اطمأنت إسرائيل على أمنها في الضفة الغربية؛ فقد سمحت لأصحاب الكسارات في الضفة الغربية باستخدام المواد المتفجرة؛ وسمحت لبعض الفلسطينيين من الضفة الغربية دخول إسرائيل بسياراتهم الخاصة، ومنحت عشرات ألاف التصاريح للعمال الفلسطينيين للعمل في المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية، وداخل إسرائيل نفسها، وسمحت إسرائيل للرجال فوق سنة 55، وللنساء فوق سنة 50 بدخول إسرائيل دون تصريح، وذكرت صحيفة يديعوت أحرنوت أن الإدارة المدنية الإسرائيلية قد أعدت سلسلة خطوات تهدف إلى تسهيل حياة الفلسطينيين في الضفة الغربية، وأن هذه الخطوات لم تقدم للفلسطينيين منذ تسعينات القرن الماضي، وحتى قبل انتفاضة الحجارة سنة 1987، وقد جاءت هذه التسهيلات تقديراً للهدوء النسبي الذي تعيشه الضفة الغربية بفضل التنسيق الأمني بين الطرفين.
فماذا وراء هذه التسهيلات التي أقرتها الإدارة المدنية الإسرائيلية للمواطنين في الضفة الغربية، والتي تجيء ضمن خطة سحرية لتطوير المنطقة؟
وهل أرادت إسرائيل أن تؤكد للمواطن الفلسطيني أن الإدارة المدنية الإسرائيلية هي صاحبة الكلمة العليا في الضفة الغربية، وأن السلطة الفلسطينية مجرد أداة من أدوات الحكم الإسرائيلي؟
هل أرادت إسرائيل أن تقول للفلسطينيين: ليس أمامكم إلا العيش بسلام تحت النظام الإسرائيلي والقوانين الإسرائيلية، ومن ضل الطريق فإن لدينا القدرة على التعامل معه؟
هل أرادت إسرائيل من وراء هذه التسهيلات إعداد العقل الفلسطيني لتقبل العيش ضمن حياة المجتمع الإسرائيلي، دون التطلع إلى دولة مستقلة لم يعد لها مكان على الأرض؟
هل أرادت إسرائيل أن توصل رسالة أمنية إلى سكان قطاع غزة من خلال التسهيلات المعيشية التي تقدمها لسكان الضفة الغربية؟
وهل تمت هذه التسهيلات بعد التنسيق السياسي مع السلطة الفلسطينية، أم جاءت من وراء ظهر السلطة الفلسطينية التي صارت شاهداً على الإجراءات الإسرائيلية؟
وهل جاءت التسهيلات كمقدمة لضم الضفة الغربية، وتطبيق القانون الإسرائيلي على سكانها، ولاسيما أن الحكومة الإسرائيلية قد اتخذت قرارها بتطبيق القوانين التي تقرها الكنيست الإسرائيلي على مستوطنات الضفة الغربية؟
وهل أرادت إسرائيل اختصار الزمن السياسي، وفرض حقائق حياتية على الأرض، لا تسمح للسكان مستقبلاً بالانفجار، ولا تجعلهم يتأذون من طول الانتظار؟
هل أرادت إسرائيل من وراء التسهيلات قطع الطريق على مستقبل القيادات الفلسطينية الشابة، والتي ترى في التصعيد ضد الاحتلال طريقاً للخلاص والحرية؟
أزعم أن أهدافاً سياسية بعيدة المدى تكمن خلف التسهيلات الإسرائيلية لسكان الضفة الغربية، ولاسيما أن هنالك تسهيلات إسرائيلية أخرى في طريقها إلى سكان قطاع غزة، وهذا ما جاء في الرسالة التي نقلها وزير الشئون المدنية حسين الشيخ عن مصدر أمني إسرائيل كبير، قال فيها: إن مصالح اسرائيل تفرض عليها عقد صفقة غير مباشرة مع حماس، تتعلق بأمور الحياة اليومية لسكان غزة، بما فيها دراسة الميناء، وأضاف المسئول الإسرائيلي محملاً المسئولية للسلطة الفلسطينية حين قال: لقد طلبنا منكم رسميا ان تكونوا طرفا في اعمار غزة، ولكنكم لا تريدون العمل من اجل غزة، لذلك، فمن حق إسرائيل أن تبحث عن مصالحها، في ظل التغييرات التي ستشهدها المنطقة في الفترة المقبلة.
الرد الفلسطيني الوحيد ضد الحيل الإسرائيلية لا يكون في الضفة، ولا يكون في غزة، وإنما في الضفة وغزة معاً، ومن خلال قيادة وطنية إسلامية مشتركة، ورؤية سياسية واحدة.