مخيم عين الحلوة الجرح المفتوح.. مسؤولية الجميع

بقلم: عباس الجمعة

الصراع الذي يشهده مخيم الصمود والعطاء "مخيم عين الحلوة" لم يشهد له مثيل ، حيث تنعكس مأساة فلسطينية جديدة، انسانية وسياسية ذات أبعاد استراتيجية، وهو ما يثير أسئلة جادة عن الأهداف الحقيقية لما يجري داخل المخيم الذي يبعد مسافة كيلومترين اثنين إلى جنوب شرق مدينة صيدا، بوابة الجنوب اللبناني، وهو الأكبر والأكثر سكاناً بين المخيمات الفلسطينية في لبنان، حيث يناهز عدد القاطنين فيه نحو ثمانين ألف نسمة، يتكدسون في مخيم طوله كيلومتر واحد وعرضه ثلاثمئة متر، علما ان المخيم أنشئ منذ النكبة عام 48، وكان عبارة عن خيم تطورت في ما بعد إلى غرف من حجر الباطون المسقوفة بصاج الحديد "الزينكو"، ثم إلى بيوت الحجارة، معظم سكانه من قرى شمال فلسطين المحتلة ومدنه وبلداته، وقد تعرض المخيم اثناء الاجتياح الإسرائيلي عام 1982، لعدوان همجي حيث دمر جزء كبير من المخيم، بينما استبسلوا ابناء المخيم بالتصدي للعدو الصهيوني بكل بسالة وقدموا الشهداء ، يضم المخيم ثماني مدارس، وعيادتين لوكالة الأونروا، إضافة إلى مستشفيين صغيرين.

وامام هذه المقدمة نقول لا يجوز الصمت على الجريمة التي ترتكب بحق شعبنا ، بل المطلوب من كافة الفصائل والقوى الفلسطينية بدون استثناء العمل من اجل اتخاذ مواقف واضحة ممن يرتكب الجريمة ،رغم النتائج الفلسطينية الخطيرة التي سوف تترتب على ذلك، وهي نتائج لن تعفي احد من المسؤولية حتى لا ترتكب جريمة تاريخية بحق الشعب الفلسطيني.

قد حان الوقت من اجل وقفة امام واقعنا الفلسطيني في لبنان ، بعد ان اراد البعض ان يحولوا مخيمات الصمود والتضحية والبؤس والحرمان الى احياء القتل ، وكيف اصبح مخيم عين الحلوة اليوم ، هذا المخيم الذي كان مع مخيمات اللجوء والشتات مخيم المقاومة العربيه، ليتحول اليوم الى خطف من قبل قوى متطرفة او من زمرة بلا "هوية"، تريد ارباك الشعب الفلسطيني خدمة لاجندات خارجيه، لذلك فأن مخيم عين الحلوة في خطر، وهو خطر لن يتوقف حتى لو نجحت القوى في اللحظة السياسية الراهنة في وأد الجريمة، لان القوى المتضررة من الوجود الفلسطيني، او التي تريد الامساك بورقة المخيمات او الذين يريدون تنفيذ مخطط التوطين، ستبقى تعمل، الامر الذي يفرض على الجميع مواصلة اليقظة والاستعداد لمواجهة الاخطار، لاسيما وان الاخطار قد تكون خلفها ايادِ داخلية لتصفية حسابات خاصة تلبس ثوب الجماعات المتطرفة لتغطية جرائمها واهدافها الرخيصة. والباقي عند القائمين على امن المخيمات وخاصة مخيم عين الحلوة ، وعلى الجميع أن يتعلم الدرس ، فالشعب الفلسطيني لن يكون الا مع خط المقاومة ، بمواجهة الهجمة الامبريالية الصهيونيه الرجعيه والارهابيه

ان سلوك طريق الاغتيالات داخل المخيم واستخدام السلاح في مخيمات اخرى ، انما هو مسالة خطيرة ومؤذية للجميع داخل الصف الفلسطيني، ما ينعكس سلباً ويشكل مرحلة خطيرة على مجمل الواقع الفلسطيني، ففي المخيمات قيادة سياسية ولجنة متابعة امنية مشتركة من كافة الفصائل مهمتها الاساسية ضبط الشارع في المخيمات، واطفاء نارها التي هي تحت الرماد ، حيث للأسف تشتعل من أية نفخة عليها تحت مسمّى "إشكالا فرديا"، بينما المطلوب إطفاء النار لكثرة النافخين فيها، المخطط معروف لكن ما العمل ، فهل قطعت مرحلة تصفية قضية اللاجئين الفلسطينيين أشواطا واسعة ، ويصبح مكان النزوح المكان الآمن الذي يجب الموت من أجله، هكذا تم اختصار القضية الفلسطينية، وهكذا أراد لها ما يسمى (الربيع العربي) أن تكون.

