حالة من الضجيج الداخلي الفلسطيني بدأت تَطِنُ على مسامع الجميع خلال الأسابيع الأخيرة، وقد تداخلت في أجواء ذلك الضجيج المعلومات والتسريبات والتقديرات المُتضاربة التي تتحدث عن وجود قنوات فعّالة من الاتصالات الأوروبية مع حركة "حماس" لإقرار هدنة طويلة مع سلطات الاحتلال، وعن وجود ترتيبات مُعينة لدى السلطة في رام الله لمواجهة ما تراه من "محاولات فصل الضفة الغربية عن قطاع غزة" وهو ما نفته حركة "حماس" في شكلٍ قاطع وعلى لسان أكثر من قيادي من مكتبها السياسي.
وفي تلك الأجواء، جاءت مسألة تعديل أو إعادة تشكيل الحكومة الفلسطينية في رام الله، والتي يرأسها الدكتور رامي الحمدالله، بعد أن تم عرض الموضوع على دورة اجتماعات المجلس الثوري لحركة "فتح" في جلسة انعقاده الأخيرة.
إن مسألة تعديل الحكومة الفلسطينية أو إعادة تشكيلها ليست لُب المُشكلة في فلسطين. فيُمكن تعديل الحكومة أو إعادة تشكيلها من دون صعوبات في حال انتهى الانقسام الداخلي في فلسطين الذي طال واستطال منذ ثمانية أعوام، وفي حال وصل الجميع إلى قناعة راسخة بأن التعددية في الوضع الفلسطيني مسألة محسومة، وبأن التشاركية ضرورة لا بد منها في مُجتمعٍ زاخر في حضور القوى الحزبية والفصائلية المُختلفة بألوانها السياسية وانحيازاتها الفكرية، حيث لا يمكن السفينة الفلسطينية أن تَمخُر في بحرٍ يزخر بالعواصف والأمواج العاتية وأن تصل إلى بر الأمان تحت إرادة فصيل واحد أو قائد واحد لا غير، بغض النظر عن الأدوار الاستثنائية للقوى الأساسية والشخصيات ذات التأثير والحضور على مسارات صنع القرار الوطني الفلسطيني.
إن إنهاء الانقسام الفلسطيني الداخلي، وجَسر الهوة بين حركتي "فتح" و "حماس"، يتطلب قبل كل شيء الإيمان بالشراكة الوطنية في صناعة القرار، وتجسيدها على مختلف المجالات والمستويات داخل السلطة الفلسطينية وعموم مؤسساتها وداخل منظمة التحرير الفلسطينية وعموم مفاصلها القيادية، خصوصاً بعد أن دخل الجميع بلا استثناء في مأزق وطني عميق عبر وصول الاستراتيجيات المعتمدة إلى النفق المسدود.
إن مآسي الانقسام الداخلي الفلسطيني في الظروف الفلسطينية الحالية لا يمكن حلها عبر تشكيل حكومة جديدة يتم تشكيلها بفرمان من طرفٍ واحد، بل تحتاج إلى توافق وطني ينهي الانقسام أولاً. وفي هذا السياق نشير أن حالة الانقسام استولدت كماً هائلاً من المشاكل الكبرى في المجتمع الفلسطيني، وقد زادت مع استمرار الحصار الظالم على قطاع غزة، وفي طليعة تلك المشاكل انتشار الفقر وتراجع الدخل، وارتفاع نسبة البطالة، وانخفاض مستوى المعيشة، وغياب الإمكانية لدى الفقراء وأسرهم من الوصول إلى الحد الأدنى من تأمين الاحتياجات الضرورية.
لقد دلت دراسة أنجزها أخيراً "المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان" حملت عنوان "اختناق: غزة في قبضة الأزمة الإنسانية" أن قطاع غزة وبسبب عزله عن العالم الخارجي، بات أكثر من 80 في المئة من سكانه يعتمدون على المساعدات الدولية. وأن نسبة البطالة شهدت ارتفاعاً غير مسبوق وصل بفعل سنوات الحصار إلى نحو 42.8 في المئة وهي نسبة مرتفعة بالمقارنة مع البطالة في الضفة الغربية. وقد أدى الحصار الإسرائيلي وعدم دخول معظم المواد الخام إلى قطاع غزة إلى إيقاف حوالى 90 في المئة من المشاريع التي كانت تديرها المنشآت الصناعية، وفقد أكثر من 75 ألف موظف يعيلون حوالى نصف مليون شخص وظائفهم منذ عام 2007.
من هنا، إن التحديات التي تواجهها الحالة الوطنية الفلسطينية تفترض العمل على إسدال الستار على حالة الانقسام الداخلي أولاً، والتوجه إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية ثانياً، تُشارك فيها جميع القوى الوطنية والإسلامية الموقعة على اتفاق القاهرة للمصالحة الوطنية الفلسطينية، حكومة يشارك فيها كل الفلسطينيين من دون إقصاء أو تهميش لأحد طبقاً لوزنه ودوره الفاعل على الأرض.
علي بدوان
* كاتب فلسطيني