2 مليار دولار خسائر اقتصاد غزة بسبب انقسام طيور الظلام !!

بقلم: حسن عطا الرضيع

بعد مرور ثمانية سنوات على الانقسام السياسي الفلسطيني, لا زالت تلك اللحظات التي شهدتها شوارع قطاع غزة في الرابع عشر من يونيو للعام 2007 شاهدة وحاضرة على أسوأ ما مرت به القضية الفلسطينية , وتحديداً مع هذا الانقسام الذي آل إلى شبه انفصال تام ما بين قطاع غزة والضفة الغربية, ذلك الانفصال الذي باتت وكالات الأنباء المحلية والدولية تتداوله وترسخه إعلامياً حين تذكر مصطلح الشعب الغزي والحكومة الغزية, ومع التحولات الكبيرة التي جرت بالقطاع خلال تلك المرحلة, فإنها تدلل على أن السبب الرئيسي للانقسام هو الصراع على تقاسم الثروة والسلطة وبالتالي فلم يكن هناك طرفي للانقسام, وإنما طرفاُ واحد حيث أن كلاهما يحمل نفس البرنامج السياسي والاقتصادي, ويسعى للاستحواذ والسيطرة ورفض الأخر وعدم قبول الرأي حتى لو كان مقالاً علمياً أو تصريحاً صحفياً أو تغريدة عبر مواقع التواصل الاجتماعي الفيس بوك, سنوات ثمانية عجاف لم يرى أهالي قطاع غزة خلالها أ ي سنوات سمان, وإن وجدت فإنها ذهبت لحفنة صغيرة من المستفيدين والمتنفيذين سواء بغزة أو الضفة وتحديداً في الفترة 2012-2009 حيث شهدت غزة رواجاً كبيراً في تجارة التهريب عبر الأنفاق (المعابر الأرضية) مع جمهورية مصر العربية, وفي الضفة الغربية تزايدت المنح والمساعدات الخارجية وعشرات المشاريع الاقتصادية على حساب قطاع غزة بما في زيادة برامج التوظيف في القطاع الحكومي, مجمل تلك السنوات تعبر عن ضياع حقوق وآمال 1,8 مليون نسمة في قطاع غزة, حيث عانت كل أسرة فلسطينية من الويلات والآثار السلبية للانقسام سواء من خلال ارتفاع في أسعار السلع والمنتجات ومنها العقارات وإيجار الشقق, أو من خلال فقدان السلع الضرورية من الأسواق كغاز الطهي والوقود, أو من خلال ارتفاع معدلات البطالة وأزمة الكهرباء والمعابر, وتردي الأوضاع الصحية وارتفاع معدلات الجريمة والعنوسة والطلاق وعمالة الأطفال وليس أخيراُ ضرائب التكافل الاجتماعي( تُفرض على الفقراء لتمول الأغنياء) ذات الأثر الأكثر سلباً على جميع المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية , وعند تتبع المؤشرات الاقتصادية لقطاع غزة في الفترة 2014-2007 فإنه يتضح أن اقتصاد غزة قد فقد وخسر قرابة 2 مليار دولار بسبب الانقسام, وهذه الخسارة تساوي إجمالي الناتج المحلي لقطاع غزة في الوقت الراهن, وتزيد عن مجمل الخسارة التي حققها الاقتصاد الغزي أبان سنوات الانتفاضة الفلسطينية الثانية 2005-2001م رغم ضراوتها وتأثيراتها الكبيرة على الواقع