المقاطعة بين الشكل والمضمون

بقلم: أسامه الفرا

بعد إجتماعه بكبار المسئولين الأمنيين والقضائيين، قرر رئيس حكومة الاحتلال رصد مائة مليون شيكل لمحاربة المقاطعة على إسرائيل الآخذة بالإزدياد، ومن المرجح أن يتم مضاعفة المبلغ لاحقاً، ويدرس رئيس حكومة الاحتلال تعيين مستشار خاص للشؤون القضائية المتعلقة بالمقاطعة، في الوقت الذي إعتبر العديد من قادة الاحتلال أن المقاطعة بمثابة كرة ثلج تتدحرج، وهو الذي دفع وزارة خارجية الاحتلال لوضع التصدي لحملة المقاطعة على رأس سلم أولوياتها، وبطبيعة الحال بدأت اسرائيل بتشغيل اسطوانتها المشروخة بتوجيه اتهام معاداة السامية لكل من ينادي بمقاطعة اسرائيل.

رغم أن قرار المقاطعة العربية جاء قبل تأسيس دولة اسرائيل، وحددت لاحقاً جامعة الدول العربية المقاطعة بتصنيفاتها الثلاث، إلا أن المقاطعة العربية على مدار عقود عدة لم تأت بنتائج ملموسة، وتحول مكتب المقاطعة المركزي التابع للجامعة العربية وفروعه في الدول العربية إلى مكاتب جل همها صياغة تقرير بذات المفردات والعبارات، والحقيقة أن المقاطعة العربية لم تشكل يوماً ما ضغطاً على إسرائيل بقدر ما استفادت الأخيره منه في تقمص دور الضحية في بحر العداء العربي لها، حيث تمحورت المقاطعة العربية على الشق الاقتصادي الذي بقي دون تأثير يذكر، فيما المقاطعة السياسية تمثلت في عدم الإلتقاء بقادة الاحتلال، وأكثرها تقدمية تمثل في خروج الوفود العربية من قاعة المؤتمرات لحظة إلقاء قادة الاحتلال لمداخلاتهم فيها.

اليوم المقاطعة التي بدأت تؤلم دولة الإحتلال اختلفت شكلاً ومضموناً عن المقاطعة العربية، المقاطعة التي تقودها المجتمعات الأوروبية تشمل مناحي عدة، بدءاً بالجانب الثقافي حين وقعت أكثر من ألف مؤسسة ثقافية بريطانية على التزامها بمقاطعة دولة اسرائيل، لم تلبث دول أخرى أن سارت على نفس الطريق، وكذلك فعل الأكاديميون وإتحاد الطلاب، وطالبت أحزاب ومؤسسات أوروبية قيادة الإتحاد بتجميد اتفاقية التجارة الحرة مع اسرائيل، فيما إمتنع عمال موانيء في أمريكا عن تفريغ سفن اسرائيلية.

لكن يبقى القرار الأهم في المقاطعة هو نية الاتحاد الأوروبي بوضع علامات على البضائع المصنوعة في المستوطنات، وهو ما عبرت عنه صراحة وزيرة خارجية الإتحاد الأوروبي "فيدريكا موغيريني" في اجتماعها الأخير مع وزراء خارجية دول الإتحاد الأوروبي، حيث من المفترض أن يدخل حيز التنفيذ في الفترة القريبة القادمة، الملفت أن حراك مقاطعة اسرائيل وإن بدأ من خلال مؤسسات المجتمع المدني في دول الإتحاد الأوروبي إلا أنه بات يشكل اليوم ضغطاً على مؤسسات صناعة القرار، وفي ذات الوقت أخذت مساحته تتسع إلى دول خارج منظومة الاتحاد الأوروبي من الصين شرقاً إلى الولايات المتحدة الأمريكية غرباً.

المقاطعة بوجهها الجديد لم تضع الشق الإقتصادي محوراً لها وإن حاولت أن تبني عليه، لكن البعد الأخلاقي في المقاطعة يؤرق إسرائيل أكثر من شقه الإقتصادي، فهو وإن أخفقت الأمم المتحدة عن وضع اسرائيل على قائمة العار، فالواضح أن المقاطعة الدولية لدولة الإحتلال يفرض حصاراً أخلاقياً وقانونياً عليها، ويضعها في المكانة الطبيعية لها بإعتبارها المجرم لا الضحية.

بقلم/ د. أسامه الفرا