القوات المسلحة الإلكترونية

بقلم: صبري صيدم

أعلنت إسرائيل قبل أيام عن تشكيل سلاح للمعلوماتية والفضاء الإلكتروني، مشددة على أن هذا السلاح ليس كالوحدات العاملة في المجال ذاته، التي كلفت سابقا بالرصد والمتابعة، وإنما عبارة عن سلاح يوازي في ميزانياته ومخصصاته الأذرع البرية والبحرية والجوية للجيش الإسرائيلي. وبهذا تكون إسرائيل الدولة الأولى في الإعلان عن ولادة القوات المسلحة الإلكترونية، التي لديها ذات المساحة من الحركة المنوطة بالأسلحة المختلفة، بل تتعادها بطبيعتها التي تمكنها من النفاذ إلى الأسلحة المختلفة.
ورغم اهتمام إسرائيل بفضاء المعلومات، إلا أن بعض مهامها وأقسامها المهتمة بالفضاء الإلكتروني، جاءت ولادتها مرتجلة وكردة فعل على المعارك الإلكترونية المتعاقبة التي جرى الإعلان عنها تباعا.
نشاطات إسرائيل المعلوماتية السابقة لم تتوقف عند رصد البيانات والمعلومات والمواقف المتداولة عبر الفضاء الإلكتروني ومنصات الإعلام الاجتماعي، وإنما أيضا ضمت مهمة تحصين المنظومة الأمنية العسكرية ضد الهجومات اليومية الصامتة والهجومات الكبيرة المعلنة. كما أن من مهامها شن الهجومات المختلفة واختراق الحسابات وتوليد الفيروسات وبرمجيات الاختراق والرصد وغيرها. لكن هذا النشاط وما تزامن معه من تطور أنظمة الهجوم والصد الإلكتروني، لم يعد كافيا، خاصة أمام ما اعتبرته إسرائيل، وحسب نتنياهو، مرارا بالخطر المصنف ثالثا ضمن منظومة مخاوفها بعد إيران والجماعات المتشددة. لذا فإن إعلانها عن إنشاء سلاح المعلوماتية يشكل تجاوبا واضحا، ودليلا قاطعا على حجم الإيلام الذي تعاني منه المنظومة الأمنية الإسرائيلية على مستوى محاولات اختراق منظوماتها الأمنية المختلفة.
إسرائيل ترى خصومها غير القادرين على تصنيع السلاح الثقيل والصواريخ العابرة للقارات وأسلحة الدمار الشامل تراهم جميعا أقدر على الوصول إلى منظوماتها المختلفة عبر الفضاء الإلكتروني، دونما دخان ودونما اشتباك ودونما عبور لجغرافيا مترامية، ضمن حرب يقال عنها حرب اللانار واللادخان.
حرب إلكترونية هادئة ومدمرة تشكل في حال نجاحها كارثة كبيرة ودمارا «إعطابيا» شاملا.
ومع حساسية إسرائيل لسهولة وصول المهاجمين إلى فضائها الإلكتروني، إلا أنها باتت أكثر قدرة من ذي قبل على الوصول السلس للمعلومات التجسسية، عبر سهولة اختراق البيانات المتراسلة من خلال الهواتف المحمولة، وما يرد على صفحات الإعلام الاجتماعي، بل باتت اليوم قادرة أيضا على تحديد المزاج العام وتحديد سياساتها قياسا على هذا المزاج، تدعمها في ذلك عفوية الناس في التبرع بالمعلومات، وعدم مراعاتهم لأي ضوابط أمنية في إدراج مواقفها وخططها وبياناتها، الأمر الذي يلقى استحسان الآلة العسكرية الإسرائيلية. ومع إدخال التقانات المكلفة في عالم الرصد والهجوم الإلكتروني، إلا أن ما ينفق اليوم على هذا البعد، من حيث التجهيز، أقل مما أنفق في الماضي على طرق الرصد والمتابعة والتخطيط، وذلك لتطور التكنولوجيا وسبل الفرز الآلي والرصد المحوسب وتحليل البيانات والتحديد المحوسب لسيناريوهات التدخل.
وقبيل ولادة الربيع العربي المزعوم، وصلت الآلة العسكرية الإلكترونية إلى ذروة أدائها بالتحليل والرصد والتخطيط والتنفيذ إلكترونيا، مستفيدة من جهلنا بأسرار التقانة وتبرعنا العلني بالمعلومات وهزالة أنظمة الحماية التي هي أصلا من صنيع الماكنة العسكرية الإسرائيلية.
إن الجهل في عالم المعلوماتية وعدم انتاجنا للمعرفة وللتكنولوجيا سيجعل لإسرائيل الغلبة في التعاطي مع قضايانا، وبسهولة توازي قيامها بتنفيذ لعبة إلكترونية للتسلية. تسلية يعكر صفوها أحيانا بعض الهجومات هنا وهناك، لكن تلك الهجومات لن تحدث دمارا مؤثرا في كيان الدولة العبرية، فالفرق واضح بين من يقود المركبة ومن يمتلك تقنيات صناعتها وإصلاحها.

٭ كاتب فلسطيني

د. صبري صيدم