"تسونامي" المقاطعة يضرب بإسرائيل

بقلم: غازي السعدي

إسرائيل تعتبر المقاطعة التي تتعرض لها، والتي تقودها "الحركة لمقاطعة إسرائيل"، المعروفة بـ "B.D.S" ومركزها فرنسا، ليس فقط أنها تهدد شرعيتها، بل أنها تشكل تهديداً لوجودها، حيث تبدي الأوساط الإسرائيلية قلقاً متزايداً، من الحراك الفعال والمتزايد لحملة مقاطعة إسرائيل، التي ستقود إلى سحب الاستثمارات وفرض العقوبات على إسرائيل، وما يزيد من قلقها قرار شبكة "أوليمبيا" الأميركية، وشركة "أورانج" الفرنسية العالمية، وغيرهما من الشركات الانضمام لحملة المقاطعة هذه، الأمر الذي استوجب عقد جلسة للحكومة وأخرى للكنيست، للبحث في هذا الوضع الخطير، الوزير "جلعاد أردان"، خلص إلى القول أن إسرائيل ستقاطع من يقاطعها، وأنها ستحارب "الحركة لمقاطعة إسرائيل"، التي تقود حركة المقاطعة، كما عقد اللوبي الإسرائيلي-الأميركي جلسة للبحث في تدهور العلاقات الأميركية-الإسرائيلية، التي أصبحت في الحضيض، متهمين "نتنياهو" أنه يخاطر بأمن إسرائيل، نتيجة لسياسته، وأن حملة المقاطعة –حسب المصادر الإسرائيلية- خطيرة جداً، ولها نتائج سياسية واقتصادية سلبية عليها، وهناك مخاوف من قيام شركات كبيرة بمقاطعة إسرائيل، وبدلاً من استخلاص العبر والبحث في الأسباب التي أدت إلى هذه المقاطعة، أبلغ رئيس الوزراء "نتنياهو" وزير خارجية ألمانيا أثناء زيارته الأخيرة لإسرائيل في الأسبوع الماضي، أن شروط إقامة الدولة الفلسطينية غير متوفرة، وأنه دون سيطرة إسرائيل الأمنية على الضفة الغربية، فلن يكون هناك أي اتفاق سلام مع الفلسطينيين، رافضاً مرة أخرى مبادرة السلام العربية.

حركة "B.D.S" لمقاطعة وسحب الاستثمارات من إسرائيل، وفرض العقوبات عليها، تأسست عام 2005 في فرنسا، للحث على مقاطعة البضائع والسلع الإسرائيلية، ويقودها الناشط المغربي "سيون أسيدون"، بمشاركة مواطنين من خلفيات وجنسيات مختلفة، لشرح الأسباب التي لأجلها قامت هذه الحركة وبحملتها الدولية لفرض عقوبات على إسرائيل، والضغط عليها، لإنهاء احتلالها للأراضي الفلسطينية، وإلى تفكيك جدار الفصل العنصري، وإجبارها على الاعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني، واحترام حقوق اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى ديارهم، ففي عام 2009، دعت فرنسا العديد من المنظمات الفرنسية إلى سحب الاستثمارات عن المستوطنات الإسرائيلية، وإلى تطبيق العقوبات على العديد من الشركات، التي تدعم إسرائيل وتتعامل معها، كذلك في بريطانيا حين صوتت رابطة الأساتذة الجامعيين لمقاطعة جامعتي حيفا وبار إيلان الإسرائيليتين، فإذا كانت إسرائيل تعتمد على قوتها العسكرية لفرض الأمر الواقع على الفلسطينيين، فإن الفلسطينيين وبمناصرة منظمات وشعوب العالم، يعتمدون في نضالهم على الحق والعدل وحرية الشعوب في تقرير المصير.

