في الذكرى الثالثة والثلاثون لغياب القائد سعيد اليوسف ، لا بد من وقفة امام قائد من مجموعة قادة وطنيين استثنائيين، تصدوا للاجتياح الصهيوني للبنان صيف عام 1982، هذا القائد الذي انتمى للثورة الفلسطينية المسلحة المعاصرة، ولجبهة التحرير الفلسطينية منذ انطلاقتها ، خاض حروباً ونضالات من اجل تحرير الارض والانسان ، فلا بد للكلمات من أن تنغرس في مكانها، ولا بد أن يترجل القلم لينحني إجلالا لهذا القائد ، في هذا الزمان الذي لم يتذكره التاريخ كما يجب، أجيالنا نسيت الكثير بل في غالبيتها لا تعرف تاريخها الذي كتب بالدم والتضحيات، لا يتذكروا الذين استشهدوا في الظل، جيلنا نسي كيف التحمت يد الثوار مع العدو فكان القتال مريرا وشرسا، لهذا نقول ربما يدرك هذا الجيل أن لكل مرحلة قادتها ومناضليها ولكل جيل عنوانه في الصمود.
على امتداد حياته حتى غيابه وفقدانه في المواجهة مع العدو الصهيوني في جبل لبنان الاشم اثناء الاجتياح الصهيوني عام 1982 حيث كان متنقلا بين الجنوب وبيروت والجبل لمتابعة المعركة ، مثل سعيد اليوسف أسطورة المناضل والقائد الشجاع ، فكانت كل مواقفه تعبير عن أمل العودة والطريق الذي يجب علينا أن نسلكه ومعنى أن يكون للإنسان وطن يصمد فيه حتى الرمق الأخير.
قائد عاش مع المناضلين في الجبال والوديان، لم يتعبه سفر الآفاق، قائد وهب حياته لقضية بحجم قضية العرب الأولى، قضية فلسطين ، فشق غبار المعارك حتى آخر نبض ، وظلت عيناه المتوقدتان ترنوان إلى العلى وآفاق انبلاج شقائق النعمان على ضفاف الجداول، نحن إزاء قائد ، امتلك خصائص ومواصفات القائد السياسي والعسكري مبكرا ، فكان نموذج في الدمج بين القول والممارسة، في جسر الهوة بين النظرية والتطبيق، وفي تعميد المواقف بعرقِ ودمِ وتعبِ النشاط اليومي المثابر.
سعيد اليوسف "ابو شادي" ،ابن بلدة السميرية في فلسطين ، وابن مخيمات الشتات ، ابن مخيم عين الحلوة كان وطنيا ًوقومياً بامتياز ، تمتع بشجاعة لم تحرفه نقديته الجريئة ، امتشق السلاح وحارب، في كافة مواقعٌ النضالٍ، ولم يعرف غير ثبات الموقف، واستقامة الفكر، رغم تعرجات الطريق. فكان مع المقاتلين، يزودهم بكلمات عن الاستمرار والصمود والتضحية، فنال ثقة رفاقه ، واشرف على العديد من العمليات البطولية للجبهة من الزيب الى نابلس وبيسان ونهاريا وبرختا والمنطاد والطيران الشراعي ، مع رفيق دربه الشهيد القائد ابو العباس الامين العام للجبهة ، فكان سعيد يتطلع الى مآسي اللجوء والمنافي في متاهات الغربة ، في لحظة عشق تستنفر كل الأساطير المختبئة في كيانه، حيث فتح صفحات من تاريخ الضياع، مدركا أن الانتصار على الظلم هي فرصته فكرس كل حياته مقاوما من أجل المستقبل.
نعم تعرفت على القائد المناضل سعيد اليوسف في معارك الفنادق والاسواق التجارية في بيروت ،وعلى اثر حصار تل الزعتر لم يؤلو جهدا من اجل العمل على فك الحصار ، وعندما اتخذت الجبهة وقيادتها قرارها بانتفاضتها الثورية ضد من حاول حرف الجبهة عن مسارها كان للقائد سعيد اليوسف دوره الرئيسي في ذلك ، فهذه المحطة التي نعلمها لانها بقدر ما تكون محطة من أجل تجديد العهد والوفاء للمسيرة وللأهداف الوطنية، بقدر ما هي انطلاقة متجددة، نحو المستقبل، ونحو مشروع التغيير الثوري ، والتعبير عن الوفاء لدماء الشهداء للمناضلين والمناضلات الفلسطينيين والعرب والأمميين في العالم.
