كان نتنياهو قد القي خطابا سياسيا يحدد فيه برنامج حكومته وافاق حل الصراع بالشرق الاوسط في جامعة بار ايلان حزيران 2009, وفي الخطاب بالطبع تحدث نتنياهو بالقول الفصيح عن مستقبل الصراع مع الفلسطينيين واقر بحل الدولتين , لكنه بعد سته سنوات وفي خضم المعركة الانتخابية قال انه يتوجب على الفلسطينيين ان ينسوا بالمطلق اقامة دولة فلسطينية وقال ان القدس تبقي مدينة موحدة ولا يمكن تقسيمها , اليوم وبعد ان تربعت الحكومة اليمينة المتطرفة الرابعة لنتنياهو اخذ يوهم الجميع بأنه تدارك خطأه بالتصريحات التي اغضبت واشنطن والاتحاد الأوربي والامم والمتحدة وقال ان ايدينا ممدودة الي السلام مع الفلسطينيين دون ان يحدد طبيعة السلام الذي يقصده نتنياهو ,وقال انه على استعداد للتفاوض اليوم قبل غدا حول مستقبل الكتل الاستيطانية في الضفة الغربية , نتنياهو لم يتحدث عن برنامج حكومته السياسي ازاء ازمة الصراع سواء امام حكومته ولا امام الاعلام , ولم يتحدث عن امكانية التفاوض لتطبيق حل الدولتين ولم يحدد الاسس التي يمكن ان يتحقق على اساسها هذا السلام والجميع يعي ونتنياهو يدرك تماما انه لا سلام دون دولة فلسطينية على حدود العام 1967 ولا دولة فلسطينية دون القدس الشرقية عاصمة لهذه الدولة.
الجديد في محاولات نتنياهو ايهام العالم انه يرغب بالتفاوض مع الفلسطينيين لإنهاء الصراع قيامه بإرسال رسائل متطابقة الى الرئيس ابو مازن بوساطة ثلاث وزراء خارجية اوروبيون يطالبهم اقناع الرئيس ابو مازن بالموافقة على لقائه في القريب العاجل دون ان يحدد نتنياهو بالطبع كعادته اهداف اللقاء والملفات التي يمكن ان تطرح على طاولة اللقاء وما يمكن لإسرائيل ان تقدمه لإعادة الثقة لجميع الاطراف بانها دولة تسعي لسلام حقيقي يمكن الشعبين من العيش بسلام دون مزيد من الويلات والحروب التي ارهقت المنطقة وكانت سببا في بقاء حالة الكراهية لليهود بالعالم وسببا في حالة الافراط الايدلوجى الكبير التي تسود منطقة الشرق الاوسط اليوم تنذر بتغير الخارطة الجيوسياسية لكثير من الدول العربية .
واشنطن من طرفها تحاول في الربع ساعة الاخيرة لإدارة اوباما ان تعقد جولة تراضي على المفاوضات بين الطرفين الفلسطيني والاسرائيلي لكن يبدو ان محاولات واشنطن هي محاولات بائسة اكثر من كل مرة لأنها تحاول فقط من اجل أن تسجل في سجلاتها السياسية بقاء ملف منطقة الشرق الاوسط على الطاولة الرئيسية بالبيت الابيض ,وقد سربت بعض المعلومات أن مسؤولا امريكيا كبيرا سيزور المنطقة الاسابيع القادمة لبحث امكانية دفع عجلة السلام التي تتراجع بفعل السلوك السلبي الامريكي والسلوك الاسرائيلي الاستيطاني التهويدي المتطرف , لقد بات واضحا أن اي مساعي امريكية غير جوهرية تتناول متطلبات السلام القادم تفهم على انها محاولات امريكية لإبقاء طريق الالتقاء بين الطرفين الرئيسيين في الصراع سالكة وغير مغلقة تماما .
لقد باتت كل اوراق نتنياهو واوباما مكشوفة ولا تقدم شيئا لعملية السلام فهي اوراق بائسة و غير فاعلة وانتهت صلاحية ما جاء فيها من مبادئ لان الممارسة الاسرائيلية على الارض تقول هذا بل وتقول اكثر من هذا لان السلوك الاسرائيلي الرسمي خلال العشر سنوات الماضة بدأ واضحا في عدم رغبته بحل الصراع على اساس حل الدولتين ومباردة السلام العربية و قرارات الشرعية الدولية , ولا اعتقد أن اي تصريحات لنتنياهو او حتى اوباما اتجاه احداث تغير في الموقف المتشابهة بين الطرفين يمكن أن يأخذ على محمل المسؤولية والجد لان الطرفان قتلوا الثقة في اي موقف يعلنوه من جديد ,فنتنياهو اضاع الفرصة الاخيرة بالمراوغة وعدم تقديم شيء حقيقي على الطاولة واوباما اعتبر ما يجري على طاولة المفاوضات شاشة سينما لا يمكنه التدخل او ادخال اي مشاهد جديدة بالرغم من بعض المواقف الخجولة للتحدث عن إمكانية حل الدولتين .
في هذه الحالة التي دمر فيها الطرفان ثقة الفلسطينيين بهم وبأي مواقف جديد يطرحوه بعيدا عن القبول بأسس إنهاء الصراع لم يبقي امام الفلسطينيين الا الاستمرار في النضال الدبلوماسي والاسراع بمشروع إنهاء الاحتلال بقرار من مجلس الامن واعادة اسرائيل الى الطاولة الدولية لتدفع الحقوق وتتخلي عن الاحتلال برعاية دولية ومشاركة حقيقية من كافة الكتل المركزية بالعالم , وفي هذه الحالة لابد من سعي الفلسطينيين اعتماد استراتيجية فعالة تعمل على الدفع باتجاه اجبار الإسرائيليين والامريكان على التماشى مع كل المواقف الدولية الداعية الى تطبيق حل الدولتين والقبول بإنهاء الاحتلال و سحب قوات الاحتلال من كل مناطق الضفة الغربية و القدس الشرقية والتفاوض حول الية اقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وكيفية تحقيق كل عناصر السيادة السياسية والاقتصادية لهذه الدولة .
د. هاني العقاد
[email protected]