لم يكن بإستطاعة الرحالة "إبن بطوطة" أن يواصل رحلته الاستكشافية في البلاد القريبة والبعيدة عن موطنه "المغرب" دون التقرب من الحكام والملوك والسلاطين الذين حل ضيفاً عليهم والإستعانة بهباتهم، ولا يعرف على وجة الدقة إن كان قد زار بالفعل كل الدول التي جاء على ذكرها في كتابه "تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار"، أم أنه اكتفى بما سمعه عن البعض منها، لكن المؤكد أنه حط رحاله في الكثير من دول المعمورة، وهو الذي دفع جامعة كامبريدج العريقة لمنحه لقب "أمير الرحالة"، المهم أن إبن بطوطة لم ينقل لنا وصفاً جغرافياً للدول التي نزل بها بقدر ما نقل لنا عادات وتقاليد المجتمعات التي عاش بينها اثناء رحلته التي استمرت 27 سنة، وهو ما جعل من كتابه قيمة تاريخية، وتحولت رحلته إلى كنز معرفي تنهل من معينه الأجيال المتعاقبة.
ما يعنينا هنا أن المصالحة الفلسطينية أخذت عن إبن بطوطه الترحال من دولة إلى أخرى، كانت القاهرة محطتها الأولى، حيث استضافت فنادقها جلسات الحوار الماراثونية، ولم تبخل القاهرة في فتح فنادقها من فئة الخمسة نجوم أمام الوفود المشاركة صغيرها وكبيرها، وتعطل اتفاق القاهرة بين الإستدراكات والملاحظات، إلى أن خرج للنور لاحقاً دون أن يتمكن من الوقوف على قدميه، غادرت المصالحة القاهرة لتحط رحالها في مكة، وعلى مقربة من البيت الحرام تم الاتفاق على تنفيذ ما تم الاتفاق عليه، اتفقنا ولم نكد نلتقط أنفاسنا حتى عادت ريما إلى عادتها القديمة، واخذت المصالحة حقيبة سفرها وطافت بلدان، وصلت إلى قطر على متن رحلة خاصة، اتفقنا وبقي هناك ما اتفقنا عليه.
قبل ذلك وبعده حلت المصالحة ضيفاً على العديد من الدول، مكثت في ربوعها أيام عدة قبل أن تعود إلينا بقرص مهديء مفاده أن اللقاءات كانت إيجابية ومثمرة وبناءة، كان للسنغال نصيب منها، وكذلك فعلت سوريا واليمن والسودان، وطرقت العديد من الدول باب المصالحة من بينها تركيا والمغرب، فيما أبدت دول أخرى رغبتها في تكون الحاضنة لها، وبعد ترحال أنفقنا فيه الكثير بجانب هبات الإستضافة، عدنا إلى الشاطيء كي نتفق على تنفيذ ما اتفقنا عليه في القاهرة، وانبثقت عنه حكومة الوفاق التي باتت حركتها تحكمها قاعدة خطوة إلى الأمام وأخرى إلى الخلف، وغاصت عجلات المصالحة في لغز أيهما يأتي أولاً تسليم المعابر أم حل مشكلة موظفي غزة.
عادت المصالحة من جديد تستشرف فوائد السفر والترحال، فذهبت إلى بيروت عل لبنان التي لم تتمكن من حل مشكلة رئيسها نجد عندها الفانوس السحري الذي نحلم به، لم تعد المصالحة تروق لها الرحلات القصيرة للدول العربية المحيطة بنا، باتت تطمع في رحلات إستكشافية إلى ما وراء النهر، ولا شك أن "الكرملين" يحمل من قوة الجذب السياحي ما يتفوق به عن غيره، فهل ستكون وجهة المصالحة القادمة روسيا؟، إن كانت المجتمعات تعتمد في مسيرتها على استخلاص العبر من تجاربها وتجارب الآخرين على إعتبار أن الحياة بالأساس مجموعة من التجارب، إلا أن الواضح أن المصالحة في ترحالها بين الدول لم تنقل لنا شيئاً من تجارب الآخرين كما فعل إبن بطوطة، واكتفت دوماً بصورة وإبتسامة وإتفاق على ما تم الاتفاق عليه.
بقلم/ د. أسامه الفرا