بدأ شهر رمضان الكريم في غزة هذا العام كعادتنا في سنوات الانقسام العجاف بداية مظلمة , بسبب " كرامات " شركة الكهرباء , فشهر النور والقرآن , لم نشهد فيه كما كنا نأمل سوى "البشرى" بأن توزيع الكهرباء سيكون ثماني ساعات وصل وثماني ساعت قطع , حيث أكرمتنا شركة الكهرباء بانقطاع الكهرباء يوما عند الفطور , وليلة عند السحور , وهكذا بتنا بسحور دون ضياء وفطور دون كهرباء , سحور أمضيناه على ضوء الشموع , أو ما تيسر من أصناف الإنارة التي لا تزعج النائمين , بينما اضطر من يملك مولدا في بيته من تشغيل مولده على الإفطار , حتى يشاهد ما يفطر على نور الكهرباء , ويستطيع بعد ذلك تلاوة القرآن مابين صلاة المغرب والعشاء , أو يذهب بعضهم للترويح عن نفسه , بعد صلاة التراويح بمشاهدة بعد البرامج الرمضانية التلفزيونية , على الرغم من الترهيب والتحريم هذه الأيام من سماع الأغنيات , ومشاهدة المسلسلات والافلام , حسب فتاوى " داعش " بالحكم بالإعدام .
جاءنا شهر رمضان هذا العام في ظل صيف قائظ دون هواء عليل , في اختبار لقدرة الصائمين على تحمل حرارة صيف ونهار طويل , لم تعد تنفع معه المراوح والهوايات , وبتنا مثل دول الخليج بحاجة إلى المكيفات و " الكونديشينات " لتبريد البيوت والمساجد , فصلاة التراويح في هذا الجو , أصبحت بمثابة حمام أو " ساونة " للمصلين , فالمساجد التي كانت تمتلئ عن آخرها , وتفيض لخارجها , بدأت بتناقص كبير, ولذلك استمعنا لخطباء المساجد يدعون المصلين إلى ارتياد المساجد طوال رمضان بكثافة , بعد أن لاحظوا تراجع عدد المصلين , كما أخبرني بذلك أحد المصلين " المستكفين " عن الذهاب للمساجد .
وحل علينا الشهر الكريم , في ظل الحصار المستديم , وفي ظل الوطن الواحد المنقسم على نفسه وسط أنباء "مفرحة "بإنشاء إمارة الجنوب , وفي ظل غلاء فاحش , وجشع من التجار ساحق وماحق , لكل شيكل أو دينار تم تحويشه في يوم أبيض منذ عدة أشهر لمواجهة مصاريف رمضان وقائمته الطويلة , فالموظف المسكين لا يستكين في انتظار خبر أو إشاعة , عن قرب صرف الراتب , حتى يمكن له تلبية مطالب زوجته لشراء حوائج رمضان , وما أدراك ما حوائج رمضان من لحوم وخضار وفواكه , وصحون متعددة على مائدة الإفطار , وما يجب أن يكون عليها كل ما لذ وطاب , وخاصة المشروبات والحلويات , وملحقاتها من الجوز واللوز وكافة المكسرات , لحشو القطايف والكنافة , التي لا يستقيم رمضان بدونها , وكأنها فرض أو سنة , في زمن بات فيه المواطن بحاجة إلى " كوبونة " , وينتظر من أصحاب الفضل الزكاة والصدقة دون تفضل أو منة .
رمضان قاس هذا العام في غزة , قاس في حر صيفه الشديد , قاس على جيوب المواطنين المساكين , قاس على شعب يقاسي ويلات الاختلاف والانقسام , قاس في ظلمة ليله وفي حر نهاره , بعد أن فرضت شبكة توزيع الكهرباء التقنين , وتبدد حلمنا الدفين, في أن نكون كسينغافورة أو حتى الفلبين , بل بتنا ندعو الله , أن لا نلتحق بأفغانستان والصومال وبلاد الرافدين , فالله تقبل دعاءنا في هذا الشهر الكريم قبل أن يدخل علينا عيد الفطر , ونحن نردد قول الشاعر : عيد بأي حال عيد عدت يا عيد .. بكل ما مضي أم لأمر فيه تنكيد !!
بقلم/ عبد القادر فارس