قد تبدو صورة السلاح والاشتباكات والتوتر المتلاحق هي الانعكاس النمطي لمخيم عين الحلوة ، وسببه نمو الجماعات المتطرفة فيه ، اضافة الى التكوين الاجتماعي للمخيم حيث ان بعض الاحياء هي احياء عائلية، وبالتالي فإن اي اعتداء يطال احدا قد يؤدي لأن تهب العائلة وبالتالي الحي للدفاع عنه بغض النظر عن انتمائه الحزبي، لذلك تسعى كافة الفصائل والقوى الى تجنيب المخيم أية فتنة أو إشكالات تدخل الواقع الفلسطيني "الهش" في مهب الرياح الدولية.

ان تحصين واقع المخيمات الفلسطينية أحوج ما نكون إليه في هذه المرحلة، في ظل الحديث عن محاولات حثيثة لشطب حق العودة، وتصفية القضية الفلسطينية، على وقع ما تتعرض له المنطقة من هجمة امبريالية صهيونية رجعية ارهابيه.

ان ما يجري في مخيم عين الحلوة ،أكبر المخيمات في لبنان من احداث ، حيث يعيش ابناء المخيم حالة من الترقب والقلق ويعانون الأمرين منذ سنوات طويلة , نكبات الشعب الفلسطيني لم تتوقف عند 48 أو 67 , فهي متواصلة , وما يحدث في مخيم اليرموك يوحي بان ما هو قادم أعظم , في ظل مواقف عربية يندى لها الجبين.

ومن هنا يجب ان نسأل من يريدون تدمير المخيم نتيجة عقليتهم و أهدافهم التي لا تمت للاسلام بصلة ،الا يكفي مخيم الصمود والتضحية عين الحلوة الشهداء والجرحى من أبناء المخيم في كل اشتباك ،، فكيف تطلق القذائف والاسلحة الرشاشة في شهر رمضان باتجاه أبناء المخيم، في حقيقة الأمر، أكتب كلماتي هذه وانا ارى وجع نساء ورجال وشيوخ واطفال مخيم عين الحلوة التي يعيشون في كل لحظة وكل يوم من اشتباك و أزيز رصاص والرشاشات المتوسطة والقذائف، لكنني أستدرك وأقول بأن عموم ابناء مخيم عين الحلوة ، يعملون بإقتدار من اجل تحييد المخيم والتجمع الأكبر للفلسطينيين عن مسار التجاذب والتنافر، وتلعب الفصائل والقوى الوطنية والاسلامية و الشخصيات الفاعلة ومعها قوى المجتمع المحلي وعموم فصائل الحركة الوطنية دوراً ملموساً في هذا الميدان، يُضاف إليه الوعي العميق الذي تشكّل عند الناس بخصوص أهمية إبقاء مخيم عين الحلوة كساحة خارج إطار ما يجري على مستوى المنطقة وتكريسه كملاذ آمن تقوم به قوات الامن الوطني الفلسطيني في ظل رعاية ومتابعة وإهتمام كامل من قبل الجميع ، لمتابعة القضايا الأمنية داخل عين الحلوة بالتعاون المشترك للالتفات نحو القضايا الاجتماعية في هذه المرحلة الصعبة، ووضع الخلافات والاختلافات جانباً، في سبيل حفظ أمن المخيم واستقراره، وتعزيو العلاقة مع الجوار في مدينة صيدا ومنطقتها.

وفي ظل هذه الظروف ومن موقع الحرص على هذا المخيم الذي اصبح يحمل قصصاً وقضايا متداخلة أخطر من السلاح، وأبعد من التوتر، وأقسى من فقدان الأمن والأمان، يبقى القول بأن الفلسطينيين أبعد ما يكونون عن زج انفسهم في الساحة اللبنانية بصراعات لا طائل منه، اللهم سوى ضحايا جدد ومآس تضاف الى المآسي في ظل الوضع الداخلي الذي يعيشه المخيم ، حيث لم يعد باستطاعة أي من القوى الموجودة داخل المخيم أن تتلقى الأوامر وأن تلبي رغبات قيادات مستورده لاعلاقة لها بالمخيم ، وخاصة أن المجتمع الفلسطيني في لبنان يسبح في مشاكله الحياتية الاقتصادية اليومية‚ ورابعها يتمثل في الانشداد الشعبي الفلسطيني خصوصا عند الأجيال الجديدة حتى تبقى البوصلة تجاه فلسطين.

