخذ مثل هذه المواقف بمفرده وبمعزل عن التنسيق والإقرار من الرئيس محمود عباس.
محاولات تبسيط المسألة وتبريرها من زواية رياضية لا يمكن أن تعفي صانعي هذه الأزمة من المسؤولية عن هذا الخطأ التاريخي المتزامن مع جملة أخطاء على مدار عمل القيادة السياسية الفلسطينية منذ أن جاء عباس إلى الحكم حتى الآن، فالمواقف لا تتجزأ والقضايا الفلسطينية مترابطة إلى حد كبير وفي كل شيء، وجذر المشكلة الفلسطينية ليست مع الفرق الرياضية التي تمثل المستوطنات، بل مع دولة الإحتلال بكل ما تمثله من إستيطان وقتل وترويع وحصار وجرائم إقتصادية وعنصرية، فالإستيطان والمستوطنات وفرقها الرياضية هي نتيجة سياسات تتخذها إسرائيل كدولة كاملة الأركان، وبالتالي فمن الغباء والإستعباط السياسي التعاطي مع فكرة الفصل بين فريق رياضي تابع لمستوطنة ما وفريق آخر يأتي من تل أبيب، فجميع هذه الفرق تمثل إحتلالاً عنصرياً قائم على النهب والبطش والتنكيل والقتل.
في الواقع أن موقف جبريل الرجوب غير مستبعد ومتوقع، فهو مكمل لنهج بدأه الرئيس عباس وما زال مستمراً فيه، يعلن عن الخطوة ولا يكملها، يهدد ولا ينفذ، يطلق تصريحات ويتراجع عنها في اليوم التالي، والذاكرة الفلسطينية حافلة بعشرات المواقف المهزوزة التي لا تستند إلى أي خطة أو إستراتيجية، مثال الموقف الذي أعلنه عباس "بتسليم مفاتيح السلطة لإسرائيل"، والقرار الذي إتخذته اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير ومجلسها المركزي"بوقف التسيق الأمني مع إسرائيل" وقرار القيادة السياسية "بالتوجه إلى محكمة الجنايات الدولية" وشرط "وقف الإستيطان قبل الذهاب إلى المفاوضات" وعشرات المواقف المرتبكة والمتناقضة التي تكشف عن ضعف وعجز القيادة السياسية الفلسطينية، وجعلت الشعب الفلسطيني والعالم يبحث بصعوبة عن موقف سياسي واحد واضح مجمع عليه فلسطينياً يتم تبنيه والعمل من أجل إنفاذه.
الرجوب هو التمثيل الحقيقي لما تبقي من نظام سياسي فلسطيني هيمن عليه العجائز والمأزومين وعصابات البزنس، نظام شائخ سياسياً وزمنياً لا ينتج سوى الأزمات الداخلية والخارجية ويلحق الأذى بالموقف الوطني والقومي العربي، ويساعد في تمكين الإحتلال من الشعب الفلسطيني بشكل أو بآخر.
لا يمكن لأي عاقل فلسطيني وفي العالم أن يغض البصر عن الفجوة الزمنية ما بين الشعب وقيادته، يكفي أن نعرف أن متوسط أعمار أعضاء المجلسين الوطني والمركزي واللجنة التنفيذية هو 80 عاماً، ويحكمهم رئيس عمره أيضاً 80 عاماً، ويرأس مجلس الشباب والرياضة رجل تجاوز ال 81 عاماً، ويقود إتحاد كرة القدم فيه جبريل الرجوب، هؤلاء يحكمون قبضتهم على مجتمع فتي يمثل فيه الشباب والفتية الأغلبية الكبيرة، شباب يسكنهم الطموح الدائم بالحرية والأمل والعمل، لديهم رغبة عارمة بالمشاركة في صناعة القرار، وعشرات الأحلام تقف هذه القيادة حائلاً أمام تحقيقها في زمن الثورات والحريات والديمقراطية التي أوصلت نواب ووزراء ورؤساء حكومات لم تتجاوز أعمارهم أربعة عقود.
غياب الثقة بين الشعب وقيادته في معظم الإستطلاعات والأبحاث له ما يبرره، فالشعب الفلسطيني تحت قبضة قيادة لم تعد تلبي طموحاته ولا حتّى تعبّر عنها، قيادة تجمعها المصالح الفردية على حساب المصلحة الوطنية، قيادة صادرت الحق في التظاهر، والحق في التعبير، والحق في العمل والسكن والتعليم و ........إلخ، وأغلقت الأفق أمام فرص التطور الديمقراطي والإنتخابي، ومصممة على التمسك بالحكم مهما كانت النتائج.
منذ زمن لم يعد الإحتلال الإسرائيلي هو الخطر الوحيد الذي يواجهه أبناء الشعب الفلسطيني، ولم تعد مقارعة الإحتلال والخلاص منه هي المهمة الوحيدة الماثلة أمام الفلسطينيين، فالأوضاع الداخلية الفلسطينية فرضت نفسها بكل قوة، وتستدعي العمل والعمل من أجل التغيير، لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يكون حكم العصابات ممراً للخلاص من الإحتلال، ولا يمكن أن يقوم ديكتاتور صغير يقود زمرة شائخة تربطها المصالح الخاصة بحماية مصالح الشعب الفلسطيني والدفاع عنها، وما جرى في كونغرس " الفيفا" هو أحد مظاهر الشيخوخة وليس كلّها، وبات لزاماً على الفلسطينيين المتضررين والقادرين والطامحين أن يدفنوا الميّتين.
بقلم/ محمد أبو مهادي