ارخت الأحداث والمتغيرات الجارية في المنطقة، منذ زهاء اربعة اعوام، ضمن مسار تحولي لم تستقر ملامحه أو تتحدد هويته بعد، بظلالها السلبية على القضية الفلسطينية، ففي ظل هذا المشهد العربي بعد ان تحول ما سمي بـالربيع العربي إلى ربيعٍ أمريكيٍ إسرائيلي رجعي ، يستخدم في هجمته قوى ارهابيه تكفيرية من اجل الوصول الى اهدافه في تقسيم المنطقة الى كانتونات طائفية ومذهبيه واثنيه ، لم يستطع في السابق تحقيقها في كل حروبه .
وامام هذا المشهد نقول ما أحوج الشعب الفلسطيني الى استعادة الوحدة الوطنيه وانهاء الانقسام الكارثي الراهن ، من خلال ممارسةِ كل أشكال الضغط الشعبي حتى نتمكن من الحفاظ على المشروع الوطني الفلسطيني وحماية منظمة التحرير الفلسطينيه والتمسك بالثوابت الوطنيه وبحقوق شَعبِنَا التاريخية وأهدافه من أجل الحرية والعودة.
وفي ظل هذه المرحلة التي هي الأكثر تَعقيدا وخَطَرا في تاريخ العرب والقضية الفلسطينية والصراع العربي الصهيوني نستشعر الخطر الداهم التي يتم تداوله من أفكار قدمت من وفود أوروبية وعربيه زارت قطاع غزة بتسهيلات من حكومة الاحتلال لتحقيق تهدئة لفترة زمنية طويلة في قطاع غزة ، وتحويل القطاع لكيان فلسطيني مستقل، والاستفراد بالضفة الفلسطينية عبر توسيع الاستيطان، وخلق واقع يجعل المجتمع الدولي يتقبل فكرة البحث عن بدائل عن الدولة الفلسطينية على كامل الاراضي المحتلة عام 1967في الضفة وغزة والقدس.
ان ما تتعرض له مسيرةِ النضال الفلسطيني في هذه المرحلة الدقيقة والحساسة من مَخاطرَ هدفها تفكيك أوصال المجتمع الفلسطيني، نتيحة صراعات ومصالحح فئوية وممارسات لم ولن تحققَ تقدما في سياقِ الحركة الوطنيه الفلسطينية ، حيث باتت القضية الفلسطينيه تمر اليوم بظروف دقيقة في ظل استمرار سياسة الاحتلال في استلاب الأرض ، وسط الانشغالات العربية عن القضية، واستمرار الانقسام الفلسطيني، والانحياز الأمريكي الاعمى للاحتلال، والمحاولات الاستعمارية لإعادة رسم خريطة المنطقة، بما يخدم مصالحها، فلن يبقى من المساحة المخصصة لإقامة الدولة الفلسطينية المنشودة شيء، بعدما قضمّ الاحتلال 80% من مساحة الضفة الغربية المحتلة، مبقياً أقل من 20% فقط للفلسطينيين، تشكل 12% من فلسطين التاريخية، ضمن ثمانية "كانتونات" غير متصلة جغرافيا، لتشكل مع مساحة قطاع غزة قوام الدولة، وفق الرؤية الإسرائيلية للكيان الفلسطيني المستقبلي الذي لا يخرج بالنسبة لها عن إطار حكم ذاتي معني بالسكان باستثناء السيادة والأمن الموكولين للاحتلال في احكام السيطرة على الموارد الطبيعية الفلسطينية، والتحكم بمفاتيح الاقتصاد والهيمنة على قطاعه، والتحكم في المعابر، والحدود، والتجارة الخارجية، وشل الحياة في الضفة بالجدار العنصري والطرق الالتفافية، والمستوطنات المترامية، ومحاصرة قطاع غزة، وعزل مدينة القدس.