وامام ذكرى غياب القائد سعيد اليوسف نقول ما زالت مسيرة النضال مستمرة رغم الدروب الصعبة، من أجل تحقيق العودة وإنجاز مشروع التحرير، لقد راكمت تجربة سعيد ورفاقه القادة من الدروس والتجربة التاريخية ما يؤهل الجبهة اليوم لاستئناف مسيرتها النضالية على طريق تحقيق كامل الأهداف والحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني ، إلى جانب كل قوى وتيارات المقاومة الفلسطينية وعلى اختلاف هوياتها السياسية والفكرية .
من هنا اقول ان تجربة القائد سعيد اليوسف وتجربة رفاقه القادة النضالية والكفاحية كان جوهرها مقاومة المشروع الصهيوني في فلسطين المحتلة وفق قدراتها من خلال كافة أشكال النضال والمقاومة وعلى رأسها الكفاح المسلح، فنحن اليوم نحتاج إلى الى هذه المواقف التي تتمسك بالحقوق التاريخية والوطنية للشعب الفلسطيني وعلى رأسها حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة وحق تقرير المصير، ويظل حق العودة هو ( جوهر ) القضية الوطنية والجسر الواصل لحق شعبنا في تقرير مصيره فوق ترابه الوطني وإنهاء الصراع بالمعنى التاريخي لصالح شعبنا وأمتنا ولصالح العدالة والسلام الحقيقي في فلسطين.
وفي ظل هذه الاوضاع نرى ان ذكرى غياب القائد سعيد اليوسف وغياب القادة العظام الامناء العامون طلعت يعقوب وابو العباس وابو احمد حلب ورفاقهم القادة ابو العمرين وحفظي قاسم وابو العز ، تتطلب من الجبهة ان تقف أمام أوضاعها وقفة نقدية صارمة،ضرورة أن تعبر عن هويتها الفكرية والايدلوجية بشكل واضح، وضخ دماء جديدة في عروقها،وأن تحفظ تاريخها واحترامها،فالمطلوب قيادات منتجة على صعيد الفكر والنظرية والعمل،مطلوب مغادرة من تنمط وتكلس وأصبح عبئاً على الجبهة،لا يستطيع سوى اجترار النقد والتجريح والقيام بمهام التشريفات،مطلوب قيادات تنهض بأوضاع الجبهة في كل خانات وميادين،وأن تنتهي ظاهرة العمل النخبوي والفوقي،مطلوب قيادات تتغلل في أوساط الجماهير،وأن تبتدع وتبدع أشكال جديدة ومتطورة للعمل والنضال تستوعب كل الطاقات،مطلوب قيادات موحدة وجامعة لا قيادات طاردة ومنفرة .
عندما اقول ذلك لان لجبهة التحرير الفلسطينيه تاريخها وأرثها النضالي والكفاحي،ولها سمعة طيبة بين أبناء شعبنا،ولشعبنا ثقة كبيرة بها وبأبنائها،والذين مثلوا حالات نضالية مميزة وفي مقدمتهم القائد سعيد اليوسف ، وممكنات نهوضها وتقدمها، رهن بالهيئات القيادية والتي يجب ان تمتلك وضوحاً كبيراً في الرؤيا وقادرة على التقاط الأحداث ومواكبتها،وأن تكون مع الشعب في معاركه النضالية والجماهيرية في مختلف الميادين.
واليوم، وبعد ثلاثة وثلاثين عاما على اجتياح العدو الصهيوني للبنان صيف عام 1982 وغياب القائد سعيد اليوسف ، نؤكد بان جبهة التحرير ما زالت تحتل موقعها الطبيعي داخل المشهد الوطني الفلسطيني، وترى إلى الحالة الفلسطينية والعربية والدولية، وتواجه ، كغيرها من قوى شعبنا وأمتنا تحديات سياسية ومفصلية كبرى، وأسئلة كثيرة تتصل اين اصبحت فصائل العمل الوطني ، وكيف نصون منظمة التحرير الفلسطينية من خلال تعزيز دورها ومؤسساتها الجماهيرية والنقابية والعسكرية والاجتماعية في إطار استعادة شاملة لدور الحركة الوطنية الفلسطينية ومغادرة حالة الرخاوة والتصدع التي تعيشها الحركة الوطنية ، أسئلة وتحديات كثيرة، باتت لا تحتمل المرواغة أو شراء الوقت والانتظار ، تحتاج لأجوبة صريحة، وممارسة عملية ونضالية في آن، وسلوك ونضال تحت الشمس، ينشد النهوض الوطني .