الاقتصادي والمعيشي, حيث أن النمو في اقتصاد غزة قد اقترب من 5,4% في سنوات ما قبل الانقسام وفي ظل الانقسام تراجع كمتوسط سنوي إلى 1.3% أي أنه قد فقد قرابة 3,4% من النمو سنوياً, إضافة إلى تزايد عدد العاطلين عن العمل من 81,000 عام 2007 إلى قرابة 230 ألف في نهاية العام 2014, أي هناك تزايد سنوي بحدود 18,000 شخص, ومع افتراض أن تكلفة العمل الواحدة تتراوح ما بين 12-8 ألاف دولار سنوياً فإنه لخفض معدلات البطالة والبالغة 43% نهاية العام 2014 إلى المستوى الطبيعي وهو 5% فإن ذلك يحتاج لاستثمارات تفوق الناتج المحلي الإجمالي ( أي نمواً يفوق 20 ضعف النمو الاقتصادي الطبيعي في قطاع غزة, أي نحتاج لمعدل نمو يزيد عن 26% سنوياً) وهذا يعكس الاختلال البنيوي الكبير في الاقتصاد بقطاع غزة واتضح ذلك أكثر مع إغلاق الجيش المصري للأنفاق المنتشرة بين غزة ومصر في يونيو 2013, حيث اُعتبرت ظاهرة الأنفاق على الحدود بين قطاع غزة وجمهورية مصر العربية ظاهرة نادرة الحدوث من الناحية الشكلية , إلا أن تجلياتها وتوصيفها على أرض الواقع ليس بالمسألة النادرة, ذلك أن اقتصاد الأنفاق كنشاط اقتصادي غير منتج يقع في خانة النشاطات الاقتصادية الناقلة للثروة( خالقاً لها وليس منشئاً لها) وميدانها الرئيسي هو التبادل, وبالمعنى المشار إليه فهذا النوع هو عبارة عن مجموعة من الأنشطة الطفيلية لشريحة اجتماعية معينة يجمعها والسلطة القائمة –سلطة الأمر الواقع في قطاع غزة- شؤون مصلحيه متبادلة؛ وكاقتصاد ريعي لا يضيف قيماً اقتصادية جديدة للمجتمع, فقد ترسخت مفاهيمه النظرية والعملية في ظل غياب منظومة قانونية وتشريعية واقتصادية سوية, فتطورت فيه آليات الفساد في التأويل والتفسير-أي كأنه يساهم في حل إشكالات اقتصادية واجتماعية, ونجم عنه تزايداُ كبيراً في شبكات اقتصاديات الظل والسوق السوداء والاقتصاد الموازي وتضخم الثروات لفئة محدودة للغاية.
حيث قام اقتصاد الأنفاق بنقل الثروة - الأموال- بغض النظر عن مصدر الحصول عليها وفي الغالب ليس مصدراً ناجماً عن جهد إنساني هادف ؛ من قطاع غزة إلى مصر وباتجاه واحد, بغرض استيراد سلع وخدمات قد تكون ضرورية وقد لا تكون, وهنا وعوضاً عن استثمار هذه الأموال في نشاطات اقتصادية منتجة ومولدة للقيمة كالصناعة والزراعة ومساهمتها في الحد من معضلتي البطالة والفقر, فإن ما يجري هو نقل عكسي لموارد قطاع غزة, وعودة هذه الموارد – الأصول المالية- وعلى شكل سلع وخدمات بغرض بيعها في السوق المحلي, وجني وتقصية الأرباح لصالح الرأسماليين الجدد, أو ما يمكن تسميته برأسمالية المحاسيب / زواج المال والسلطة / .
