الحزب الذي حصل على نسبة 41% من أصوات الشعب التركي لم يفشل، بل فاز حزب العدالة والتنمية بثقة الشعب التركي الذي أدرك أن خياره الوحيد لمواصلة الازدهار والاستقرار هو تعزيز الثقة بحزب العدالة والتنمية، والشعب التركي ليس غبياً، وليس غيبياً، وقد جرب عبر مساره الديمقراطي الأحزاب السياسية كلها، وجرب الحكومات الائتلافية على اختلافها، واستنتج أن خلاصه وتطوره كان قرين حزب العدالة والتنمية.
ومع ذلك، فلم يعط الشعب التركي حزب العدالة والتنمية أكثر من نسبة 41%، لم يعط الشعب التركي الحزب الذي يثق فيه النسبة التي تؤهله لتشكيل الحكومة وحيداً، وفي الوقت نفسه لم ينكص الشعب التركي على عقبيه، إذ لم يعط ثقته لبقية الأحزاب التي توحدت ضد حزب العدالة والتنمية، ووظفت كل طاقتها لتشويه صورته، مستثمرة في ذلك الحملة الإعلامية الشرسة التي تشنها أكثر من قوة عالمية ضد الدولة والشعب التركي، لأنه يصر على استرجاع شخصيته الإسلامية، وبناء شخصيته الحضارية والإنسانية.
ومن الغبن أن نتجاهل تأثير الأحداث في البلاد العربية على موقف عموم الشعب التركي من الحزب الحاكم؛ حزب العدالة والتنمية، فما جرى في مصر قد أثر بشكل خطير على شعبية الحزب، وما يجري في ليبيا يجد ارتداده على حياة الناس في تركيا، ولاسيما أن حزب العدالة والتنمية لم يغب عن الساحة العربية، وظل موجوداً في قلب الحدث، مدركاً أن حدود تركيا السياسية لا ترسمها الجغرافيا، وإنما توثقها كتب التاريخ، لذلك، فإن ما يجري من أحداث عنيفة في كل من سوريا والعراق أثر بلا أدنى شكل على مزاج الشعب التركي، ولاسيما أن طول أمد الاقتتال الداخلي، قد أثر على اقتصاد تركيا بشكل مباشر، وأثر اجتماعيا وسياسياً على قسم كبير من الشعب التركي؛ الذي ينتظر نتائج الحرب الدائرة على حدوده التاريخية والجغرافية.
إضافة لما سبق، فقد تعرضت تركيا ممثلة بحكومة حزب العدالة والتنمية إلى حملة تشكيك خطيرة في السنوات الماضية، وتكفي الإشارة هنا إلى المؤامرة التي نسجت خيوطها من داخل أمريكا جماعة فتح الله كولن، حيث عمدوا إلى طعن تركيا من الداخل، ولا يمكن أن نغفل في هذا المقام دور أولئك العلمانيين المتضررين من نجاح التجربة الإسلامية، وهي تنهض مع تركيا على حساب أفكارهم، زد على ذلك ما للإعلام الصهيوني من تأثير سلبي على حياة الشعب التركي، وقد أفصحوا عن ذلك بلسان عبري، وأعربوا عن قلقهم الواسع من مستوى النجاح الباهر الذي حققه الحكم الإسلامي في تركيا، والذي اتسع مداه حتى وصل إلى حد الاشتباك اللفظي، حين اتهم اردوغان رئيسهم الإسرائيلي شمعون بيرس بالإرهاب أثناء انعقاد مؤتمر دافوس، وما تلى ذلك من محاولات شعبية تركية لفك الحصار عن غزة، وما نجم عنها من اشتباكات عنيفة، وارتقاء شهداء أتراك فوق ظهر سفينة مافي مرمرة.
كان تعليق اليهودي شمعون بيرس على نتائج الانتخابات التركية خير دليل على كراهية اليهود لحزب العدالة والتنمية، وبالتالي هو خير دليل على مدى عشق الشعب الفلسطيني للسياسة التي ينتهجها حزب العدالة والتنمية إزاء قضايا الأمة العربية والإسلامية، لقد فرح شمعون بيرس لعدم حصول حزب العدالة والتنمية على النسبة المطلوبة لتشكيل الحكومة بشكل منفرد، وقال بمفهومه العنصري: كانت تركيا في طريقها لأن تصير إيران أخرى في المنطقة، وأن يكون لها زعيم روحي آخر مثل إيران، ولكن ذلك انتهى مع ظهور نتائج الانتخابات التركية.
د. فايز أبو شمالة