ان مخيم عين الحلوة اصبح عنوانه الجرح المفتوح ، باعتباره يمثل الحلقة الأهم في العمل الفلسطيني‚ يجب على الجميع العمل من اجل وقف تداعي ما يجري حتى لا يدفع ابناء المخيم أثمان وتكاليف باهظة ، فنقول كفى ، لأن ما يجري لا يخدم الا المشروع الصهيوني ، فعلى ابناء المخيم الالتفاف حول فصائل العمل الوطني والقوة الامنيه في المخيم من اجل حماية المخيم ، وحتى لا يكون نهر البارد اخر اومخيمات سوريا ، فعلى الجميع الإنتباه الشديد تجاه مايجري ، والإصرار على بناء دور إيجابي ، واعتماد موقف الحكمة والتَعقل، وحتى لا يدفع المخيم أزمة طاحنة تنزف دماً وجهداً.

إنه الوعي، نتاج إقتران التجربة بالخبرة ومحاكاة الواقع، وعلى الجميع ان يتعلم من التجارب ودروسها، نقيض التسرع والإنفعال ونقيض عقلية الإرتجال ، إنه الوعي الذي يجنب الناس المهالك، ويفتح طريق العمل المثمر الذي بات فلسطينيو عين الحلوة يرسمونه ويجسدونه الآن على الأرض من قلب مخيم المعاناة، مخيم عين الحلوة حاضنة العمل الوطني الفلسطيني.

ان التاريخ عليه ان ينصف مخيم عين الحلوة الذي صبغ بالدم الأحمر القاني، ويصبغ بلون فلسطين، فلنواجه مخاطر تفكيكه وتفكيك رمزيته، فهو يستحق منا العمل على بلورة موقف جامع لوقف ما يجري ، فيكفي ما قدمه المخيم من تضحيات وشهداء كانوا يتطلعون الى العودة لديارهم على ارض فلسطين ، فالتحية لمخيم عين الحلوة مخيم الشهداء القادة سعيد اليوسف والشاعر والفنان الكبير ناجي العلي واللواء زياد الاطرش والقائد معين شبايطة وسعيد الصالح ابو صالح ولطفي زيدان وابو عيسى حجير وابو كفاح فهد وغسان كايد و فهد البني "شربل" والشهيد قاسم حجير وشهداء مسيرة العودة عماد أبو شقرا وعبد الرحمن سعيد صبحة ورفاقهم ، والشهيد المناضل العميد جميل زيدان وكل القادة المناضلين الشهداءالتصدي للاجتياح الإسرائيلي من ابناء المخيم الذين عاشوا وتقاسموا المر والحلو ورغيف الخبز ، وهو منا احتضن في ثرى ترابه نصب الجندي المجهول فلهذا المخيم ابعاد ورموز ودلالات ومعاني في قلب ووجدان الفلسطينيين المشردين والمهجرين الحالمين بالعودة الى ارض فلسطين ، والمتعطشين للحرية والفرح والشمس.

وامام كل ذلك الحياة في عين الحلوة تضج بتفاصيل اللجوء والفقر من جهة، وحرمان الحقوق من جهة ثانية، والاستسلام للأمر الواقع من جانب آخر،زواريب المخيم في غالبها لا تتحمل مرور شخصين في آن واحد، والتواءاتها تزيد الأمر سوء، حتى طرقاتها شبه المعبدة أصبحت تفتقر إلى الاتساع بفعل التمدد البنياني والتعدي على الشارع الذي ضاق بالسيارات، ويكاد حاله يماثل حال الزواريب، إلى حد أن بعض المباني وصلت طرفي الشارع الرئيسي من ارتفاع طابقين، تمديدات الكهرباء من هنا، الصرف الصحي من هناك، بنية تحتية معدومة، مكبّات نفايات تحاذي البيوت، سوق المخيم ترى فيه بائع اللحوم بجانب بائع الأحذية، وبائع الخضار بجانب بائع الألبسة، ومحال الأسماك والدواجن تلاصق محالّ العطورات.