وها نحن اليوم نسمع عن انسداد الأفق السياسي بالنسبة للدولة المستقلة والعودة أو المشروع الوطني لا فرق ، بسبب تخلف وتبعية وضعف وخضوع الوضع الفلسطيني والعربي ، وبسبب الصلف الصهيوني الأمريكي ، ما هي الغنيمة التي ستستفيد منها حركة حماس من هدنة طويلة الامد او فصل قطاع غزة عن الضفة ،سوى مزيد من التَفَكك والانهيارات والهزائم ومزيد من المعاناةِ والإحباط للشعب الفلسطيني، وهنا تتحمل كافة الفصائل والقوى والفعاليات والهيئات والمؤسسات مسؤولية كبيرة في إطلاق الدعوة الى حوار ومواجهة الخطر الداهم ، بما لهذه القوى والفصائل من تاريخ نضالي من رمزية كبيرة ، وسياسة مبدئية عبرت عن جذرية في الصراع ضد المشروع الصهيوني والاستعماري .
آلم يخجل البعض من استمرار الانقسام الفلسطيني الذي يؤثر بشكل سلبي على كافة مناحي الحياة وأعطى الاحتلال فرصته ليمعن في سياساته الإجرامية بحق الأسرى عبر تعذيبهم وحرمانهم من حقوقهم وعبر سياسة الإهمال الطبي المتعمد التي تمارسها ما تسمى إدارة مصلحة السجون بحقهم ، لذلك نقول أن قضية الأسرى هي عنوان الصراع الأبرز مع الإحتلال الإسرائيلي وهي محل الإجماع الوطني الفلسطيني ما يستوجب دعم الأسرى وهم أبطال المعركة الأولى والخندق المتقدم في الدفاع عن هوية ولون ولغة الأرض وعليه فلا بد من الوقوف بمسؤولية في أداء الدعم والإسناد والإرتقاء بوحدة الصوت الجماهيري والإعلامي والحقوقي إنطلاقا من الإيمان بعدالة القضية الفلسطينية .
وانطلاقاً من ذلك ، ونحن على ابواب شهر رمضان نقول كيف نَحمي ونصون وحدتنا الوطنية باعتبارها هي أحد أهم شروط الانتصار على هذه الغزوة الصهيونية ، وهي التي تستجيب لطبيعة المعركة ضد الاحتلال والاستيطان ومشاريعه ، فلا سبيل أمام كافة القوى الوطنية سوى النضال الحقيقي من أجل استعادة الوحدة الوطنية بمضمونها الديمقراطي التعددي، بما يمكننا من الاتفاق على برنامج وطني محدد يضمن مواصلة النضال ضد الاحتلال الاسرائيلي وطرده وإزالة مستوطناته من كل أرجاء الضفة الفلسطينية واستعادة القدس عاصمة الدولة الفلسطينية ، على طريق الحرية وتقرير المصير و العودة اقامة الدولة المستقلة كاملة السيادة .
ولهذا نتوقف امام ما يعيشه الانسان الفلسطيني من كل انواع القهر لثلاثة ارباع الشعب الفلسطيني خارج ارضه مع ابناء مخيمات الضفة وقطاع غزة كل المعاناة التي ما زالت متواصلة حتى الآن ، حيث هناك مؤشرات خطيرة جدا ل تصفية الانروا وشطب حق العودة، وهي تستهدف الحياة الاجتماعية للاجئ الفلسطيني من قبل الاونروا وبتقليصات متوالية ومستمرة وننظر لها علي انها مدروسة ومسيسة كون وجود الاونروا هو شاهد دولي على قضية اللاجئين العادلة والمحقة،مما يستدعي حشد الشعب الفلسطيني الى ما يحصل ويستجد والمخاطر المترتبة في حال التقاعس عن النهوض والتصدي لمخطط الاستمرار ببرنامج تقليص الخدمات التي هي اساسا لا ترقى لمستوى حقوق الشعب الفلسطيني وتطلعاته، ورغم التبريرات والإيضاحات إلا أن الإجراءات الأخيرة التي أقدمت عليها (الاونروا) في حال استمرارها ستترك تأثيرات سلبية على اللاجئين الفلسطينيين خصوصاً في موضوع التشغيل الذي يمس عصب الحياة لذلك فأن تقليص وكالة الغوث خدماتها وبرامجها للاجئين الفلسطينيين سياسة قديمة جديدة حيث أنها وفي كل مرة تبرر هذا العمل بالعجز في الميزانية وعدم إيفاء الدول بالتزاماتها وتعهداتها المالية اتجاهها والمتتبع لهذه السياسة منذ عشرات السنوات يرى أنها سياسة متعمدة تستهدف المس بوظيفتها الأساسية من أجل الابتعاد عن موضوعها وهو تقديم الخدمات الإنسانية للاجئين الفلسطينيين، ولكنها في هذه المرة هي محاولة لإزاحتها عن المسرح السياسي كشاهد على قضية اللاجئين ، وهذا يشكل وصمة عار على جبين المجتمع الدولي والامم المتحدة مما يجعل مصداقية الامم المتحدة موضع شك لدى الكثير من الشعوب التي لا زالت تعاني الاحتلال والاستعمار وفي مقدمتها الشعب الفلسطيني.