إن المقاطعة الأوروبية للمعرض العسكري الذي أقيم في إسرائيل مؤخراً، اعتبر مساً بقدرة الجيش الإسرائيلي، فالحلقة تشتد على رقبة إسرائيل، بعد أن أعلنت شركة "أورانج"العملاقة مقاطعة إسرائيل، حيث اعتبر قرارها صفعة عنيفة بفك ارتباطها بشركة "بارتنر" الإسرائيلية التي تعمل في المستوطنات، وهناك مقاطعة من قبل شركات أوروبية أخرى، كما طالت المقاطعة الجامعات الإسرائيلية، مما دفع برؤساء هذه الجامعات طلب المساعدة بوقف المقاطعة الأكاديمية عنها، كما أن مجلات علمية دولية امتنعت عن نشر مقالات وأبحاث إسرائيلية، ويرفض محاضرون وأساتذة أجانب المشاركة في مؤتمرات علمية في إسرائيل، فهذه المعارضة الأكاديمية، اعتبرت في إسرائيل كارثة علمية واقتصادية، كما أن الزراعة والصناعة الإسرائيليتين تضررتا من هذه المقاطعة، محذرة إسرائيل من موجة التهديدات بمقاطعتها، فاستمرار الاحتلال للأراضي الفلسطينية، يجلب عليها مقاطعة وعقوبات لا يمكن لإسرائيل تحملها، فهذه الجبهة الجديدة بقيام منظمات في عشرات الدول الغربية بفرض العقوبات ضد سياسة الاحتلال الإسرائيلي، ومناصرتهم للحق الفلسطيني، بإقامة دولتهم المستقلة مستمرة.

في مقابلة القناة الثانية للتلفزيون الإسرائيلي مع الرئيس الأميركي "باراك أوباما" بتاريخ "2-6-2015" قال أن الولايات المتحدة، ستجد صعوبة في الدفاع عن إسرائيل، في الأمم المتحدة ومجلس الأمن لأن الإحساس-حسب الرئيس الأميركي- بأن "نتنياهو" غير ملتزم بحل الدولتين، ومستمر في البناء الاستيطاني، وأن العالم لا يصدق جدية إسرائيل بحل الدولتين، وأن "نتنياهو" –حسب الرئيس الأميركي- يضع شروطاً تعجيزية وغير منطقية، لكن "أوباما" لم يشر إلى استعمال"الفيتو"من عدمه في مجلس الأمن، أما "نتنياهو" فقد وجه التعليمات لوزرائه بالامتناع عن التعقيب على أقوال "أوباما"، أما جريدة "معاريف" عقبت على المقابلة، بقولها أن كل رجال الرئيس "أوباما" يتحدثون عن "نتنياهو" بشكل سلبي، وعن عدم مصداقيته، ولا يمكن الثقة به.

الضغوط على إسرائيل تتزايد، فإن خمسة وزراء خارجية أوروبيين يعتزمون زيارة إسرائيل، ضمن حملة أوروبية للضغط عليها، ودفع المفاوضات الإسرائيلية-الفلسطينية إلى الأمام، ورئيس الوزراء الإسرائيلي السابق "أيهود باراك" في مقابلة له مع إذاعة الجيش الإسرائيلي "28-5-2015" دعا إلى انسحاب أحادي الجانب من الضفة الغربية، وفك ارتباط إسرائيل معها وصفها بالخطوة الإيجابية، وجاء في مقابلته أنه يعلم من الذي سيرث الرئيس الفلسطيني، بدلاً من "عباس" المعتدل، لكن دعوة "باراك" لن تكون مقبولة فلسطينياً بإبقاء الأغوار والقدس الشرقية بيد إسرائيل مقابل إقامة الدولة الفلسطينية، وحسب الوزير "زئيف الكين"، فإن "نتنياهو" يؤيد حل الدولتين مع شروط واضحة منها: الاعتراف بيهودية الدولة، لا مفاوضات حول القدس الشرقية، ضم أراضي الأغوار لإسرائيل، أو على الأقل بقاء سيطرة عسكرية إسرائيلية في الأغوار، دولة منزوعة السلاح، سيطرة إسرائيل على الأجواء، لا لإعطاء الفلسطينيين أراضي داخل الخط الأخضر، مقابل ضم الكتل الاستيطانية لإسرائيل، أما موقف "نتنياهو" المعلن فمازال على حاله، بقوله في كل مناسبة، أنه على استعداد للتفاوض ومناقشة جميع المواضيع حتى في هذه الحكومة اليمينية، إنه مراوغ ويعمل على شراء الوقت، حتى أن وزير الخارجية السابق "افيغدور ليبرمان"، وصف "نتنياهو" بأنه بطل ومتلون في تغيير مواقفه، وفقاً للمكان والزمان الذي يطرح به مواقفه.