وهنا اقول في ذكرى القائد سعيد اليوسف ان تجارب الجبهة النضاليه لن تمحى من ذاكرة شعبنا ، كما لا يمكن للتاريخ القفز عنها ، فهي محفورة بصورها المتعددة في سجلات النضال ، ولا بد من الإستفادة منها وتطويرها وترسيخها .
في هذه الذكرى نقول, تحية لشهدائنا الأبرار وتحية لكل شهداء شعبنا المكافح الذين سيبقون أمانة في أعناقنا إلى أن تتجسد الآمال والأماني والأهداف السامية التي قضوا وضحوا بأغلى ما يملكون من أجل تحقيقها لن تثنيهم سنوات الجمر.
هكذا يرحل القادة العظام الذي أسسوا الاكاديميات الثورية، عملاً وفكرا ونهجا وممارسة ، فكان للقائد سعيد اليوسف هدف واضح، ويرتبط برؤية منظمة واستيراتيجية متطورة، يرسم خط سير الأهداف مع رفيقه القائد الشهيد ابو العباس ، فيجهز المناضلين الذين نفذوا العمليات البطولية وخاضوا المعارك دفاعا عن الثورة ولبنان في مواجهة العدو الصهيوني و وأبدعوا حتى شهد العالم كله أن الفلسطيني لا يستسلم، ولا يرتهن للقيود.
أبدع القائد سعيد اليوسف في زرع الأفكار النضالية وكسب محبة الجميع، وحدد المؤيدين والمقاومين في كل عمل قام به وحقا كان محترفا في لمس أوجاع فلسطين، فعشقها رافضا اليأس والإحباط، لأن فلسطين المحتلة لم تحررها سواعد المناضلين، حيث تنتصر ارادة الشعب لانها اقوى من اي مساومة على المبادئ والثوابت.
ختاما : سنبقى اوفياء للقائد سعيد اليوسف لانه كتب نهجه الثوري والنضالي بأحرف من النور، ومن الصعوبة بمكان أن تكتب عن حياة مناضلين وثائرين أفنوا حياتهم في ساحة النضال الأرحب ، وربما من الإستحالة أن تجد في قاموس اللغات من الكلمات ما يليق بمكانتهم وبطولاتهم وعظمة تضحياتهم وقدسية دمائهم الطاهرة، ولكن نسأل اليوم اين نحن من كل مواقف الشهداء التي رفعوها، اين مبادئهم وبنادقهم وثورتهم، لا ادري، وخاصة اننا نرى بعض الشواذ لهذه القاعدة، فهؤلاء ركبوا كل القضايا وتحت كل الشعارات ولم يتغيروا، لا اعلم حقاً كم لنا نصيب من مقولة الثورة يزرعها حر، ويخوضها شجاع، ويقطف ثمارها جبان"، لهذا نقول نحن أحوج ما نكون فيه الآن فلسطينياً الى قادة عظام من أمثال الرئيس الشهيد أبا عمار وابو العباس وجورج حبش وطلعت يعقوب وابو جهاد الوزير وسعيد اليوسف وابو العز ،فهؤلاء قادة كانوا يحتكمون في خلافاتهم الى المصالح العليا للشعب الفلسطيني،وأن أي خلاف مهما كانت شدته أو درجته،لا تبرر الانقسام أو تشكيل البديل أو حسم ذلك الخلاف عبر العمل العسكري،نحن بحاجة الى وحدة حقيقة في إطار بيت فلسطيني جامع،تمثل فيه كل ألوان الطيف السياسي الفلسطيني على أسس ديمقراطية،نحن بحاجة الى أناس يمتلكون الإرادة السياسية الحقيقية من أجل إنهاء الانقسام المدمر الذي يعصف بحقوق وثوابت ومنجزات ومكتسبات شعبنا، نحن بحاجة إلى قيادة تعمل على مواصلة الكفاح ورفع راية النضال والمقاومة حتى تحرير الارض والانسان .
بقلم/ عباس الجمعه
كاتب سياسي