في ظل انسداد أفق العمل السياسي وتعمق وتكرس الإنقسام وعدم دوران عجلة حكومة الوفاق الوطني،وفي ظل التطورات الجارية على صعيد إنجاز هدنة طويلة الأمد بين "حماس" ودولة الإحتلال،حيث المحادثات بينهما قطعت شوطاً كبيراً برعاية عربية وإقليمية ودولية،بما في ذلك الأمم المتحدة،والمسألة لم تعد مجرد "دردشات" او تفاهمات شفوية،كما يحلو لقياديين في حماس القول.ونحن لسنا بصدد النقاش في هذا الجانب،ولكن المهم هنا القول بأن تلك من العوامل التي دفعت بحكومة الحمد الله الى تقديم الإستقالة او إقالتها.
واضح اننا سنعود ل"تجريب المجرب" فنحن في تشكيلات الحكومة السابقة كانت هناك حكومات "تكنوقراط" ومستقلين وحتى حكومة بصيغ وطنية،وهذا الحكومات المتعاقبة لم يحصد القائمين عليها سوى الفشل والإفشال،فهي لم تحقق الهدف الأساسي من التكليف،سواء على صعيد تحقيق تنمية أو معالجة الهموم والمشاكل الحياتية للناس وتثبيت الأمان والإستقرار والسلم الأهلي والتحضير للانتخابات التشريعية والرئاسية،والحد والتخفيف من حالة الإحتقان السياسي بين مركبات العمل السياسي الوطني والإسلامي الفلسطينية،وبالذات منها طرفي الإنقسام (فتح وحماس)..
حكومة رامي الحمدالله المستقيلة والتي تشكلت على أساس معالجة الهموم والقضايا الحياتية في قطاع غزة على وجه التخصيص،والقيام بمشاريع تنموية تعمل على تخفيف حدة التناقضات الإجتماعية هناك،وكذلك تقليل نسبة الفقر والجوع والبطالة،والعمل على تحسين شروط وظروف حياة الناس،والتي باتت أقرب الى الجحيم،وهذا يتطلب معالجة ملفات جوهرية مثل رفع الحصار وإعادة الإعمار وفتح المعابر وبالذات معبر رفح وحل رواتب موظفي سلطة حماس ال(40) ألف وإعادة المشردين الذين شردوا في الحرب الأخيرة بفعل العدوان الإسرائيلي ببناء مساكن لهم.
هذه الملفات فشلت حكومة الحمدالله في معالجتها على مذبح الأجندات والأهداف والمصالح الخاصة ل(فتح وحماس) والفئوية والتدخلات العربية والإقليمية والدولية واسرائيل في الشأن الفلسطيني،يضاف لذلك بان وضعاً جديدا نشأ عن هذا الفشل،هو ان قيادة حماس وجدت انه من اجل ضمان بقاء حكومتها وسيطرتها على القطاع وحل مشاكلها المالية والسياسية،وكذلك حل المشاكل الحياتية المتفاقمة للجماهير،من جوع وفقر وبطالة وازمات كهرباء وماء وصرف صحي وبنية تحتية،فإن خيار عقدها لهدنة طويلة مع "اسرائيل" قد يشكل لها مدخلاً مهماً في إيجاد حلول لتلك المشاكل،وهي تقول لسلطة رام الله "ما في حدا أحسن من حدا"،ورغم الخطر الجدي في هذا الخيار من خلق حالة كيانية في قطاع غزة مقابل تحسين ظروف حياتية،ميناء عائم،وايجاد حالة من التقاسم الوظيفي المدني مع السلطة في الضفة وإبتلاع القدس،إلا ان حماس تقول بأنه لن يكون هناك دولة في قطاع غزة،والمسألة ليست بالقول والنوايا،ولكن بما يخطط له الإحتلال.