وتعتبر البطالة المشكلة الرئيسية التي تفاقمت وارتبطت بالانقسام السياسي والتي يعتبر حلها أولوية بعد إنهاء الانقسام وتجفيف منابع استمراره , ونظراً للخصوصية التنموية في قطاع غزة, ومع تفاقم المشكلات الاقتصادية وتراجع مستويات النمو والتنمية, وعلى الرغم من تعدد البرامج الحكومية المنتهجة للحد من درجة الحرمان والفقر عبر تكثيف الجهود الرامية لتخفيف من حدة الفقر كبرامج الحماية الاجتماعية التي تنفذها وزارة الشؤون الاجتماعية, إلا أن ذلك لم يحد من تردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية, ويعود ذلك لعدم الاهتمام بالأبعاد التنموية لتلك السياسات, وبناءاً على ذلك فإنه للحد من معضلة البطالة في قطاع غزة كوسيلة للنهوض بالاقتصاد, فإن ذلك يستلزم إعادة النظر في السياسات الاقتصادية المنتهجة في الأراضي الفلسطينية والتي تعتمد على اقتصاد السوق والذي أثبت بالأدلة الدامغة عدم مواءمته للاقتصاد الفلسطيني الذي لا يمتلك أدنى مقومات الاستمرار والعيش, ويتضح ذلك من خلال تراجع الإنتاج الزراعي والصناعي وتراجع حجم الإنتاج, وارتفاع مستويات الاستهلاك لحدود تفوق الإنتاج المحلي, والاعتماد المتنامي على قطاعات الخدمات بمفهومها الشامل, وعليه يمكن القول أن أهم المشاريع التي من الممكن أن تحد من مشكلة البطالة في قطاع غزة تكمن بالنقاط التالية:
1- الاستثمار في مشاريع البنية التحتية, كشق وإصلاح الطرق والأراضي , وتكثيف الاستثمار في مشاريع البناء والتشييد؛ حيث أن المؤشرات الراهنة تدلل على ذلك وتحديداً بعد العدوان الإسرائيلي الأخير المعروف بالجرف الصامد, حيث أنه وفقاً لبعض الدراسات أن حاجة قطاع غزة فقط للعام 2014 تصل إلى 70,000 وحدة سكنية , وأن هناك حاجة سنوية إلى 13,000 وحدة سكنية ؛ مع وجود زيادة طبيعة تقدر سنوياً بحوالي 6%, وستصل الحاجة في العام 2020م إلى حوالي 180,000 وحدة سكنية, وعليه فإن الاستثمار في هذا القطاع الحيوي والمرتبط ببدء إعمار قطاع غزة من شأنه أن يوفر الآلاف من فرص العمل .
2- تركيز الاهتمام بالتمويل الميكروي والذي يقوم على إقراض الفقراء والعاطلين عن العمل وإدخالهم بسوق العمل , ويمكن لتحقيق ذلك, اشتقاق الدروس من فلسفة التمويل الأصغر والتي يتسم بإقراض العاطلين عن العمل مبالغ مالية تكفي لإنشاء مشروع صغير , وبدون أسعار فائدة وبفترات سماح عالية نسبياً, ومن أبرز التجارب الناجعة في ذلك؛ هي التجربة البرازيلية والهندية ومحمد يونس ببنجلادش وعبد اللطيف جميل في السعودية وتجربة بنك ناصر الاجتماعي بمصر, ونظراً لارتفاع معدلات البطالة ووصول عدد العاطلين عن العمل في قطاع غزة لقرابة 195,000 شخص في نهاية العام 2014. وتعتبر تجربة البروفيسور محمد يونس في علاج البطالة وإدخال الفقراء والعاطلين عن العمل في سوق العمل الأكثر تناسباً للدول النامية بما فيها اقتصاد قطاع غزة ؛ رغم التباين الكبير في كلا البلدين, حيث بدأت التجربة البنغلادشية بإنشاء البروفسور محمد يونس بنك جرامين لإقراض الفقراء وتنمية المجتمعات الفقيرة في العام (1976) وتقديم قروض صغيرة للفقراء وخصوصا النساء لتمويل مشاريع متناهية الصغر لم تتجاوز 200 دولار في المجال الزراعي والمهن والتصنيع وبدون أي شروط وبدون ضمانات ولم يأخذ بعين الاعتبار توفر الجدارة الائتمانية للمقترض والتي غالبا ما تكون منخفضة جدا للفقراء ومحدودي الدخول الذين يفتقرون للإمكانيات المادية التي تساعدهم في إنشاء مشاريع تخرجهم من دائرة الفقر, وتقوم فلسفة محمد يونس على أن الفقراء يحتاجون القليل من المال ليصبحوا منتجين وفاعلين في مجتمعاتهم وبالتالي ينتقلوا من مستوى( دخل منخفض _ادخار منخفض _استثمار منخفض) إلى (دخل منخفض _توفير _ استثمار_ دخل أكبر(.
3- إنشاء مناطق صناعية في محافظات قطاع غزة, يمكن من خلالها توفير الآلاف من فرص العمل من جهة, والنمو في الإنتاج الصناعي كأهم مورداً للنمو الاقتصادي من جهة أخرى, وأن يكون إنتاج تلك المناطق كافياً ويلبي احتياجات قطاع غزة, وتحديداً في توفير السلع الضرورية من غذاء وملابس وبعض الاحتياجات التي يحتاجها المواطن الفلسطيني.