الضغوط تنهال على إسرائيل، ووسائل الإعلام الإسرائيلية تحذر من كارثة قادمة، ورئيس الدولة "ريفلين" يرى أن إسرائيل تتعرض لتهديد وجودي، ومحكمة الجنايات الدولية تستقبل الدعوة الفلسطينية ضد المستوطنات، وبينما تعتبر جهات إسرائيلية رسمية أن ما تتعرض إليه إسرائيل، من مقاطعات أوروبية، ناجم عن فشل إعلامي إسرائيلي، وفشل في شرح السياسة الإسرائيلية للعالم، فهذا التبرير ليس حقيقياً، بل أن سبب الفشل يتعلق بسياسة الحكومة من القضية الفلسطينية، ومن الاستيطان، ودون تخلي إسرائيل عن هذه السياسة، والاعتراف بالحقوق الفلسطينية، وإنهاء الاحتلال، فلن تنجح أي حكومة إسرائيلية، وأي إعلام إسرائيلي، بالتأثير على الرأي العام العالمي، خاصة الأوروبي، في أعقاب السياسة العنصرية التوسعية الإسرائيلية، التي شرعت نحو (50) قانوناً عنصرياً ضد الشعب الفلسطيني، والممارسات العنصرية داخل وخارج الخط الأخضر، وحسب "معاريف 21-5-2015"، فإن النقاشات الدائرة في الغرف المغلقة، والتي يشارك فيها خبراء من أجهزة الأمن والجيش، أنه في غياب أفق سياسي، فإن الإحباط وانعدام الأمل أمام الفلسطينيين، سيضاعف احتمال الانفجار في وجه إسرائيل في يوم من الأيام، وجاء في جريدة "هآرتس 21-5-2015"، أنه حتى لو ظهر للرئيس الفلسطيني رؤية إلهية، يقع في عشق الحركة الصهيونية، ويعترف بالدولة اليهودية وبجميع الشروط الإسرائيلية، فإن جواب "نتنياهو" سيكون ..... لا، وأن الصورة حسب هآرتس أسود من السواد، وفي غياب المسيرة السلمية، ستتفاقم أزمة إسرائيل في العالم، فالسلام معطل، مع بقاء احتفاظ إسرائيل بالأراضي المحتلة، فإسرائيل تدفن مسيرة السلام، إن كان هناك أصلاً مسيرة سلام، مع أن "نتنياهو" يعترف بأن إسرائيل تتعرض لـ "تسونامي" سياسي ودبلوماسي، إضافة لتصاعد الأزمة الإسرائيلية المتوترة مع دول العالم، وقاد الهجوم الإسرائيلي الواسع على حركة المقاطعة لعقد جلسة طارئة للكنيست للبحث في أزمة المقاطعة، لكن كل ذلك لن يقود لخروج إسرائيل من أزماتها، في ظل ثبات الموقف الفلسطيني المتمسك بثوابته وبالشرعية الدولية.

إسرائيل لا تريد استخلاص العبر، من الضغوط العالمية لإنهاء احتلالها، ولا تريد استيعاب وفهم رسالة الحركة العالمية لمقاطعتها، وتكتفي باتهام الداعين للمقاطعة باللاسامية، ضدها، والدولة اليهودية، بينما قلة من الإسرائيليين يتفهمون لرسالة المقاطعة، فإذا سبق أن أسقط العالم العربي المقاطعة المعلنة ضد إسرائيل، فإن المقاطعة هذه المرة تأتي من قبل الأوروبيين، ومع كل عنصرية وممارسات إسرائيل التي يرفضها العالم، فإنهم ما زالوا يزعمون بأن إسرائيل الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط، لكن هذه المقولة أكل عليها الدهر وشرب، ولم يعد أحد يقبل بها.

بقلــم/ غازي السعدي