حل حكومة الحمدالله او تقديمها للإستقالة،قد يكون من اجل ممارسة ضغوط على حماس لثنيها عن الإستمرار في مفاوضاتها مع "اسرائيل"،وحماس تقول بأن حل الحكومة بدون مشاورتها وموافقتها يعني التنصل من اتفاق الشاطىء،وتحلل حماس من التزاماتها تجاه حكومة الوفاق الوطني.
المسألة ليس في تشكيل الحكومة من جديد برئاسة الحمد الله او غيره،والتي على الأرجح ان يكلف بها من جديد بعد لقاءه باللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير يوم الإثنين القادم،وليس المهم هي حكومة "تكنوقراط"،أو مستقلين او حكومة توافق وطني سياسي،بل ما هو البرنامج الذي ستقوم عليه هذه الحكومة؟؟؟ وهنا يبنى عليه الفشل والنجاح،فالحكومات يتم استحضارها لتجاوز وحل ازمات وليس تقيدها وتأبيدها، وفي ظل ما نشهده من اتساع حدة وعمق الخلافات بين طرفي الإنقسام،فهذا الإنقسام تستطيل مداياته ويتكرس،ولذلك الأولية يجب أن تكون لإنهاء الإنقسام على تشكيل أي حكومة وتحت أي مسمى،فما فائدة وما هو الإنجاز الوطني الذي سيتحقق من تشكيل حكومة بدون برنامج وطني متفق عليه وطنياً وإسلامياً،وهل الخطوط السياسية هذه ستحترم ام سيضرب بها عرض الحائط؟؟وهل ستنجح تلك الحكومة بخطوطها السياسية في حل مسألة ما يسمى بالمؤسسات السيادية من حيث المهام والوجود والهدف..؟؟فهذه المؤسسات لم تبنى على أساس وطني،بل بنيت على أساس فئوي،نمت فيها مصالح للكثيرين المستعدين لهدم المعبد على من فيه في سبيل الحماية والدفاع عن تلك المصالح،وكذلك مسألة الإنتخابات،هل هي قادرة على الحسم في هذا الجانب؟؟؟،حيث حماس،ترى في الإنتخابات انها شاملة ومتزامنه مجلس وطني وتشريعي،وفتح بالمقابل تقول بتعذر ذلك.
نحن الآن حقيقة في أزمة مفصلية جداً خطيرة،مرحلة كل المؤشرات تقول بأن المشروع الوطني يجري تفكيكه،والقضية الوطنية تصفى وللأسف بأيدي ومشاركة فلسطينية،أزمتنا لا ينفع ولا يفيد معها تسمية نوعية الحكومة،فلا يصلح العطار ما أفسده الدهر،فنحن لا نريد حكومة تعيد إعادة إنتاج العقم السياسي والتنموي،بل المطلوب تغيير جوهري في السياسات ومنهج العمل،يجب ان يتم خلق حالة من الوعي والضغط الشعبي من اجل إسقاط ما هو قائم، وقبل تشكيلة أي حكومة مهما كان نوعها وشكلها،فالأولية يجب ان تكون لإنهاء الإنقسام،وعلى الجماهير ان ترفع شعارها الناظم لتحركاتها " لا شرعية لأحد في ظل الإنقسام"،وهذا يحتاج الى تشكيل أطر ولجان جماهيرية حقيقية،بقيادة مركزية تقودها وتوجهها مع امتدادات فرعية لها في كل القرى والمدن،تأخذ على عاتقها ومن خلال حواضن تنظيمية من القوى الشعبية والمجتمعية والحزبية العمل على إيجاد أساليب ضغط جماهيرية جدية وفاعلة على السلطة في رام الله وسلطة حماس في القطاع،من أجل وضع حد للإنقسام،كأن يتم الإعتصام الدائم امام مقراتها الرئاسية ورئاسة الوزراء بشكل دائم وبجموع غفيرة،تطالبها بإنهاء الإنقسام.
بقلم :- راسم عبيدات
فلسطين – القدس المحتلة
19/6/2015
0524533879
[email protected]