يتسم الخطاب الذي ألقاه رئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتنياهو" "9-6-2015"، في المؤتمر السنوي الذي يعقد سنوياً في مركز هرتسيليا متعدد المجالات، والذي استمر ساعة يتسم بالكذب والخداع، ويتخلله مغالطات كثيرة، أهمها دعوته الفلسطينيين إلى طاولة المفاوضات، دون شروط مسبقة، فهذا المؤتمر السنوي الذي يشارك فيه كبار المسؤولين من سياسيين وعسكريين واقتصاديين، لوضع الإستراتيجية الإسرائيلية في مجمل القضايا، فمناورة "نتنياهو" الجديدة، هي قديمة جربت وفشلت مراراً عديدة والمثير للسخرية اتهامه للرئيس الفلسطيني "محمود عباس" بالتهرب من المفاوضات.
خديعة "نتنياهو" أنه ملتزم بحل الدولتين معروفة حتى أنه يطالب بمفاوضات دون شروط، ويضع الشروط المسبقة، مطالباً الفلسطينيين بالاعتراف بيهودية الدولة، مع دولة فلسطينية "مسخ" منزوعة السلاح، مع ترتيبات أمنية وعدم العودة إلى حدود عام 1967، أما القدس التي لا تعترف أي دولة في العالم بضمها لإسرائيل، يريدها عاصمة إسرائيل الأبدية، مع ضم الأغوار إلى إسرائيل، ويكفي خداعه أن موضوع حل الدولتين لم يشمل في خطوط حكومته الجديدة، ويستمر بالمراوغة لكسب الوقت، حتى تمرير ولاية الرئيس الأميركي "باراك اوباما"، الذي على خلاف مع "نتنياهو" في الموضوعين الفلسطيني والإيراني، فقد خصص جُل خطابه في هرتسيليا للموضوع، النووي الإيراني، ولكنه ماذا بالنسبة للنووي الإسرائيلي؟ كذلك تطرق إلى التسلح الإيراني، وتصنيع وتخزين السلاح، وماذا عن صناعة وتخزين السلاح ومنه النووي في إسرائيل، وهي محتلة لأراضٍ عربية؟
"نتنياهو" المتغطرس والغوغائي، والوصف هذا لجريدة "معاريف 2-6-2015"، يخاطب الدول التي أعلنت عن مقاطعتها لإسرائيل، قائلاً:"من أنتم كي تتجرأوا على مقاطعتنا، والإعلان عن عدم شرعية إسرائيل؟ ويسألهم في خطابه بغضب .. لماذا وضعتم أنفسكم للتحدث عن عدم شرعية إسرائيل، فحكومتي تستند في شرعيتها على أعضاء الكنيست المنتخبين؟" لكنهم عبارة عن بازار هات وخذ، كل منهم لمصالحه الخاصة، وحروب المصالح والأنا والفساد فأي شرعية لهذه الحكومة، التي تعتمد على (61) نائباً من أصل (120) عدد نواب الكنيست؟
"نتنياهو" يتحدث عن حل الدولتين، ويلوم الفلسطينيين، لعدم تلبيتهم دعوته إلى طاولة المفاوضات، ويتهم توجه الفلسطينيين للمؤسسات الدولية، بأنها خطوات أحادية الجانب ومخلة للاتفاق، وهذا كلام مردود عليه بل أنه يعمل حالياً وبقرار من "نتنياهو" شخصياً على إقامة مستوطنة جديدة أطلق عليها اسم "ليشم"، لبناء (600) وحدة استيطانية فيها لملئها بالمستوطنين، ويسارع الإسرائيليون لإنشائها في قلب الضفة الغربية، لتقضي على إمكانية حل الدولتين، لتستكمل التواصل الجغرافي بين المستوطنات الإسرائيلية، وتصبح مدينة كبيرة حسب المخططات لتمتد من الشاطئ حتى مستوطنة أرئيل، ومنها إلى مفترق مستوطنة تبوح، وإلى غور الأردن، لشطر الضفة الغربية إلى شطرين، ووضع عصا أخرى في عجلة دعوة "نتنياهو" الكاذبة، لاستئناف المفاوضات، وحل الدولتين، فماذا نسمي قرارات البناء في المستوطنات .. أليست خطوات أحادية الجانب؟ ولماذا استيقظ العالم الآن على أصوات تنادي بشطب إسرائيل من الوجود، على خلفية احتلالها للأراضي الفلسطينية، وغياب الحل السياسي، والاستمرار في الاستيطان، الذي سيدمر إسرائيل وفقاً لنبض الشارع العالمي.