4- تنمية المخيمات الفلسطينية المنتشرة في قطاع غزة, عبر دعم وتقديم التسهيلات اللازمة لإنشاء عدداً من المشاريع الصغيرة, وتحديداً مشاريع المرأة كالأعمال النسوية والخياطة وتعليب المواد الغذائية وبعض المشاريع التي لها علاقة بالصناعة السياحية, وهذا من شأنه توفير مئات من فرص العمل في كل محافظة من محافظات قطاع غزة.
5- تفعيل الثورة البيضاء "المقاطعة الاقتصادية للمنتجات الإسرائيلية", وإتباع سياسات اقتصادية داعمة للمنتج المحلي, وتحديداً في بعض السلع والمنتجات التي يتميز بها القطاع الصناعي الفلسطيني, كصناعة النسيج والأحذية, والمواد الغذائية والأثاث وغيرها من المنتجات المحلية, وهذا من شأنه دعم وتنمية الاقتصاد في قطاع غزة.
6- إعادة النظر في موازنة السلطة الفلسطينية والتي تهتم بالأمن والقطاع الاجتماعي على حساب القطاعات التنموية, وذلك بزيادة حصة الزراعة والصناعة والبنية التحتية من الموازنة, وإعادة النظر بالسياسات الاقتصادية ككل, كزيادة دور القطاع العام, وتشديد الرقابة على الأسعار وعلى عمل الجهاز المصرفي ومؤسسات الإقراض المتخصصة والتي تلعب دوراً محدوداً في توفير فرص العمل .
7- توجيه المنح والمساعدات الخارجية لقنوات الاستثمار الحقيقي, بدلاً من تمويلها للعجز في الموازنة العامة الفلسطينية, والضغط على إسرائيل للاستفادة من موارد الأراضي الفلسطينية كغاز بحر غزة والثروات المادية في مناطق c بالضفة الغربية .
8- إنشاء بنك للفقراء وللتمويل الأصغر, ووزارة خاصة بتقديم التمويل اللازم للفقراء وللعاطلين عن العمل.
وتبقى تلك الحلول مؤقتة ومرهونة بالحل السياسي وإنهاء الانقسام وتحقيق الوحدة الوطنية وليس التوافق الوطني, ولكن لا زالت هناك حقائق على الأرض تعيق مثل تلك الحلول وهي : مشكلة انعدام الثقة التي بات جُل الغزيين يتمتعون بها , حيث انعدمت الثقة بكل الأحزاب السياسية القائمة سواء المتسببين بالانقسام أو اليسار أو حتى من ينتمون لجموع المثقفين, وعدم وجود حزب جماهيري اجتماعي يحمل عناوين الفقر والبطالة والأزمات الإنسانية للتعبير عن آهات وضحايا الانقسام, وسيطرة حكومة غزة السابقة على مقومات الحياة كتحكمها بالمعابر وفرص العمل والضرائب , وما يدلل ذلك هو أن تلك الأرقام الكارثية لم تحرك أحداً ومنها أن نسبة الطلاق في غزة في العام 2014 بلغت 17,9% وبلغت عدد الحالات 2627 حالة, في حين أن نسبة الطلاق ما قبل الدخول بلغت لنفس العام 40%, وأن معدلات الجريمة قد ارتفعت كانعكاس لتردي الأوضاع الاقتصادية كوجود 30 محاولة شهرياً للانتحار وسقوط 6 قتلي شهرياً , وارتفاع نسبة اللذين يعانون من انعدام الأمن الغذائي لقرابة مليون شخص وبنسبة فاقت أل 57% بعدما كانت في العام 2013م حوالي 800 ألف , إضافة لوجود قرابة 125 ألف عانس بقطاع غزة ومعاناة 15,000 طفل سنويا من أصل 55,000 من سوء للتغذية وغيرها والتي لا زالت ترتبط بآثار الانقسام في أعوامه الثمانية.

إعداد/ حسن عطا الرضيع
باحث اقتصادي_ غزة