منذ تأسيس السلطة الفلسطينية قبل نحو واحد وعشرين عاما، تشكلت سبع عشرة حكومة حتى الآن، تناوب على رئاستها ستة رجال، منهم ثلاثة من حركة فتح، واثنان مستقلان وواحد من حركة حماس، وتنوعت بذلك وتعددت الصفات التي وصفت بها تلك الحكومات، من حكومة الفصيل الواحد (فتح أو حماس) إلى حكومة المستقلين أو التكنوقراط، إلى حكومة الوحدة الوطنية، وكذلك حكومة الفصائل !
وفي الحقيقة أيضا فإن بعض هذه الحكومات قد اتسمت بشيء من الاستقرار، بحيث استمرت في تحمل مسؤولياتها لبضع سنين، فيما لم يسعف الوقت بعضها للبقاء في منصبها أكثر من بضعة أشهر !
المهم أن حكومات السلطة، من حيث هي قمة الهرم التنفيذي، بعد رئيس السلطة، في هيكل السلطة كتنظيم سياسي، اختلفت بشكل واضح عن اللجنة التنفيذية لـ م ت ف، التي كانت وما زالت تشكل قمة الهرم التنفيذي لمنظمة التحرير الفلسطينية، والتي تمثل - رسميا - على الأقل المرجع السياسي الأعلى للشعب الفلسطيني بما في ذلك، بالطبع، السلطة الفلسطينية وحكومتها.
من يراجع تلك المسيرة، يمكنه أن يلاحظ بأن اهتمام الناس بحكومات السلطة قد شهد مؤشرا تصاعديا، بعد أن كان عدم الاهتمام بتفاصيلها، من حيث من يشغل مقاعدها الوزارية، إلى سياساتها، وما إلى ذلك، هو السمة الغالبة منذ تأسيس السلطة العام 1994 حتى العام 2002، حين تم تعيين وزير مالية جديد هو د. سلام فياض، وصولا إلى تعيين رئيس حكومة مختلف عن رئيس السلطة، وكان ذلك الرئيس الحالي محمود عباس في عهد الرئيس الراحل عرفات العام 2003.
ثم كان أن صعد مؤشر الاهتمام الشعبي بحكومة السلطة حين حدث أول انقلاب سياسي بعد انتخابات المجلس التشريعي العام 2006، والذي على أثره تم تشكيل الحكومة العاشرة من قبل حركة حماس، بعد حكومات تسع فتحاوية، تلتها حكومة الوحدة الوطنية العام 2007 برئاسة حماس أيضا، وذلك بعد توقيع اتفاق مكة بين حركتي فتح وحماس، والتي أقيلت بعد ثلاثة أشهر فقط بسبب الانقلاب في غزة، فكان أن " تجاورت " حكومتان - الشرعية المتوافقة مع رئيس السلطة في رام الله، وانقلابية لحركة حماس في غزة !
واستمر هذا الوضع سبعة أعوام كاملة، منذ العام 2007 حتى العام الماضي 2014، حين توافقت حركتا حماس وفتح على تكليف د. رامي الحمد الله بتشكيل الحكومة الثانية برئاسته، بعد استقالة أو حل حكومة حماس برئاسة إسماعيل هنية، لكن ومع تعثر تلك الحكومة في القيام بواجباتها، خاصة فيما يخص إنهاء الانقسام، واجهت استحقاق تعديلها أو تغييرها.
رئيس الحكومة، طالب بتعديل الحكومة، والتعديل يضمن بقاءه كرئيس لها بالطبع، بل وحين حدد سلفا الوزراء الذين يطالب بتغييرهم، بدا الأمر وكأنه يسعى لمزيد من "السيطرة" على الحكومة، وحيث إن فك الحكومة وإعادة تركيبها، يعني مسا باتفاق تم مع حماس، فإن الرئيس لجأ للتنفيذية من اجل أن يواجه سعي رئيس الحكومة لتعزيز صلاحياته بالتعديل، والتعديل ربما يكون اقل "إثارة" لحماس من التغيير الحكومي.
فكان أن منحت اللجنة التنفيذية الدعم للرئيس، وهي لم تتخذ قرارا صريحا، لكنها فضلت حكومة وحدة وطنية، وشكلت لجنة للتشاور، لمنح الوقت لمتخذ القرار وجس النبض.
حكومة وحدة وطنية تعني أن يجري تشكيلها بمعرفة الفصائل، وبالتالي الظفر بدعمها، حتى لو لم تكن حكومة فصائل، وكانت حكومة مستقلين أو تكنوقراط، وبالتالي فإن شكل الحكومة أو تركيبتها ربما تكون على شاكلة الحكومة الحادية عشرة، أي حكومة فصائل، وهذا ما هو مرجح على الأغلب، خاصة وانه من غير المتوقع أن يحدث رد فعل غربي على مثل تلك الحكومة كما حدث العام 2007، وكان اقتراح حكومة وحدة وطنية مدعومة من الفصائل ومشكلة من المستقلين لتجاوز رد فعل المانحين السلبي.
المهم أن حكومة وحدة وطنية تستثني حماس بالذات، لن تكون إلا حكومة فصائل منقوصة، تقتصر على فصائل م ت ف في أحسن الأحوال، وبالتالي تشكل لجوءا لمواصلة الضغط ومحاولة لاحتواء حماس، بما يدفعها لأن تعلن أنها في "حل" من الالتزام الوطني خاصة فيما يتعلق بالهدنة مع إسرائيل، ولأن حماس ليست من النوع الذي "يتنازل" عن حقه، فهي أعلنت بوضوح بأنها تطالب بتفعيل الإطار القيادي، ليقرر بوجودها شكل الحكومة القادمة، أما ذهاب اللجنة التنفيذية بعيدا فيما قررته أو فضلته أو رجحته، فيمكن لحماس أن تقبله، حتى وبعد أن تم من دون حضورها ومشاركتها، لو أن حكومة الوحدة الجديدة كانت برئاستها - مثلا - كما كان حال سابقتها الحادية عشرة، وحيث إن هذا الأمر غير مطروح، فان الذهاب بهذا الاتجاه لآخره يعني أن رئيس الحكومة القادمة يمكن أن يكون فتحاويا، وهذا أمر يعقد حتى الداخل الفتحاوي، لأنه قد يعطي إشارة إلى ان الرجل سيكون نائب ووريث أبو مازن، رغم أن الأمر ليس بالضرورة أن ينتهي هكذا، فقد كان أبو علاء قريع الفتحاوي أول رئيس للحكومة في عهد الرئيس محمود عباس، ورغم ذلك، لم يجلس على المقعد الثاني لا في فتح ولا في م ت ف ولا في السلطة، لكن ربما يكون الزمان قد تغير ليقول بغير هذا الآن، لذا فإن المؤقت، أي بقاء هذه الحكومة على حالها قد يستمر طويلا، وربما نشهد لاحقا تعديلات طفيفة، وفق سياسة "لا يموت الذئب ولا تفنى الغنم"!
رجب أبو سرية
26 حزيران 2015