لقد تجاوزت وقاحة "نتنياهو" كل الحدود، عندما طالب في خطابه الدول العربية، بالضغط على الفلسطينيين، لحملهم للعودة للمفاوضات، من أجل التوصل لحل الدولتين، وإنهاء الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني، محملاً الفلسطينيين مسؤولية الجمود الذي اعترى المفاوضات منذ (14) شهراً، قائلاً أنه يشعر أن هناك فرصة لتجديد المفاوضات إذا أمكن إقناع الفلسطينيين، فالفلسطينيون ليسوا بحاجة لإقناعهم لتحقيق السلام، وإنهاء الاحتلال، وإقامة دولتهم، لكن العائق يأتي من الجانب الإسرائيلي، وتصريحات "نتنياهو" بأنه يحاول التحاور مع رئيس السلطة الفلسطينية منذ ست سنوات ونصف، وأنه قام بالعديد من الخطوات الصعبة، محملاً أن العائق من الجانب الفلسطيني، كل هذا خداع وكذب واضح وضوح النهار، فإسرائيل خرقت جميع الاتفاقات، كان آخرها اتفاق إطلاق سراح الأسرى القدامى، فلـ "نتنياهو" تجربة طويلة في رفض المبادرات الدولية والعربية وحتى الأميركية، فوزير خارجية الولايات المتحدة، "كيري" بذل جهوداً كبيرة لعرض مبادرة سلام، وقدم رزمة متكاملة مع تعديلات حدودية، وترتيبات أمنية بعيدة المدى، فكان "نتنياهو" يتفاخر برفضه القاطع لكل مبادرة سلام باتجاه حل الدولتين، القادمة من أفضل أصدقاء إسرائيل، كذلك الأمر مع المجموعة الأوروبية، فـ"نتنياهو" يتفاخر بأنه والوزير "نفتالي بينت" وحدهما يقفان صامدين أمام الضغط الأميركي والدولي، و"نتنياهو" يلجأ إلى إستراتيجية تخويف الإسرائيليين، من أجل الامتناع عن عقد اتفاق سلام، للحصول على الشعبية من أوساط اليمين الأيديولوجي، حتى أوصل بلاده إلى عزلة دولية، فهو يعمل على غسل دماغ شعبه للإبقاء على الاحتلال والاستيطان، ولم يعد ينجح في تسويق أكاذيبه إعلامياً، باتهامه الفلسطينيين بالإرهاب تارة، واللاسامية تارة أخرى، والعودة للمرة المليون بالتذكير بالكارثة النازية، وأنه لا وجود لشريك فلسطيني، ويتباكى أحياناً بأن العالم كله يقف ضد إسرائيل، فالدعاية الإسرائيلية فشلت، وسياسة النفي والإنكار والانقطاع عن الواقع، معتقداً أن العالم غبي، وإسرائيل هي الذكية كله خداع وكذب، ويمكن بيع كل شيء للعالم، كما يحاول بيعه للإسرائيليين، فهذا خداع ذاتي، وجزء من حملة الدعاية والأكاذيب، فاحد في العالم لا يقف مع استمرار الاحتلال، وألاعيب زعماء إسرائيل.