لذلك لا بد من رفع الصوت عاليا بمواجة سياسة الاونروا ومطالبتها بضرورة تطوير خدماتها المقدمّة لعموم اللاجئين الفلسطينيين خاصة في ظل النكبات والكوارث الطبيعية التي تعرضت لها المخيمات الفلسطينية، وعدم الإقدام على أي تقليصات في خدمات وكالة الغوث المقدمة للاجئين الفلسطينيين، وبالتراجع عن قراراتها التي تصب بتمرير مخططات تصفية القضية، وهذا يستدعي دعم اللجان الشعبيه في الاعتصامات والتحركات حتى تتمكن من القيادم بدورها ، في الدفاع عن قضايا اللاجئين وحقوقهم ، وضرورة الاستمرار في الفعاليات السلمية من اجل الضغط على وكالة الغوث لوقف تقليصاتها و العمل على توفير حياة امنة و كريمة للاجئين ، ومطالبة الدول المانحة الى سد العجز المالي في موازنة الاونروا حتى تستطيع ان تقدم خدمات افضل لجموع اللاجئين لحين تحقيق حق العودة الى ديارهم وممتلكاتهم التي هجروا منها على ارض فلسطين وفق القرارالاممي 194 .
ان مجابهة ازمة البطالة والفقرِ والركود الاقتصادي ،وتجاوز أوضاع القلقِ والإحباطِ واليأسِ المتفاقمة لدى الشباب و أوساط معظم أبناء الشعب الفلسطيني، تتطلب من منظمة التحرير الفلسطينية اعطاء اولوياتها لهذا الموضوع في ظل الواقع الذي يعيشه الشعب الفلسطيني وارتفاع نسبة الجريمة الاجتماعية وهجرة الشباب ، وخاصة أن جيل الشباب هو من تقع عليه مسؤولية الدفاع عن القضية الفلسطينية، مما يستدعي تحسين ظروفه في توفير فرص العمل في ظل البطالة والحرمان من الحقوق المدنية والاجتماعية للشعب الفلسطيني في لبنان، والأهم أنه يشكّل حلقة وصل وتواصل بين مختلف النسيج الفلسطيني ،و العمل على حماية الشباب الفلسطيني وحقّهم في الوجود والحياة، وكذلك معالجة قضايا المخيمات في سوريا والنازحين منها، وخاصة ان تجربة الشعب العربي الفلسطيني اللاجئ في المنافي ، وما حل باللاجئين الفلسطينيين في كل تلك المراحل، تجعلهم قلقين حيال ما يجري اليوم في سوريا، وان الظروف الحياتية الفلسطينية ما هي إلا انعكاس لما يعيشه الشعب الفلسطيني من اجل تخفيف حجم الخسائر بكافة أبعادها وتحسين ظروف اللاجئين الفلسطينيين في مخيمات سوريا والنازحين منها وهو أمر يقع على عاتق منظمة التحرير الفلسطينية.
