عملية القدس.....التصاريح ....و"كي" الوعي الفلسطيني

بقلم: راسم عبيدات

دائماً وأبداً نبهنا وحذرنا الى أن ما احدثه اوسلو من اختراق جدي وخطير في الوعي الفلسطيني،والإحتلال بعد اوسلو نجح في إحداث اختراق وإحتلال لوعي جزء لا يستهان به من شعبنا الفلسطيني،حيث أن اوسلو والذي شكل النصر الثاني لدولة اسرائيل بعد النكبة بلغة ثعلب السياسة الإسرائيلية شمعون بيرس،نجح في تقسيم الأرض والشعب،هتك وفكك ودمر نسيجنا المجتمعي،فأوسلو جعل من السلطة الفلسطينية "بلدوزر" التطبيع على المستوى الرسمي،تحت يافطة وذريعة لغة وثقافة السلام، ثقافة جرى فيها دفن الكثير من المصطلحات،حتى غدا الحديث عن دولة الإحتلال باسم الطرف الآخر،وكذلك جرى تقزيم الجغرافيا الفلسطينية والسطو على التاريخ والتركيز على احتلال الوعي الفلسطيني من أجل "كيه" وتشويه،وكذلك السيطرة على الذاكرة الجمعية لشعبنا الفلسطيني.

مليون مرة حذرنا من مخاطر التطبيع على المستوى الشعبي،حيث نشهد "تسونامي" تطبيعي يركز على مدينة القدس على وجه التحديد،والمأساة هنا ان هذا التطبيع ترعاه وتحتضنه جهات رسمية فلسطينية،وسلوكها وتصرفاتها ومواقفها تشكل سنداً يتكئ عليه البعض فلسطينياً،لكي يجد الذريعة والحجة والتبرير،لما يقوم او يقدم عليه من أنشطة ولقاءات تطبيعية يغلفها بغلاف مصلحة الشعب الفلسطيني.

ما حصل ويحصل في الساحة الفلسطينية من اختراق خطير لجدار الوعي الفلسطيني،هو نتاج بالأساس ل"نعم" اوسلو التدميرية،ولكن بالمقابل فشلت القوى الأخرى المعارضة في بناء جدار وعي مقاوم،ولم تبذل جهود جدية وحقيقية على طريق مقاومة نهج وثقافة التطبيع،ولم تحصن فكريا ولا ثقافيا ولا عقائدياً ولا سياسياً أبناء شعبنا وبالذات الشباب منهم ضد مخاطر ثقافة التطبيع واختراق واحتلال الوعي.

في ظل مثل هذه الحالة،وفي ظل وضع داخلي فلسطيني ضعيف ومفكك ومنقسم على ذاته،تغلب اطرافه مصالحها على المصالح العليا للشعب الفلسطيني،وتمارس التحريض ضد بعضها البعض أكثر من تحريضها ضد الإحتلال،وفي ظل غياب أي رؤيا او إستراتيجية فلسطينية لكيفية رد على إجراءات وممارسات الاحتلال،ليس فقط في الإطار الشمولي،بل في قضية كقضية تصاريح شهر رمضان المبارك،والتي عبر عنها الاحتلال بأنها "تسهيلات" لسكان الضفة الغربية للدخول الى القدس والداخل الفلسطيني – 48 -، تسهيلات له فيها أسبابه واهدافه الاقتصادية والسياسية،وكذلك نقل المعركة والخلاف للبيت الفلسطيني،حيث رأينا كيف تخبطت السلطة فيما يخص استلام وعدم استلام التصاريح،وكذلك لم تجري وضع خطة منظمة من قبل محافظة ووزارة شؤون القدس ولا للغرفة التجارية ولا القوى ومؤسسات المجتمع المدني لكيفية التعاطي مع هذا الكم البشري الهائل من أهلنا وشعبنا الذي قد يكون جزء منه أول مرة يسمح له بالوصول للقدس والداخل الفلسطيني-48 -،لكي يستفاد منه ليس كقوة شرائية كبيرة تنعش الوضع الإقتصادي،من خلال التعميم والطلب من التجار أن تكون أسعارهم معقولة ومقبولة،وان يتم إرشادهم وترتيب سياحة داخلية لهم في المدينة بكل معالمها وأماكنها دينية وتاريخية وأثرية وغيرها.
لم يمض أربعة أيام على الشهر الفضيل حدثت عملية طعن لجندي حرس حدود من شرطة الإحتلال في باب العامود،والعملية جاءت في إطار الصراع القائم والمستمر مع الإحتلال،حيث أن حالة الإحتقان من ممارسات الإحتلال ومستوطنيه في المدينة من قمع وإذلال للمقدسيين ودعوات مستمرة واقتحامات للمسجد الأقصى حتى في الشهر الفضيل،ومنع للشبان من أمثال المنفذ للعملية في شهر رمضان من الوصول للمسجد الأقصى،تشكل عوامل ضغط وإنفجار.