"نتنياهو" .. أعلن أن في ولايته الرابعة، لن تقام دولة فلسطينية، ووزير الجيش "موشيه يعالون"، استبعد قيام دولة فلسطينية في حياته، هذا ما قاله في خطابه بمؤتمر هرتسيليا، وحمل الفشل هذه المرة بعدم تحقيق السلام إلى "أوباما" ووزير خارجيته "كيري"، معتبراً أن إقامة الدولة الفلسطينية، تعني إنهاء الاحتلال سيؤدي إلى عدم الاستقرار، ووزير التعليم "نفتالي بينت" صرح أمام العالم في خطابه بهرتسيليا، بأن تواجد إسرائيل في هضبة الجولان السورية ليس احتلالاً، طالبا العالم الاعتراف بسيادة إسرائيل في الجولان، أما الوزير "سلفان شالوم" المسؤول الجديد عن ملف المفاوضات، فدعا الفلسطينيين للعودة إلى طاولة المفاوضات في خطابه بهرتسيليا، دون شروط مسبقة، متجاهلاً الشروط الإسرائيلية، ووزيرة الثقافة ميري ريجف"، دعت من جانبها إلى مقاطعة ووقف الدعم المادي، عن الفنانين والمسرحيين الذين يرفضون عرض مسرحياتهم، في مستوطنات الضفة الغربية، لأسباب ضميرية بسبب الاحتلال، فإسرائيل التي أقامت الدنيا دون أن تقعدها، ضد المقاطعة الأوروبية الاقتصادية والأكاديمية ضد إسرائيل تضع مقاطعة داخلية على معارضي سياسة حكومتها.
"نتنياهو" يعتبر نموذجاً للعقلية الإسرائيلية المتحجرة، واعتماده على منطق القوة لمحو التاريخ وطمس الجغرافيا، ليبرز من أطلالها شعب الله المختار، ومن عداهم رعاع وخدم، كبرنامج يلبي أطماع المتطرفين، الذين وجدوا في "نتنياهو" ضالتهم، فحملوه على الأعناق إلى سدة الحكم، رمزاً للحلم الصهيوني، فهو من تلاميذ القائد الصهيوني اليميني المتطرف "زئيف جبوتنسكي"، الذي انشق عن المؤتمر الصهيوني العالمي عام 1922، وأقام حركة التصحيح الصهيونية الأيديولوجية، التي تنادي بأرض فلسطين الانتدابية، كوطن للشعب اليهودي، وبالتالي فإنه أي "نتنياهو"، تتلمذ أيضاً على أيدي كل من "مناحيم بيغن"، و"إسحاق شامير" الأول قائد تنظيم "اتسل"، والثاني تنظيم "ليحي" الإرهابيين، الأول بطل مجزرة دير ياسين، والثاني بطل تفجير فندق الملك داوود في القدس، فسار على طريقهما، وتبنى أيديولوجية أرض فلسطين الكاملة من البحر إلى النهر، ليرسم خطوط حدود الدولة العبرية، إنه كذاب ومخادع حتى بنظر شرائح إسرائيلية واسعة، رجاءً لا تثقوا ولا تصدقوا أي كلمة يتفوه بها فنغمته الجديدة، بان العالم يقف ضد إسرائيل مستهلكة، فهل يعقل أن يقف العالم مع الاحتلال، فالسلام لن يتحقق، إلا إذا أتت قيادة إسرائيلية تؤمن بالسلام أولاً، وتعترف بحقوق الشعب الفلسطيني، وبإنهاء الاحتلال، وإقامة دولة فلسطين وعاصمتها القدس الشرقية على حدود عام 1967، والتخلص من الاستيطان الذي أكل الأخضر واليابس، والبديل استمرار الصراع حتى تتغير موازين القوى في المنطقة وفي العالم، فلا جديد في خطاب "نتنياهو" الجديد .....
بقلم: غازي السعدي