ان فذلكات الكلام من قبل البعض على أرض الواقع، استثمار المشروع القومي العربي غير دقيق لان انتصار وصمود غزة والمقاومة اثبت عكس هذه الفذلكات حيث توجه الشعب الفلسطيني بالشكر والامتنان للدول والجهات التي قدمت الدعم للمقاومة الفلسطينية في مواجهة العدوان، ورفع أعلام الجمهورية الاسلامية في ايران وسوريا وفلسطين وحزب الله ، وهذا يدل على الاهمية التي توليها الجمهورية الاسلامية للقضية الفلسطينية، فهذه الفذلكات الكلامية ثبت زيفها على أرض الواقع،فمواقف الرئيس الخالد جمال عبد الناصر تثبت عكس كلام هؤلاء الذين يريدون تسعير الخلاف بين قوى الاسلام التنويري والقوى القومية العربيه، وخاصة ان الرئيس الراحل جمال عبد الناصر حدد مفهوم الأمن القومي العربي بمواجهة الاستعمار وعلى رأسه مشروع الهيمنة الأميركية، والصهيونية ، ورفض كل صلح مع العدو، وتشجيع روح المقاومة وتنميتها، لدى الشعوب، لتكون فلسطين دائماً قضية العرب المركزية، واعتبار كلّ محاولة لحرف الصراع معها هو حماية لكيان العدو وتشريعاً لاغتصاب لفلسطين، فما أخذ بالقوة لا يستردّ بغير القوة، ولا صلح لا تفاوض لا اعتراف، كما كلمات الرئيس الرمز الشهيد ياسر عرفات الذي عمل على تعزيز الاعتبار للقضية الفلسطينية كقضية مركزية للأمة هو والعديد من القادة المناضلين ، واليوم نرى ان المواجهة التي جرت منذ احتلال العراق الى ما يجري اليوم هي مواجهة مفتوحة مع الاستعمار والصهيونية والرجعية والارهابيه، التي تسعى الى إثارة الفتن وضرب الروح القومية وتبرير التبعية وإشاعة ثقافة الخنوع للاستعمار والتطبيع مع الصهيونية، ، لأن ما تريده أمريكا وحلفائها للمنطقة العربية كاملة،فوضى خلاقة تلك السياسة التي يجري تطبيقها في العراق وسوريا ،ومحاولة نقلها وتعميمها عربياً الى أكثر من دولة،حروب عرقية وطائفية ومذهبية وأثنية واحتراب عشائري وقبلي وجهوي نشهده في أكثر من دولة عربية اليمن والصومال والسودان والحبل على الجرار،على أن يترافق ذلك مع تفكيك الجغرافيا العربية تقسيماً وتجزئة وإعادة تركيب هذه الدول بما يتفق ويخدم أهداف القوى الامبريالية والصهيونية والرجعية ومصالحها ،ولكن يبدو أن هذه السياسة ستواجه تحدياً واختباراً كبيرين في ظل رياح التغيير الكبرى التي تجتاح المنطقة العربية،وخصوصاً أن صمود قوى المقاومة سيعيد الحسابات الأمريكية والإسرائيلية،وأن يحد من اندفاعاتها ،وقد يخلط الأوراق ويخرج السيناريوهات المرسومة للمنطقة أمريكياً وإسرائيليا عن سياقاتها ويجعلها خارج إطار السيطرة والإيقاعات المرسومة.
ختاما : لا بد من التمسك بمنظمة التحرير الفلسطينية باعتبارها مكسبا كفاحيا نضاليا حققه الشعب الفلسطيني بدماء شهدائه، وباعتبارها الكيان المعنوي الذي يحافظ على وحدة الشعب الفلسطيني في أماكن وجوده، ورفض أية بدائل لها، ومواجهة اية مؤامرة تنوي شلّها وإضعافها وإنهاءها،من قبل من يريدون تفتيت وحدة الشعب الفلسطيني، والعمل على توحيد طاقات الشعب الفلسطيني ومواجهة التحديات الجسيمة التي تواجهها القضية الفلسطينية.
بقلم / عباس الجمعه
كاتب سياسي