المهم حدثت عملية الطعن،ولكن المسألة ليست هنا وفي ردة الفعل الإسرائيلي،والتي نعرفها جيداً،نعرف الإحتلال وسياسة عقابه الجماعي،حيث أقدم نتنياهو على إلغاء تصاريح قرية سعير في الخليل التي ينتمي اليها منفذ العملية،وكذلك الغاء تصاريح الخروج من مطار اللد ل(500) فلسطيني وإجراءات عقابية اخرى تطال منفذ العملية.
الخطورة ليست هنا،ولكن الخطورة في العديد من التعليقات وردود الفعل السلبية والمسيئة من قبل البعض فلسطينياً وخصوصاً من قبل شباب غير واع لخطورة تصرفاته،او إنحدار في مستوى وعيه وفهمه،فالمسألة الخطيرة هنا،أن يصبح البعض منا فلسطينياً على قناعة بأن "التسهيلات" والقضايا الإقتصادية والمعيشية أهم من القضية الوطنية،وهذا مترتب خطير جداً مقايضة الوطني بالمعيشي والاقتصادي.

صحيح هناك خلل جوهري وغياب كلي للمحافظة ووزارة القدس في هذه القضايا،أي غياب للسلطة ومعها القوى والأحزاب،ولكن الأخطر هنا ما يجري من إعادة صياغة و"تجليس" و"كي" للوعي الفلسطيني،جزء منه نتاج لسلوك وممارسات السلطة،والجزء الآخر نتاج لغياب وفشل القوى الأخرى في بناء وتحصين أبناء شعبنا بوعي مقاوم،وعي يتسلح بحقوق شعبنا وثوابتنا الوطنية،وعي يبنى على أساس انتماء وطني وليس قبلي او عشائري،وعي يقوم على مقاومة ما يقوم به الاحتلال من إختراق وتفكيك و"كي".
إننا بحاجة الى رؤيا واستراتيجية جمعيتين في ظل ما يجري وما جرى،بناء ثقافة ووعي مقاومين،من خلال عمل جاد ودؤوب لمقاومة كل دعاة نهج التطبيع وتشويه الوعي الفلسطيني،ورفع درجة المقاومة بفضح وتعرية ومقاطعة كل القائمين على هذا النهج والخيار والحاضنين له في أي مستوى كان،وكذلك تعزيز عملية المقاطعة الاقتصادية لبضائع ومنتوجات الإحتلال والتسوق من محلاته و"مولاته" التجارية،ضمن رؤيا شمولية تعيد الثقة للمواطن ليس فقط بالمنتوج والبضاعة المحلية او البديلة،ولكن المهم ان يكون لدى التاجر وعي وإنتماء وقناعة بضرورة أن يتشارك مع المستهلك في عرض وبيع بضاعة منافسة وبسعر مقبول،تشكل حافز لإستقطاب المستهلك والمشتري.

لا يجوز ان تبقى الغرفة التجارية مجرد يافطة تتفرج على الوضع القائم،وكذلك وزارة ومحافظة شؤون القدس.

ولا يجوز أن تغرق اللجنة التنفيذية في سبات عميق،فما حدث بعد عملية الطعن في باب العامود ناقوس خطر جدي.

بقلم :- راسم عبيدات

القدس المحتلة – فلسطين

23/6/2015
0524533879
[email protected]