أن ما حصل يوم الاول من شهر رمضان المبارك في المخيم هو امر مرفوض ومدان من جميع الفلسطينيين ، وهو ما يثير الكثير من المخاوف ، نتيجة ‏التراكمات الأمنية وعمليات الاغتيال ، وهذا يستدعي من ابناء المخيم الحراك بوجه الذين يفتعلون الازمات من اجل صيانة الوجود الوطني للشعب الفلسطيني في سياق النضال من اجل حق العودة، ونبذ ظاهرة التطرف ، وتعزيز المكانة التمثيلية لمنظمة التحرير الفلسطينية والتنسيق على مختلف المستويات بين جميع الفصائل والقوى الوطنية والاسلامية، بهدف حماية الوجود الفلسطيني باعتباره بيئة وطنية تناضل من اجل حق العودة ومن اجل حقوقها الانسانية في لبنان، والعمل على تحصين المخيمات وابعادها عن اية تداعيات سلبية للازمات الداخلية والاقليمية، لان اللاجئين في لبنان ليسوا طرفا في هذه الصراعات واولويتهم هي قضيتهم الوطنية خاصة حق العودة، ووان الشعب الفلسطيني في لبنان هو تحت سقف القانون اللبناني وهذا يتطلب من جميع الهيئات فلسطينية ولبنانية بذل المزيد من الجهود لتعزيز حالة الاستقرار في المخيمات بموازاة التعاطي الموضوعي الانساني مع المخيمات وتوفير مقومات الحياة الكريمة لابنائها بما يساهم في تعزيز موقفهم المتمسك بحق العودة وفق القرار الاممي 194.

في ظل هذا الوضع السيئ تجد فراغ كبير في أوقات الشباب، هكذا تنطبع لديك صورة المخيم ،لا شك في أن من واجب الذين يفتعلون هذه المآسي للمخيم التحلي بالأخلاقيات الأساسية في الحياة وبالثقافة العالية حتى يتمكن الشعب الفلسطيني من العيش بكرامة ، لكن لا يمكن مطلقا إنكار الحاجة إلى العوامل المساعدة في اكتساب مهارات الحياة الهادئة والراقية بمستواها الأخلاقي والاجتماعي نوعاً ما، وهو ما تفتقده المخيمات، ولا سيما مخيم عين الحلوة ، وهنا يجب ان تتكاتف الجهود لمواجهة قرارات تقليصات الانروا لخدماتها لأنها لها تأثيراتها السلبية على حياة اللاجئين وحالاتهم النفسية، وخاصة ذوي الحاجة ومرارة الفقر وعلقم اللجوء من جهة، وهذا يتطلب من الحكومة اللبنانية اقرار الحقوق المدنية والاجتماعية للشعب الفلسطيني حتى يتمكن من العيش بالحياة الكريمة والحقوق البديهية والعيش العزيز من جهة ثانية، كل ذلك لم يحل دون حب ارضه ووطنه والتمسك بالقضية والمقاومة وحق العودة على رأس كل الحقوق المغيبة.

ختاما : في قلب هذا المعمعان من أصوات الاشتباكات التي تندلع بين الحين والاخر المرعبة، وقرقعة السلاح وأزيزه رصاصه، داخل المخيم ومخيمات البدواي والبرج الشمالي والمية وميه ، تفرض على الجميع اعطاء القوة الامنيه دورها المطلوب الذي يساعد قدر الإمكان على مداواة اي مشكلة بمعناها وإطارها العام، وتقديم كل ماهو مستطاع في ظل الازمات ، لأننا نعي بأن هناك استهداف واضح عبر خلخلة الاستقرار الاجتماعي داخل المخيم ، مما يتطلب من الجميع تحمل مسؤولياته نحو المخيمات ، والبحث عن حلول ناجحة وناجعة للمخيم المهدد بمخاطر متعددة، من خلال وضع خطة وطنية ، لأن الأعداء الذين يتآمرون على فلسطين هم أنفسهم يتآمرون على لبنان، لأن الحلف الأميركي الصهيوني الرجعي العربي يستهدف القضية الفلسطينية ، كما يستهدف إثارة الفتنة في لبنان، ومحاصرة المقاومة في لبنان، ولا نستغرب ذلك ،لأن العدو واحد والمخطط المعادي واحد، في لبنان وفلسطين وسائر الأقطار العربية، وهذا يستدعي من منظمة التحرير الفلسطينية وكافة الفصائل النظر بوضع مطالب الشباب لما له من اهمية ودوركبير في النضال الوطني الفلسطيني، وضرورة تنظيم صفوفهم وتأطيرهم بشكل منظم وإعطائهم الفرصة وإفساح المجال أمامهم للارتقاء بدورهم وفعلهم النضالي والسياسي والاجتماعي دفاعا عن حقوق ومصالح الشباب وتمكينهم من أخذ دورهم المتقدم في حركة اللاجئين ونضالها من اجل حق العودة ومن اجل انجاز الحقوق الوطنية المشروعة لشعبنا وحقه في تقرير المصير وبناء دولته المستقلة وعاصمتها القدس، والتعاطي مع ظاهرة هجرة الشباب الفلسطيني باعتبارها خطرا يهدد المجتمع الفلسطيني.

بقلم/ عباس الجمعه